توشحت كربلاء بالسواد منذ اليوم الأول من محرم بل وقبل ذلك حين بدأ المواطنون وأصحاب المواكب والهيئات وتكياتها بالعمل على تهيئة مستلزمات الاحتفال بذكرى استشهاد الإمام الحسين في واقعة الطف عام 61هـ.ومع بداية الشهر الحرام صارت كربلاء عبارة عن قطعة قماش سوداء تتخللها الألوان الخضر والحمر التي علقت على الجدران وأعمدة الشوارع وبوابات المحال وحتى الدوائر الحكومية ، فيما غطى التكيات والهيئات اللون الأسود من الخارج بينما هى من الداخل مزدانة باللالات والفوانيس التي تضاء عند بدء المساء لتعطي لونا آخر للاحتفال.
واللالة عبارة عن زجاجة طويلة ملونة في داخلها مصباح كهربائي موصول ليضاء مع بدء المساء فتشع الأنوار بلون اللالة فتبدو لوحة جميلة تبدأ من أسفل الرفوف إلى أعلى الرفوف حيث سقف التكية.التكيات الحسينية أحيطت جدرانها بالأقمشة والرايات السود التي تعبر عن الحزن والرايات الحمر التي تعبر عن الدم والرايات الخضر التي تعبر عن الإسلام وفي داخل هذه التكيات وضعت قوارير ولالات وفوانيس ملونة ومزججة فوق رفوف متناسقة حتى سقف التكية.
كل شيء عاد كما كان حتى سبعينيات القرن الماضي قبل أن تختفي هذه المظاهر في زمن النظام السابق لتعود الآن بقوة وتعلن الهيئات والتكيات عن نفسها إذ انها لم تكن قد ضاعت بل كان الخوف من الموت أو الاعتقال هو الذي جعل مثل هذه التكيات تختفي من الشوارع.
السيد كريم ميري العبيس مسؤول تكية جمهور العباسية في شارع الجمهورية ، قال لـ (أصوات العراق) المستقلة "تعتبر تكيتنا وموكبها من أشهر المواكب الحسينية في كربلاء والعراق" ،مضيفا أن "النظام السابق حرمنا من حرية التعبير عن الرأي مثلما حرمنا من أن نتوج حبنا لأهل البيت وللحسين الشهيد بمثل هذه الشعائر الحسينية." واوضح أن "التكية هي مقر للموكب تهيئ للمشاركين فيه كل سبل نجاح احتفالهم من تحضير القصائد الشعرية والشاي ومكان الانطلاق والأجهزة الصوتية وغيرها."
أما علي الوزني مسؤول تكية هيئة خدمة أهل البيت في شارع العباس فقال" إن هذه اللالات عمرها أكثر من مائة عام ، وأقدم تكية عمرها أكثر من 200 عام وكانت لآل كمونة وال سلمان." وأضاف" تمثل هذه اللالات وعددها 72 لالة عدد أصحاب الحسين أي أن في كل تكية لا بد أن يكون اقل عدد هو 72 ، وإذا ما كانت التكية كبيرة و أراد أصحابها أن يملأوها فإنهم يضعون فيها مضاعفات العدد 72 ." وأوضح الوزني أن تكيتهم تقدم خدماتها إلى الزوار من شاي وكعك وماء ،وأن "الأموال تدفع عن طريق الاشتراك الشخصي والتبرعات الخيرية من قبل الميسورين واغلب المشتركين هم من مشجعي كرة القدم الذين يتواجدون دائما في مقهى الزوراء." وتابع " هناك تكيات تقدم أيضا الفواكهة مثل الموز والتفاح وحتى الشوكولاته وهناك مواطنون يقومون بتوزيع ما يستطيعون على المواطنين مثل الحلويات والشربات."
وفي شوارع وسط المدينة تجد هناك الكثيرين ممن يقومون بتوزيع الشاي على الزوار وأهالي المدينة على حد سواء، فيما تجد قدور الطبخ وقد وضعت تحتها مشاعل النيران لإعداد الطعام إلى كل من يريد أن يأكل ما يسمونه (زاد الحسين) حتى لكأن لا احد لا يأكل إذا ما مر في هذه الشوارع التي انتشرت فيها الهيئات والمواكب واحدة ملاصقة للأخرى..والزوار لا ينتظرون ما تقدمه المطاعم فثمة طعام لوجبة غداء ووجبة لليل وما بينهما الشاي والشربات والكعك.
يقول رفيق شكري النصراوي مسؤول هيئة أبناء الدعوة وهي تابعة لكوادر حزب الدعوة من أهالي المخيم "نحن نقدم الطعام للزوار.. نطبخ هنا في الشارع ليأكل ما بين 350 و400 زائر في كل وجبة..وسوف يتصاعد العدد في يومي التاسع والعاشر من محرم الحرام ليصل إلى ألف زائر." وأضاف" هذه التكية ليست الوحيدة بل لدينا إثنتان ،واحدة على طريق النجف والأخرى على طريق الحلة تستقبلان الزوار وتقدمان لهما الطعام والشراب والشاي" ، مشيرا الى ان " هيئتنا تأسست منذ سبعينيات القرن الماضي إلا إن النظام السابق قتل هذه الاحتفالات وكنا نطبخ الطعام بعيدا عن عيون العسس." وتابع" يوجد الآن في وسط المدينة فقط أكثر من 1500 هيئة ، وكل هيئة لها أكثر من تكية موزعة على الشوارع." واضاف قائلا " لدينا كما لدى غيرنا مضائف على الطريق لاستقبال الزوار القادمين مشيا على الأقدام لإراحتهم ومبيتهم إذا ما حل الليل."
https://telegram.me/buratha