في تاريخ ١٨/ ذي الحجة/ ١٠ ه ق قضى النبي الاعظم مناسكه ، وقفل راجعا إلى المدينة، وكان الناس قد شايعوه في مسيره إلى الموضع المعروف بغدير خم من الجحفة حيث منه تفترق الطرق كل إلى الناحية التي انحدر منها . هذه الحادثة حصلت قبل وفاة النبي بثلاثة أشهر لان النبي توفي في ٢٨ / صفر / ١١ ه ق . عند ذلك نزلت اية البلاغ ( يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك ..) سورة المائدة : الآية ٦٧. وهنا عندما نزلت الآية أمر النبي برد من تقدم من الناس وحبس من تأخر وخطب فيهم النبي تلك الخطبة التي تدور حول موقع ومكانة اهل البيت في هداية الأمة واستقامتها عند تمسكها بأهل البيت عليهم السلام، وفي مقدمتهم الإمام علي عليه السلام حيث أخذ بيده ورفعها وقال : أيها الناس من اولى الناس بالمؤمنين من انفسهم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم، قال (ص) : ان الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا اولى بهم من انفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه " يقولها ثلاث " ثم قال اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه واحب من أحبه وابغض من ابغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار الا فليبلغ الشاهد الغائب . ثم لم ينفضوا من حول الرسول حتى نزل الوحي بقوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) سورة المائدة : الآية ٣ . ثم جلس النبي إلى خيمة ، وامر عليا ان يجلس بازائه وامر الناس ان يدخلوا عليه لتهنئة الإمام علي عليه السلام ويسلموا عليه بامرة المؤمنين ففعلوا . وقد ذكر احمد في مسنده والمفيد في الإرشاد وغيرهم من المحدثين والمؤرخين ان الناس طفقوا يهنئون الإمام عليه وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب ( بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ) . ان هذه الحادثة الكبيرة لم تكن حادثة عرضية ، بل هي حادثة تنتسب إلى سلسلة من الحوادث التي كان يتوج فيها الإمام علي باوسمة من النبي ابتدأت من حادثة الدار ثم حادثة المبيت في فراشه ثم الايفاء بتأدية الامانات عن الرسول الأكرم ثم صبره على مالقيه من قريش ، ومواقفه في غزوات وسرايا النبي والتي بلغت (٦٧ ) غزوة في عشر سنين ، فقد شهدها كلها ماعدا تبوك حيث استبقاه الرسول على المدينة وقد القى النبي ايضا على صدره وسام حديث المنزلة اي بمنزلة هارون من موسى وكان الإمام علي عليه السلام في كل تلك المعارك صاحب راية الرسول والقائد البارز فيها . لقد كان النبي الاكرم يصدر اقواله وافعاله وتقريراته عن مناسبة ، ولذا فقد كانت كل كلمة قالها في حق علي عليه السلام لها مناسبة وتلتصق بواقعة معينة ؛ على خلاف بعضهم قد الصقت فيهم صفات حميدة من دون مناسبة في تقولات ومكذوبات نسبوها الى النبي الاعظم . لقد كان الرسول باعتباره مبلغا عن الله تعالى ينظر إلى الماضي والحاضر والمستقبل نظرة شاملة وثاقبة حتى أن التراث الذي وصل إلينا عن الرسول يتحدث عن أزمنة تتعدى زمنه إلى زماننا الحاضر والى أزمنة مستقبلية ، وعليه فقد كان العقل الإستراتيجي للنبي يحيط بالازمنة إحاطة الخبير وينبيء الناس عن معالم المستقبل ، ولم ينس الحاضر فقد كان قد هيأ الأمة لموضوع الإمامة والخلافة . لقد كان النبي يقوم بتوزيع المسؤوليات في كل معركة ويضع قائدا للسرية أو الغزوة وحتى عندما يخرج من المدينة إلى الحرب أو ماشاكل ذلك كان يضع من ينوب عنه وحسبنا ان نشير إلى توزيع الأدوار والقيادة في غزوة تبوك فقد اعطى الراية لجعفر بن أبي طالب وقال ان قتل جعفر فاسامة وأن قتل أسامة فعبد الله بن رواحة ، الرسول لم يترك الأمة هملا بغير راع لا في حرب ولا في سلم ، لقد كان يشرح للامة الآيات في ذهاب موسى لملاقات ربه وضع هارون على الأمة وانقلبت الأمة من التوحيد إلى عبودية العجل في ظرف قصير فكيف لهذا النبي الذي يعلم الأمة الايات الحكمة ويقوم بتربيتها وتزكيتها ان يترك الأمر من بعده إلى سقيفة بني ساعدة تتجاذبها الصيحات والتهديدات ؟! إن حادثة غدير خم هي حادثة تضمن للامة مستقبلها ( لن تضلوا ) . انها تتويج لمواقف ذلك الإمام الهمام الذي تربى في حجر النبي وقضى نشأته الأولى في بيت النبوة ، ثم لما نشأ وقوي عوده مباركا كان مع كبار المسلمين يجالد حيف قريش وعتاتها ، وقضى شبابه بين يدي الرسول مجاهدا صلبا ومضحيا في سبيل الله . نعم لقد كان الإمام علي عليه السلام هو الخليفة الوتر الأوحد للتصدي لقيادة الأمة وايصالها إلى بر الأمان والنجاة .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha