محمد محمود مرتضى
منذ أن اعلن ابو بكر البغدادي عن توسع ما يسمى «الدولة الاسلامية» الى مناطق جديدة في السعودية واليمن ومصر وليبيا والجزائر وقبول مبايعة من بايعه فيها ، لم تتوقف التحليلات عن قراءة أبعاد هذه الخطوة وتداعياتها على الدول التي حددها البغدادي في كلمته الصوتية التي أُطلق عليها اسم « ولو كره الكافرون».
ورغم أن الكلمة تضمنت تهديدات ودعوات لانصاره بتوجيه ضربات الى بعض الفئات المتواجدة في هذه المناطق التي اعلنها ولايات وحل الاسماء التي كانوا يعملون تحتها، الا انه يمكن ملاحظة ان ما قد يبدو بحسب الظاهر انه عناصر قوة هو في الواقع عوامل ضعف ووهن.
فخطوة البغدادي جاءت بعد سلسلة من الهزائم والضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم في العراق سواء عبر خسارة المزيد من الاراضي أو عبر استهداف لكثير من قياداته الميدانية ما دفع بمعظم قيادات الصف الاول والثاني من داعش الى مغادرة الاراضي العراقية التي باتت تعتبر غير آمنة أمنياً والتوجه نحو بعض المناطق السورية.
أما قضية المبايعات التي اشتغلت بها بعض المواقع الاكترونية «الجهادية» فلا تبدو انها جديدة، فقد دأب داعش ومنذ مدة على بث اعلان انشقاق عناصر واطراف عدة عن تنظيم القاعدة ومبايعتها له. ويبدو من المتابعة أن هذه المبايعات هي مبايعات استعراضية اكثر منها بيعات فاعلة. اذ انها تأتي من جماعات مجهولة لم يسبق لها الظهور، والارجح ان هدفها هو تشجيع الانشقاقات والايحاء بأن ثمة توجهات كثيرة داخل صفوف القاعدة للالتحاق بتنظيم داعش.
والواقع أن هذه القراءة لاهداف اعلان البغدادي عن توسع دولته وانشاء ولايات جديدة جاءت متطابقة مع قراءة تنظيم القاعدة نفسه في فرع الجزيرة العربية منه تحديدا.
فتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، ومنذ اعلان داعش عن الخلافة وما تلاه من اقتتال دموي بينه وبين جبهة النصرة في سوريا، نأى بنفسه عن اتخاذ موقف مما يجري هناك، بل هو سارع واكثر من مرة، عند بدء العمليات العسكرية للحلف الغربي ضد داعش، الى اصدار بيانات دعم لما سماهم «المجاهدين» ضد « الحملة الصليبية».
الا أن بيانات الدعم هذه لم تشفع «لقاعدة الجهاد في جزيرة العرب» في دفع داعش وزعيمه البغدادي لتجنيب السعودية واليمن (حيث نشاط هذا الفرع للقاعدة). فكلمة البغدادي الاخيرة تعني حل جميع الجماعات المسماة «جهادية» في هذين البلدين ما يعني بحسب أدبيات داعش ان لا شرعية لاي جماعة لا تعمل تحت راية «الدولة الاسلامية» أو تتبع امراء هذه الولايات.
ومع هذه الخطوة من البغدادي وجد فرع تنظيم القاعدة هذا انه لا بد له أخيرا من اتخاذ موقف واضح من داعش ابتداء من اعلان الخلافة وصولا الى مشروعية المبايعات وحل الجماعات الاخرى.
اليمن ساحة جديدة للقتاللم يتأخر تنظيم القاعدة في اظهار موقفه، حيث اعلن بتسجيل مصور تلاه حارث النظاري بيانا حدد فيه موقفه من هذه الاحداث. وتنبع اهمية هذا البيان في انه اعلن صراحة بطلان اعلان الخلافة لعدم استجماعها للشروط «الشرعية» التي ينبغي توافرها في مثل هذه الخطوات.
ان بطلان اعلان الخلافة يعني بحسب الادبيات «الشرعية» بطلان البيعات له وعدم شرعيتها، او على أقل التقادير، عدم الزامية البيعة للخليفة. الا ان ما كان لافتا في بيان القاعدة انه اعتبر حل الجماعات العاملة في الساحات التي اعلنها داعش ولايات له، بمثابة الفتنة لشق صفوف «المجاهدين» وانها من « التعدي والظلم والقطيعة» على هذه الجماعات. بل هي مساع لتقويض بنيانهم ونقض عهودهم وتنكر لآلاف « الشهداء والجرحى والأسرى». بحسب البيان.
والواقع يبدو ان التنظيم يرى في خطوة البغدادي هذه عبارة عن بدايات، ربما، لانتقال القتال الدائر بين داعش والنصرة في سوريا، الى مناطق أخرى في اليمن على سبيل التحديد (باعتبار ان السعودية خارجة عن احتمالات الاقتتال فيها لعدم وجود تشكيلات علنية كما هي الحال في اليمن).
سعى داعش من خلال كلمة زعيمه الى تصدير مشاكله خارج العراق والشام ورفع معنويات انصاره بعد الهزائم المتتالية عبر التظاهر بتوسع التنظيم، فيما تسعى القاعدة الى محاولة المحافظة على قواعدها في ظل انتكاسات كبيرة في اليمن على يد الحوثيين واللجان الشعبية.
فما بين بيان البغدادي، ورد قاعدة الجهاد في جزيرة العرب يبدو أننا امام منطق «عود على بدء» أي العود الى صراع الاستقطاب
28/5/141203
https://telegram.me/buratha