الدكتور خيام محمد الزعبي ـ صحفي وباحث أكاديمي في العلاقات الدولية
أثارت كارثة المنجم في شرق تركيا غضباً إجتماعياً جديداً على رئيس الوزراء المحافظ رجب طيب أردوغان قبل الإنتخابات الرئاسية، إحتجاجاً على تكرار الحوادث المأساوية في المناجم التركية وكان قد خرج آلاف الأشخاص في مظاهرات إستجابة لدعوة النقابات في إسطنبول وأنقرة للتنديد بالحادث، وكانت النقابات قد أعلنت عن إضراب عام في كافة أنحاء البلاد في ذكرى عمال المنجم الذين قتلوا في هذه الكارثة، وطالب بعضهم الحكومة بالإستقالة، وفي المقابل، رفض أردوغان تحمل حكومته لأي مسؤولية في هذه المأساة، مؤكداً أن "حوادث العمل تقع في كل مكان في العالم"، لكنه دعا إلى تحقيق موسع في أسباب الحادث.
فالحكومة التركية تواجه ظرفاً صعباً داخلياً وخارجياً يضع قدرة رئيس الوزراء أردوغان في الحكم على المحك، فداخلياً عرفت البلاد خلال العام الفائت إحتجاجات كبيرة، كان ميدان تقسيم، بؤرتها الرئيسية، وتعاني بسبب الأزمة الإقتصادية العالمية والأزمة الراهنة تراجعاً إقتصادياً، أما خارجياً فعلاقاتها بجوارها صعبة جداً، مع العراق وسوريا ومع مصر والدول الخليجية، ومع إيران بسب الخلاف حول سوريا، وتواجه استقطاباً في شمالها بسبب النزاع الغربي-الروسي على أوكرانيا حالياً، وقد جاءت المساعي الأخيرة لحل المشكلة القبرصية بموافقة حكومة أنقرة، لتزيد من غضب القوى التقليدية التي ترى أن الحكومة رضخت لمشيئة الغرب في هذه القضية، إضافة إلى اتهام رئيس الوزراء بالتنازل عن قيم الجمهورية التركية فيما يتعلق بقضاياها القومية، فضلاً عن إنفتاحه القريب على إسرائيل، وكما ترى هذه القوى أردوغان بأنه يتجاوب مع الضغوط الأميركية داخلياً مقابل دعم الأميركيين لبقائه في السلطة، إذ يبدو أن الولايات المتحدة لم تتخلَّ عن تركيا الإسلامية بعد، على الرغم من سقوط مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، هذا الأمر ظهر بشكل واضح حين فتحت الحكومة حدود تركيا لدخول آلاف المقاتلين إلى سوريا، كل هذه القيود على حركة رئيس الوزراء تتزامن مع خوضه مواعيد سياسية مهمة، هي الانتخابات الرئاسية.
واليوم جاءت كارثة الإنفجار في منجم سوما لتزيد من الضغط على حكومة أردوغان، إذ باتت متهمة في تحمل جزء من المسؤولية عن موت أكثر من 200 شخصاً لمحاباتها لأرباب العمل على حساب أمن العاملين، وأول الاتهامات الموجهة لحكومة أردوغان هو إهمالها لمراقبة أعمال المنجم في خضم خصخصة المنشآت الحكومية خلال الأعوام الماضية، كما أن عدد المفتشين الحكوميين لا يكفي لتغطية المناجم الموجودة في البلاد، والطامة الكبرى هو أن حزب أردوغان "حزب العدالة والتنمية" رفض سابقاً طلباً تقدمت به المعارضة للتحقيق في مسألة غياب شروط السلامة والأمان بمنجم سوما، وبالتالي تلتقي إحتجاجات حريق المنجم وسخط جماعة غولن في رفضهما لما يسمونه الطابع التسلطي لرئيس الوزراء، وقد يتحول هذا الرفض إلى حراك سياسي يسعى في المقام الأول إلى منعه من البقاء في السلطة.
وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية تفوق على خصومه بفارق كبير في الإنتخابات البلدية الأخيرة، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن المعركة الرئاسية ستكون على نفس الشاكلة، إذ من المنتظر أن تكون أكثر صعوبة نظراً لإختلاف المعطيات والتي تتطلب أن يحصل أي مرشح يود الفوز على أكثر من 50% من الأصوات وهو أمر ليس بالسهل خاصةً في ظل الاستقطاب السياسي والإجتماعي الحاصل في المجتمع التركي.
وفي إطار ذلك يمكنني القول إن هذا الموضوع ألقى بظلاله على التوقعات بشأن ترشح أردوغان لمنصب الرئاسة التركية إذ لم يعد فوز أردوغان مضموناً لاسيما وأن المعارضة يمكن أن تتفق على مرشح توافقي ينافس أردوغان، وبالتالي هناك علامة استفهام كبيرة على نجاح أردوغان في انتخابات الرئاسة .
وأخيراً ربما أستطيع القول قد تكون حادثة حريق منجم الفحم إختباراً حقيقياً لشعبية رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الذي يواجه أسوأ أزمة تهدد مستقبله، عدا عن سلسلة من الفضائح السياسية ومواجهة المتظاهرين بالقوة.
24/5/140518
https://telegram.me/buratha