ما عاد خافياً على أحد أن حرباً نفسية منسقة ومقننة تجري من أكثر من طرف ضد الشعب العراقي بشكل عام وشيعة أهل البيت ع بشكل خاص، وإطلالة بسيطة على ما تبثه القنوات الفضائية خارجياً كالجزيرة والعربية وغيرها كثير، وما تتحدث به حاضنات الارهاب وقواه في الداخل تكفي لمعرفة حجم هذه الهجمة والتي تستهدف هزّ ثقة العراقي بالتغيير الحاصل من جهة، والاصرار على اقناع المستمع بما فيهم شيعة أهل البيت ع بأنه من غير المسموح مجيء قيادات من خارج الطوق الطائفي لحكم العراق، ولذلك فسيف التجريح والكذب والتهويل وما إلى ذلك هو المشور دائماً حتى لو كان على طريقة: عنزة ولو طارت.
وليس من المعقول التصور بأن قوات الاحتلال الأمريكي قد حصلت على نظامها البديل الذي يعوضها كل ما أنفقته في حربها الحالية في العراق، فلقد غيّرت النظام ليس حبّاً بالشعب العراقي ولا إنقاذاً له من الديكتاتوري، بل غيّرته لأنه ما عاد يلبي كل الطموح الذي ترمقه من دون أن تتأثر مصالحها الحيوية للخطر، ولقد جاءت إلى العراق والآمال تسيطر عليها بأنها ستصوغ الشكل السياسي وتضبطه وفقاً لمقاساتها، ولهذا جاؤوا بدستور خاص بهم، وبفريق إدارة خاص دربوه لأشهر عديدة في أمريكا وبفهم خاص لطبيعة الخارطة السياسية في العراق، ولكن حين دخلوا للعراق وجدوا أن حسابات الحقل لا تماثل حسابات البيدر، ولغة الجماهير هي التي اختارت دستورها الخاص بها وجاءت بالحكومة التي تمثلها، ولهذا ظل سجال هذه القوات وسيظل ـ في اعتقادي ـ مع كل الحكومات والأوضاع السياسية والأمنية محتدماً من أجل الوصول إلى مقاربة لطبيعة ما تريده من بدائل حاكمة، فقد تستسلم في مكان وتذعن لإرادة الجماهير في انتخابها لحكومة معينة على غير الرغبة الأمريكية، ولكن هذا الاستسلام يجب ان لا يفهم بأنها ستمتنع من عرقلة الجهود المبذولة في هذه الحكومة لكي تلبي طموحات جمهورها وتثبت مصداقيتها أمامهم.. والعاقل هنا لا يحتاج لمزيد كلام لكي يعي ما يمكن أن يعمله الأمريكيون المسيطرون على الملف الأمني وغير الملف الأمني في هذا الصدد.
كما لا نعتقد أن احداً يشكك في وجود تركة من الخراب هي الأثقل من نوعها، وهذه التركة رغم ثقلها اكتسبت ردائين اضافيين ساعدت الأوضاع المترتبة على السقوط على اتساع رقعتهم بشكل فاحش، أحدهما الفساد المالي المغري ويشترك في هذا الفساد الجميع ومن كل الطوائف، والثاني الفساد السياسي المستشري نتيجة لوجود البعثيين وعناصر الحقد الطائفي في كل أوصال الدولة والحكومة، مما سمح بنشأة عصابات ومافيات خطرة جداً لا تقل خطورتها عن خطر الارهاب السياسي والأمني.
كما إنه لم يعد خافياً على أحد أن الكثير من السياسيين كانوا من أصحاب مشاريع ردات الفعل وليس مشاريع الفعل، برغبة وبغيرها، مما جعلهم في الكثير من الحيان محرقة لمشاريع تعد سابقاً، ولعل نظرة بسيطة على الكثير من أحداث القتل والقتل المتبادل حين يحمل صفة طائفية ليكتشف إن القاتل هو الآخر ضحية لمشروع أكبر منه وهو منفذ ليس إلا، لأن المقتول هو ابن دينه ووطنه وفي بعض الأحيانابن طائفته حتى، وبمعادلة بسيطة سيكتشف إن الرابح في عملية القتل والقتل المتبادلة هو عدو العراق وليس ابن العراق!
بناء على كل ذلك بودي أن أقف هنيئة عند بعض التحليلات التي ندفع لتبنيها دفعاً، وهذه التحليلات تجدها مصاغة بشكل واضح وصريح في هذه الخطوط الأربعة التي أشرت إليها، وقد لا استغرب ان يتبناها إنسان غافل عن حقيقة ما يجري، ولكن من حقنا ان نستغرب حينما يتبناها من نعرف أن له حكمة وعقل ودراية، ولا نمانع من اكتشاف الخلل، والتنبيه عليه، فالدولة محاصرة وقيادات العراق محاصرون بظروف قاهرة لا يحسدون عليها ومصيبتهم أنهم لا يستطيعون دائما ان يتكلموا بكل ما يعرفوه ومن الطبيعي عندئذ ان تحصل أخطاء وتلكؤات وعثرات وكبوات وهذه سمة من سمات العمل، فمن لا يعمل لا يخطأ، أما من يعمل فمن الطبيعي أن نلحظ وجود الخطاء لا سيما إن كان الوضع كالوضع العراقي الحالي، وهذا كله ليس موضع استغرابنا، ولكن استغرابنا الحقيقي هو في لهجة التعميم، وفي لهجة التسقيط الشامل، وفي لهجة حرقة الأخضر بسعر اليابس، وفي نسيان كل الانجازات والتشبث بالسلبيات، واستعجال حصول النتائج ورؤيتها.
عدوك هو من يزرع لكي تحلل بهذه الطريقة وهو الذي يعطيك المادة التي تعمل على اعطائك ما يمكن أن تصدق إن تحليل العدو سليم، بمعزل عن أن تكون هذه المادة صحيحة أو ليست صحيحة، نقلت بحيثياتها الكاملة، ام نقلت على طريقة: لا إله وبتر المتبقي.. إذن لماذا تقع أنت في الاستنتاج طالما إن العقلاء توافقوا على إن ما يأتي من العدو لا يمكن أن يكون في مصلحتك!!
عدوك يريد منك أن تحلل بطريقة معينة لكي يكسب هو النتيجة ويراك منشغلأ بأكل ذاتك، وهشم مؤسساتك، وتدمير عناصر قوتك، لكي يستفرد هو بالنتيجة والمحصلة، وانت تعلم إن الكثير من الأعداء ليسوا على طريقتنا الحالمين بنتائج ما بعد يوم وليلة، بل الكثير من هؤلاء من يزرع لحصاد يأتيه من بعد سنين، فهل كان لنا قدرة الصبر في التحليل للتأني لعدة أيام؟ لنحكم على نتائج معركة شرسة تجري في داخل الكواليس السياسية والحكومية من دون أن يكون لأحد قدرة لأحد على إعلانها.
انا مع النقد الجاد.
ومع العتاب الصريح.
ولكني أتمنى أن نعرف لغة النقد التي تستوعب كل الصورة لنحكم من بعدها على الأمور.
بغير ذلك سنكون وباختيارنا من ضحايا الغزو النفسي المسلط علينا من عدونا!!
ومن ضحايا مخططات أعدائنا بإرادة منا!!
ومن آكلي لحومنا لنقدمها لأعدائنا.
محسن الجابري
وكالة أنباء براثا
https://telegram.me/buratha