كثيرة هي الرسائل التي تصلنا والتعليقات التي ترد إلينا، وهي تسأل بمرارة: أين الحكومة من عوائل الشهداء؟
وأين الائتلاف من هذه العوائل العظيمة التي قدمت أغلى ما يمكن للإنسان أن يقدم من أجل هذا الوطن ومن أجل المعتقد؟
ولست بحاجة إلى أن أتحدث عن قيمة هذه العوائل أو أذكّر بها، ولكني حملت هذه الأسئلة إلى أكثر من طرف ممن هو في الحكومة وممن هو على مقربة منها، فضلاً عن أعضاء في مجلس النواب، وقبل أن أنقل جواب هؤلاء، دعوني أتوقف عند رسالة وصلتنا من الأخ ماجد محمد وهي تستعرض جملة من التساؤلات المحقة في الشارع الشعبي المملوء بهمومه والمتخم بحاجاته، وإذ أنقل هذه الرسالة وسأحاول أن أناقشها بهدوء فلأنها تحمل في طياتها الكثير مما يثير تساؤلات في داخل الشارع، ولا يحظى في العادة بإجابة أو أن الإجابة تأتي ممن لا يحمل علم الإجابة لتأتي الأجوبة إما مفرطة في الرفض أو متسامحة في القبول، لأن الكثير من إجاباتنا تأتي بما يمكن تصنيفه ضمن قواعد (الصفر ــ ماوية) فهي في العادة إما صفراً وإما مائة ولا يوجد بين الرقمين محطات للتأمل عموماً دعونا نعود لرسالة الأخ ماجد محمد والذي يقول فيها في مقطوعتها الأولى:
ماذا قدمنا للشهداء؟
لا يختلــف إثنــان حول مــدى الظلــم والإضطهــاد الذي تعــرض له شيعــة العــراق على يــد أمثــال عــدنان الدليمي وظــافر العــاني وطــارق الهاشمي وصالح المطلك وغيرهم أيــام تسيدهــم على الشــأن العراقي , ولايختلــف أيــا كان - عــدوا أم صــديق - على نجابــة ونزاهــة وجهــاد قــادة الإئتــلاف وقــاعدته , ومـن يعتــرض على راتب ينالــوه او منصـب يُكلـّفــون بـه فليشــرب من البحــر فكنــوز الدنيــا لا تعــادل سلــب حريــة الحركــة في شــوارع مـدن العــراق أو الخــوف على أقــرباء أعــزاء لهـــم , ولكــن إختــلافي مـع السيــد الجابــري ليس علــى المبــدأ ونحــن لانختلــف عليــه إطــلاقا , وإنمــا على الكثير من الأخطــاء التــي رافقــت وتــرافق الأداء ســواءا كــان وظيفيــا أو سياسيــا ً , فالمــواطن العراقي الشيعــي يــريد من قــادته بعــد أن أنتخبهــم تعــويضه ولــو جزئيــا عمــا لحقــه من حيــف وظلــم ولسنــوات طــوال , ولــو قارنــّـا بين المكاســب التي حققهــا قــادة السنــة لطائفتهــم وما تحقــق لنــا منـذ سقــوط رمــز الظلــم والجنون ولحــد الآن لــوجدنا مقــدار الحيف المضــاف علينــا , ولنــأخذ عــوائل الشهداء كمثــال على ذلك ودعنــي أستثنــي جميع الشهــداء وأقصــر الأمــر علــى شهــداء حــزب الــدعوة وشهــداء المجلــس الأعلــى فكــم عائلــة منهــم تــم إنتشــالها مـن واقعهــا المــرير ؟ ولــو أردت َ فســأزودك بقــوائم عن أرامـل لهــؤلاء الشهــداء وهن يخــدمن بشــرف في البيوت لأعــالة أيتــام من جعــل حياتــه بــلاطة في طــريق الحــرية , وحتمــا ستضــرب لي مثــلا الجهــد المشكــور والمقــدم من مؤسســة شهيــد المحــراب , فبربــك هــل تــريد من أهــل الشهيــد الركــض وراء معــونات تقــدم لهــم وأنـــا أعــرف الكثير منهــم مــم يأنــف مــد اليــد لأن بطلهــم الشهيـــد تــرك إرثــه الثقــافي الثــر لهــم , أم إن الأنســب لمكــانة من قــدم أغلــى مايمــلك أن نــرد لــه جــزءا من تضحيتــه فــي تكــريم عائلتـــه , بينمـــا ســارعت حكــومتنا أيــام السيــد الجعفــري والتي كــان يترأس أمــرها قــادة منــا إلــى تعــويض من سقــط مـن ( الوهابـيين ) ثــأرا علــى تفجير ضريحــي الأماميين العسكريين ســلام الله عليهما , كــان تعــويضا مجــزيا وبالــعملة الصعبــة ؟؟
هذا هو المقطع الأول من رسالة أخينا الكريم وهو الذي حملته لأحد قادة الائتلاف فأبلغني بجملة من الأمور سأسردها في خدمة الأخ الكريم، ولكن في البداية دعني أتساءل: كيف نتوقع أن تتم خدمة عوائل الشهداء؟ هل يفترض بالدولة أن تبلغ وزارة المالية مثلاً لكي توزع المال على كل عائلة شهيد؟ أم أن نبلغ جهة ما بأن تقوم بتبرعات شهرية أو ما إلى ذلك لعوائل الشهداء؟ أم أن المطلوب في عمل الحكومات أن تنظم بهذه الأمور آليات خاصة ضمن سياقات قانونية خاصة ويأخذ الكل أطاره العملي من خلال ميزانية خاصة؟، فالحكومات ليست جمعيات خيرية أو جهة خيرية يمكن لها أن تبادر فوراً بمجرد وجود المال إلى أن تصرف ما تريد في هذا المجال.
اعتقد ان الأخ ماجد يتفق معي في أنه لابد من وضع قوانين خاصة تشرع خدمة هذه العوائل وتنظم عملية الخدمة وفق معايير حكومية شاملة، فالمسألة في العراق حين نتحدث عن شهداء لا تشمل شهداء الحزب الفلاني أو المجلس الفلاني، وإنما لابد من تعريف قانوني لمصطلح الشهيد، ولا بد من تكييف لهذا المصطلح مع برنامج حكومي خاص يرتبط بهدف الحكومة، فلو قدر أن الحكومة تريد ان ترعى عوائل الشهداء فإن المطلوب هو الخطوات التالية:
أولاً: لا بد من إرادة سياسية للتفاعل مع هذا الهدف.
ثانياً: لا بد من تحويل هذه الإرادة إلى كيان قانوني.
ثالثاً: لا بد لهذا الكيان القانوني من أن يتشكل عبر جهاز تنفيذي يعمل على تحقيق تلك الإرادة.
رابعاً: لا بد من أن يكون لهذا الجهاز وجوداً في الموازنة المالية للدولة.
من دون هذه الخطوات لن نجد إلتزاماً حقيقياً ودائمياً لعملية إكرام الشهداء وعوائلهم، نعم يمكن لغير هذه الخطوات أن تأتي بإجراءات لا ديمومة لها وستبقى ظرفية كأن يتم تقديم منحة لعوائل معينة أو تقديم أولوية لعوائل الشهداء في التعيين وما إلى ذلك، ولكن هذه ستشمل العدد الأقل من عوائل الشهداء، وليس جميعهم.
وهنا دعني أرجع لإجابات أحد قادة الائتلاف على ما حملته رسالة الأخ الكريم من تساؤلات قال:
بالنسبة للإئتلاف كان لديه التزام ومسؤولية جادة في هذا المجال، ولكن حتى يبلور هذا الالتزام عمد إلى وضع نص خاص لوجود قانوني في الدستور بالشكل الذي ألزم أي دولة للإئتلاف كانت أو لغيره بأن تكون مؤسسات خاصة لرعاية عوائل الشهداء والمتضررين من الديكتاتورية من سجناء ومهجرين وغيرهم، والآن لدينا في التوصيف القانوني للدولة مؤسسة خاصة للشهداء، وهذه المؤسسة كي تنطلق تحتاج إلى 3 أمور الأمر الأول قانون يعلن عن وجودها الأصولي، وقد بادر الائتلاف وعبر الجمعية الوطنية السابقة إلى سن هذا القانون، وهو أمام طاولة التنفيذ في مجلس الوزراء، والأمر الثاني تشخيص الهيئة العليا لهذه المؤسسة والتي سيقع في عهدتها تشكيل الجهاز التنفيذي لها وتقدير الميزانية المتعلقة بها، وهنا كانت المشكلة في تحويل المؤسسة المشار إليها إلى جهاز فعلي، لأن تشكيل هذه الهيئة العليا خضع لموازنة بين جميع الأطراف البرلمانية وكلها لها شهداء، والمشكلة إن هذه الهيئة ليست هي الوحيدة وإنما هناك عدة هيئات كاجتثاث البعث وهيئة الاتصالات وهيئة النزاهة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وغيرها، وكلها ربطت بنفس المنظومة بحيث تحتاج إلى أن تدخل في نفس نظام الموازنة بين الكتل، وفي الوقت الذي نلاحظ فيه أن بعضها لديه قانون نجد إن الكثير منها لم يصل قانونها لحد الآن إلى مجلس النواب، وصراحة ـ وهنا الكلام لازال لقيادي الائتلاف ـ لن يصبر الائتلاف إلى حين تحديد كل هذه الهيئات لبنائها القانوني، ولهذا فإن القرار المتخذ في داخل الائتلاف هو تشكيل هيئة مؤقتة إلى حين بت الأمور بين بقية الكتل وذلك قبل نهاية هذا العام لاصرار المالكي على أن تجد الهيئة الخاصة بالشهداء ميزانيتها المطلوبة في الموازنة التي سترفع إلى مجلس النواب لغرض إقراراها قبل نهاية العام الحالي، وبالتالي يمكن القول بأننا متفائلون بأن عام 2007 سيشهد اطلاق هذه المؤسسة في الواقع التنفيذي.
هل انتهى الأمر عند هذا الحد؟
أجاب: لا وإنما هناك الكثير من الإجراءات السريعة التي اتخذت في الكثير من الوزارات كما هو الحال في قرار وزارة البلديات بتوزيع 500 ألأف قطعة سكنية لعوائل الشهداء في كل المحافظات، والمقرر هو رفع هذه النسبة لـمليون قطعة، وهذا العمل يحتاج إلى جهد كبير إذ لا بد من وجود جهة تشخص من هي عائلة الشهيد ومن هم ورثته ولذلك فإن العمل يجري حالياً في مجالس المحافظات على قدم وساق لبت هذه الأمور وتحديدها، كما إن الكثير من الوظائف في العديد من الوزارات خصصت لأولاد الشهداء دون غيرهم.
وهنا تكمن صعوبات كبيرة ستواجه الجميع في تشخيص الشهداء لأن الكثير من هؤلاء قتلوا من دون ترك أي دليل من قبل النظام المجرم على قتلهم، ولا تعد الإجراءات المتخذة حالياً في هذا الصدد كافية أو مستوفية للشروط القانونية.
والواقع يشهد إن أرقاماً ليست قليلة من هذه العوائل وجدت لأولادها مجالاً في الرعاية الحكومية عبر التعيين أو أكثر، ولكن هذه الأرقام مهما تكاثرت ستبقى صغيرة لكثرة من يطلق عليهم لفظة عوائل الشهداء!!
أما ما تقدمه مؤسسة شهيد المحراب وغيرها فإنه مهما يكن يبقى عملاً خيرياً لا عملاً حكومياً رغم جلالة ما تقوم به هذه المؤسسة أو تلك.
لذلك أخي الكريم ماجد صحيح إن اللوعة دفعتك إلى هذه اللغة، ولكن الصحيح أيضاً إن اللوعة هذه طغت بحيث منعت الرؤية الكاملة لكل تفاصيل هذا الموضوع، وهذا جوهر ما يجب أن نلتزم به في تحليلاتنا وتقييماتنا للأمور، لأن النظرة الجزئية لا يمكن أن ترينا كل الصورة.
ألا تتفق معي؟
ولأن رسالة الأخ الكريم تحدثت عن مسائل أخرى فسأؤجل الجواب عليها لوقت آخر.
محسن الجابري
وكالة أنباء براثا (واب)
https://telegram.me/buratha