( بقلم : علي محمد الصراري )
لم تشبع السلطات الحاكمة في اليمن من خوض الحروب الداخلية، وصار الولوغ في دماء اليمنيين سياسة ثابتة لم تتزحزح، فمن حرب إلى حرب إلى ثالثة، إلى عاشرة وهكذا دواليك تتغير أمكنة الحروب وازمنتها، وتتنوع دوافعها وذرائعها، لكنها تظل على الدوام حروباً لاتقيم حرمة للدم اليمني، ولا تحفظ حقاً، ولا تصون مصلحة وطنية.. وتدل الحماسة الفائقة التي تبديها السلطة هذه الايام، على ان شهيتها مفتوحة لصنع فصل مأساوي جديد، يدور على ارض يمنية، وضحاياه من اليمنيين، بغض النظر عن هويات الضحايا واسمائهم، سواءً كانوا من المواطنين، او من الجنود المنتسبين لمؤسستي الجيش والامن..
وكما يبدو، ان السلطات الحاكمة فرغت من استكمال الاستعدادات لخوض حرب جديدة في صعدة، وعبأت الموارد المادية والمعنوية لشنها، ولم يتبق امامها سوى استكمال الذرائع لتكون حرباً بغطاء وطني، بعد أن تهيأ المسرح الاقليمي لها، بوضعها في سياق ازمة اقليمية، يدعي القائمون عليها بأنها مواجهة مع محاولات ايران لمد نفوذها على بلدان المنطقة، وزيادة على الحرب المقدسة ضد النفوذ الايراني، اضافت السلطات في اليمن ذريعة جديدة تزعم حماية الاقلية من اليهود اليمنيين من بطش المتمردين الحوثيين المدعومين من ايران، والذين قام واحد منهم بتهديد يهودي يمني ما انفك ان اعتذر عن فعلته، لكن الغيرة على امن واستقرار اليهودي اليمني المهدد نظرياً، لم تظهر مثيلة لها على قرابة اربعمائة مواطن يمني معظمهم من النساء منازلهم في قرى الجعاشن..
ومهما يكن يستحق اليهود اليمنيين في صعدة ان تتوفر لهم سبل الامان والحماية، ويستحق المسلمون السنة في قرى الجعاشن ان تحفظ حقوقهم وتصان كرامتهم، لكن الغيرة على امن المواطن اليهودي لم تكن حباً في سواد عيونه، وانما جزءاً من ترتيب الغطاء الاقليمي والدولي لحرب داخلية مرسومة، موجهة نحو صعدة، تستهدف الالاف من اليمنيين اتباع المذهب الزيدي- الهادوي هناك، الذين يقودهم عبدالملك بدر الدين الحوثي، وعبدالله عايض الرزامي..
ولتوفير الغطاء الوطني لحرب داخلية، تحرص السلطة على انتزاع تأييد احزب المعارضة، وعلى وجه التحديد احزاب اللقاء المشترك، التي نعلم يقينا ان السلطة لاتهتم كثيراً باخذ آرائها في الشئون الداخلية، علاوة على ان ارائها ومواقفها المعلنة في مختلف الشئون الوطنية هي موضوعات دائمة لاعمال التشنيع والتشهير التي تمارسها وسائل الدعاية الرسمية، لكن السلطة التي تسعى للحصول على تأييد المعارضة في حرب صعدة الجديدة، ليس لديها الحرص نفسه في اخذ موافقة المؤسسات الدستورية، وعلى وجه التحديد موافقة مجلس النواب اليمني، الذي يكتفي بدور صوري شكلي له تؤمنه الاغلبية البرلمانية للحزب الحاكم..
والواضح ان السلطات الحاكمة لاتسعى إلى اشراك المعارضة في اتخاذ قرار وطني، وانما إلى توريطها بالموافقة على ارتكاب جريمة داخلية، ويتجلى ذلك من خلال ا لحملة الدعائية المحمومة التي لم توفر أية مفردة من مفردات التخوين والتأثيم وتهم العمالة والعداء للوطن الا واستخدمتها لاشاعة جو من الارهاب الفكري يلجم افواه المعترضين- ان كان هنالك من يجرؤ على الاعتراض- او يجمد الاسئلة على السنة المتسائلين، الذين يهمهم ان يعرفوا حقيقة مايجري في صعدة قبل ان يحددوا مواقفهم منها، ويترافق مع هذه الحملة الدعائية المحمومة، تقديم المعلومات من طرف واحد، وسد كل المنافذ، التي يمكن ان تأتي منها معلومات مصدرها الطرف الاخر، او تعبرعن وجهة نظره في الازمة، وفي الوقت نفسه لاتسمح السلطات لجهات محايدة، او حتى مسئولة- مثل مجلس النواب- بالتحقيق فيم يجري في صعدة، لتكون الحقائق واضحة، والزيف بين بشأن مايجري هناك..
واذا كان لابد من ان يكون لاحزاب المعارضة اولويات محددة في هذا الموضوع، فان المهمة التي تحتل المرتبة الاولى ينبغي ان تكون الوثوق من المعطيات التي سوف تقيم موقفها استناداً عليها، وهذا يستدعي ان تسعى هي أولاً للحصول على ا لمعلومات الحقيقية، اذا لم يكن ذلك ممكناً من خلال جهات محايدة، أو مسئولة موثوق بها، لأنه لايجوز للمعارضة ان تجازف في شأن حساس كالذي نحن بصدده، وتنحاز بتأييدها لصالح حرب لاقضية لها، فهي ان فعلت ذلك فانها تضع دورها وتاريخها تحت طائلة الادانة..
ثم ان المعلومات التي تأتي من مصادر السلطة لاينبغي قبولها على عواهنها، فلطالما تلاعبت السلطات الحكامة بالمعلومات المتعلقة بالمشاكل الداخلية، واذا مانبشت المعارضة في ذاكرتها استرجاعاً للمعلومات التي صدرت عن السلطة نفسها منذ ان نشبت الازمة وحربها الاولى في صعدة عام 2004م، فانها ستكتشف الواناً جهنمية من التناقض والخداع والاختلاق، ففي حربي صعدة الاولى الثانية كانت تختلق أهوالاً من الاكاذيب، وما ان بعثت السلطة بوفدها البرلماني إلى صعدة لاعلان نهاية المشاكل فيها، حتى تبين ان ماجرى هناك كان حرباً عبثية حكمها مزاج عبثي، واتضح يومها ان السلطة لاتمتلك مطالب وطنية وقانونية تفرضها على غرمائها في صعدة، بل هي التي قامت بإعلان العفو العام، ووعدت باطلاق المعتقلين، والتعويض عن الخسائر في الارواح والممتلكات، جراء الحرب – كما بدا حينها- بلا قضية..
والآن ينبغي طرح مجموعة من الاسئلة الضرورية عن مدى وفاء السلطة بوعودها والتزاماتها لمعالجة اثار حربي صعدة الأولى والثانية، هل افرج عن المعتقلين؟ هل صرفت التعويضات للمتضررين فعلاً؟ هل توقفت الملاحقات غير القانونية؟.. الخ، وقبل الشروع في شن حرب داخلية، هل جربت كل الوسائل السلمية لحقن الدماء ومنع الحرب؟ هل طبق القانون؟ هل قامت المؤسسات الدستورية بدورها وواجبها؟ هل صدرت اتهامات محددة..
https://telegram.me/buratha