حسني محلي
أسبوع يفصل تركيا عن الانتخابات البلدية المصيرية. انتخابات ومهما كانت نتائجها، فإن تركيا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل انفجار قصص الفساد. كذلك فإن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، لا يستطيع ولن يستطيع أن يحكم البلاد بالنحو الذي كان عليه قبل 17 كانو أول الماضي
لم يكن قرار رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، بحجب التويتر مفاجئاً بالنسبة إلى الشارع التركي، بعد قانون الإنترنت الذي منح السلطة صلاحيات بلا حدود في هذا المجال، مع ما لحق به من تهديدات استهدفت الفيسبوك واليوتيوب. وسائل تواصل قال عنها أردوغان إنها «لسان حال الخونة والعصابات»، ويقصد بها جماعة فتح الله غولن التي تستغل هذه الشبكات لتسريب تسجيلات صوتية بين رئيس الحكومة وابنه بلال في ما يتعلق بقضايا فساد خطيرة، أو بينه وبين أصحاب وسائل الإعلام الذين أمرهم بطرد المعارضين له.
وجاء قرار أردوغان بمنع التويتر بعد يوم من تسجيل صوتي بين أحد الصحافيين مع وزير شؤون الاتحاد الأوروبي السابق، وكان متهماً أيضاً بالفساد، حيث استهزأ بسورة البقرة من القرآن الكريم، في الوقت الذي يراهن فيه الجميع في الشارع الشعبي على محتويات التسجيلات الصوتية والمرئية التي يقال إنها ستُسرَّب اليوم أو غداً، وقد تتضمن أموراً شخصية خطيرة بالنسبة إلى أردوغان، بما في ذلك علاقته مع مغنية وأخرى مع ممثلة شهيرة.
وتقول وسائل الإعلام إن مثل هذا الاحتمال هو الذي دفع أردوغان إلى حجب موقع التويتر الذي زاد عدد مستخدميه على 15 مليون تركي، استطاع معظمهم اختراق قرار الحجب عبر تقنيات جديدة تسعى الحكومة إلى محاربتها أيضاً في إطار مساعيها للتصدي لأي تسريبات صوتية أو مصورة سيسوقها أتباع غولن عبر حسابات مزورة في التويتر أو الفايسبوك، وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية نهاية الشهر الجاري.
وتتناقض كل التقويمات والتفسيرات والتخمينات حول هذه الانتخابات التي بات واضحاً أنه مهما كانت نتائجها، فإن تركيا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل انفجار قصص الفساد في 17 كانون الأول الماضي. كذلك فإن أردوغان، مهما كانت نسبة الأصوات التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية الحاكم، لا يستطيع ولن يستطيع أن يحكم تركيا بالنحو الذي كان عليه قبل التاريخ المذكور، وخاصة مع استمرار التحديات الخطيرة بينه وبين غولن الذي بات واضحاً أنه مصمم للسير قدماً في حربه ضد أردوغان. ويبدو أن واشنطن لم تقرر بعد ما إذا تخلت عن رئيس الحكومة أو لا كما تخلت عن شيخ قطر محمد بن خليفة آل ثاني والرئيس المصري السابق محمد مرسي وبندر بن سلطان والسفير روبرت فورد.
ويتحدث الشارع الإعلامي والسياسي عن عشرات السيناريوات عن المستقبل السياسي هذا، مع كل الاحتمالات والمفاجآت التي يمكن أن تحصل في الأيام الباقية من هذا الشهر، بما في ذلك التحرش بسوريا، ومن دون أن تمنع كل هذه السيناريوات والاحتمالات أردوغان من الاستمرار في حملته الانتخابية المبنية على أساس أن أحسن دفاع هو الهجوم على العدو، وفي جميع الجبهات. فهو يهاجم بعبارات عنيفة وملامح عصبية متوترة كل أحزاب المعارضة، ويقول عنها إنها حليف لغولن «المدعوم من القوى الخارجية أعداء الأمة والدولة التركية»، من دون أن يتطرق لقضايا الفساد التي طاولته وأولاده ووزراءه، وهو لا يتطرق لمواضيع التسريبات الصوتية التي إن صحت فهي تثبت بكل وضوح تورطه الخطير في قضايا شخصية وعامة مهمة وحساسة جداً.
ويبقى السؤال الأهم بالنسبة إلى الجميع: يا ترى من سيصدق الناخب التركي؟ أردوغان أم التسريبات الصوتية التي تثبت تورطه بقضايا فساد خطيرة تصدى رئيس الحكومة لها من خلال حملة غير مباشرة تهدف إلى إقناع أنصاره وأتباعه بأن قضايا الفساد ليست جدية؟ وهو ما يفسر دفاع هؤلاء الأنصار والأتباع عن أردوغان بالقول: إن كل الساسة يسرقون، وإن كان أردوغان سارقاً، فقد فعل الكثير من أجل تركيا وخدمها في جميع المجالات.
ويقول البعض إن أنصار أردوغان وأتباعه لن يتخلوا عنه مهما فعل، بما أنهم كانوا المستفيدين من حكومته طوال السنوات الـ 12 الماضية. ومعروف أن تلك الحكومة نجحت في كسب الفقراء ومتوسطي الدخل من خلال ملايين البطاقات التموينية والنقل الداخلي المجاني، بالإضافة إلى توظيفها لمئات الآلاف من الأنصار في قطاعات تابعة للدولة، وهو ما حقق لها الملايين من أصوات الناخبين الذين خدمهم أردوغان في مجال الصحة والتعليم وأمور أخرى مهمة.
وستكون كل هذه الحسابات، إن صحت، كافية لدفع علماء الاجتماع والسياسة إلى وضع تحليلات جديدة عن المجتمع والإنسان التركي الذي إن استمر في تأييده لأردوغان، فسيثبت للجميع أنه غير مبالٍ بكل القيم الدينية والاجتماعية والثقافية وكل العادات والتقاليد التي لا ولن تتقبل ما عاشته تركيا خلال الأشهر الثلاثة الماضية في ظل حكومة العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان الذي كان قبل 3 سنوات نموذجاً للعلماني الديموقراطي الإسلامي المعتدل. وأثبتت التحقيقات والتسريبات الأخيرة، إن صحت، أنه قد تحول إلى رمز للفساد السياسي والاجتماعي والأخلاقي والإنساني الذي يسعى أردوغان إلى إخفاء حقائقه وتفاصيله عن الشعب التركي من خلال قوانين الإنترنت والمجلس الأعلى للقضاء والتحقيقات القضائية والمخابرات الوطنية، وهي تهدف جميعاً إلى إحكام سيطرته على كل صغيرة وكبيرة في البلاد، بدعم من وسائل الإعلام التي سبق له أن أحكم سيطرته عليها. وهو الآن يحاول إسكات ما بقي منها عبر التهديدات المباشرة وغير المباشرة، ومن خلال المجلس الأعلى للإعلام الذي لا يتردد في فرض غرامات مالية كبيرة جداً على وسائل الإعلام المعارضة وبحجج ومبررات تافهة لا يمكن حتى الاعتراض عليها. وينتظر الجميع الأول من نيسان عند إعلان نتائج الانتخابات التي إن لم تؤجل أو تلغَ في آخر لحظة، ولأي سبب كان، فسوف ــ كما يقول المثل التركي ــ يتبين الأبيض من الأسود. وإن حقق أردوغان ما يرجوه من نتائج، فسيحذو حذو الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قال ذات يوم: «إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها».
1/5/140326