( بقلم : المهندسة بغداد )
ها هي ليلة عيد الفطر تقترب منا لتعلن ختام الشهر الفضيل شهر الرحمة والمغفرة نودعه ونحن نرفع أيدينا بالدعاء أن يتقبل منا الباري صيامنا وقيامنا وان يمن علينا بالصحة والعافية لبلوغ رمضان القادم بأذن الله . ولهذه الليلة ميزة عن كل الليالي فهي مليئة بالنشاط والعمل على الرغم من الإنسان قد صام شهرا كاملا واخذ منه صيامه جزءا من طاقته لكن فرحة العيد هي التي تهبك الطاقة اللازمة للقيام بأعمال هذا اليوم فترى الاباء يصطحبون أبناءهم للأسواق لشراء الملابس الجديدة والأمهات منهمكات في إعداد المنزل وإعداد وجبات اعتاد عليها البيت العراقي في العيد وكل هذا من اجل رسم الفرحة في عيون ابناءهم واهليهم .
وانقل لكم ما حدث في احد البيوت العراقية وهو بيتنا المتواضع فتفضلوا معي إليه لمعرفة أحداث ليلة العيد. قبل أيام قليلة غادرت والدتي المنزل للسوق القريب من دارنا من اجل التبضع استعدادا للعيد وفي كل مرة تخرج والدتي فإنها تأخذ قلبي معها لحين عودتها وما تنفك الأفكار السوداء من الهجوم على مخيلتي فاستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ولا اذكر يوم خرجت فيه وعادت ولم انذر فيه نذر من اجل سلامة وصولها ! وبينما أنا أعيش هذه اللحظات اعذر قلبها الذي كثيرا ما أنهكه خروجي للعمل الى أن ألهمني الله أن أريحه بترك العمل ولو لفترة ليستقر قلب لا أظن ان قلبا ينافسه في المحبة لي وهذا حال أمهاتنا العراقيات ذوات القلوب الرحيمة.
جاءت والدتي والفرحة ترقص في عينيها وترمي علي بالجمل المتواصلة واصفة حال الشارع وكيف انه مكتظ بالناس البسيطة هم وأطفالهم وهي تستغرب إقدامهم على شراء كل شيء ناسية أن ما أخرجها قد أخرجهم !! إلا إنني لم أنبهها لهذا وتركتها تخرج الأشياء من الكيس وهي تواصل الحديث بفرحة بدأت باستخراج الجوز والمبروش والتمر فعلمت إن الكليجة قد لاحت في الأفق فسبقتني هي بالكلام قائلة استعدي نريد منك< كليجة هل السنة أطيب من العام> .
أمسكت بالمواد أضعها تارة على المنضدة وتارة على منضدة أخرى في حركة متعمدة مني لإضاعة ملامح وجهي عن أمي فلم أرد أن تقرأ في عيني السؤال الذي ملئها حزنا < المن أسوي كليجة ؟؟> خنقتني العبرة لكني أخفيتها بسرعة لأني لا أريد أن اطفىء فرحة والدتي ففرحتها مؤقتة لأنها رأت السعادة في عيون الآخرين واني متأكدة إنها ستزول بأول نشرة أخبار سوف تسمعها ونجحت في ذلك فعلا ولم تشعر بشيء وأكدت لها أنني خلال الأيام القادمة سأنهي المهمة .
إلا أن السؤال بقي في ذهني طيلة النهار < المن أسوي كليجة > هل اعمل الكليجة لأقاربي الذين طردهم صدام التكريتي خارج العراق قسرا ؟!! أناس أعزاء حرمت منهم زهاء عقدين وبضع سنيين ولم اسمع طيلة هذه الفترة إلا صوتهم وبعضهم لم اسمع حتى هذا الصوت حتى السقوط حيث سمحت لي الدنيا أن أراهم لأول مرة واسمع بين فترة وأخرى صوتهم في الهاتف إلا إن الطمع يقتلني أن أراهم في عيد وأقول له أيامكم سعيدة يا اعز الناس على قلبي وليس هذا فقط بل لأخذ عيدة ربع قرن مؤجلة !!!
فوضت أمري لله في أقارب أبعدهم الطاغية عنا في ديار الغربة وفي كل أقطار الدنيا وهونت على نفسي بان لي أقارب في العراق ممكن أن أقدم لهم كليجة العيد وما أن أشرقت شمس الأمل على محياي حتى جاءت غيمة الواقع لتحجب نورها فمن الذي سيأتي في ظل هذه الأوضاع؟ فمنذ العام المنصرم اقتصر العيد على الهاتف فالهاتف لا يصمت أيام العيد وكلمات الاعتذار المتبادلة من الطرفين لا تنتهي في أن الوضع سيء ومن الصعب الخروج وما الى ذلك .
وها هو السؤال يرجع تارة أخرى < المن اسوي كليجة > استرجعت ذاكرتي أيام الجامعة ونحن ننتظر انتهاء أيام العيد للتوجه لجامعتنا العزيزة وكل من زميلاتي تجلب كليجيتهم ولتبدأ المسابقة في ان أي منها هي الأطيب مذاقا ومن اجل هذا الأمر < نضرب محاضرة كما يقال> وبينما أنا أتذكر استنشقت بعض الهواء لأخرجه حسرة طويلة فالدنيا قد فرقتنا فبين مسافرة وبين من هي في نفس العاصمة ولا أتمكن من رؤيتها منذ السقوط الى زملاء قد وصلني خبر اختطافهم وقتلهم في أيام رمضان هذه مما يكدر علينا حتى الذكريات فلم نكن نظن إننا سنعزي بعضنا ببعض في مقتبل العمر فلا حول ولاقوه إلا بالله.
ويبقى السؤال < المن اسوي كليجة > للجيران نعم فالجيران كذلك لا يحضر لهم الخطار لذات الأسباب فلنكون ضيوفا لجيراننا وبالعكس كما في العام الماضي إلا إن هذا العام شهد سفر الكثير من جيراننا الى الخارج فهم يملئون سوريا والإمارات وإيران لشهور ثم يعيدون وهكذا الى أن وصل بنا الحال إننا لا نرى جيراننا طيلة عام كامل فعندما نسافر نحن يتواجدون وعندما نعود يسافرون !!
وها هي ليلة العيد قد جاءت ويالها من ليلة صعبة علي حيث أنني لم اشعر بحزن انتابني كهذه الليلة ولربما كان هذا الشعور عن تراكم للإحداث التي سمعتها خلال رمضان من موت وقتل لأناس اعرفهم من زملاء مهندسين خطفوا وقتلوا الى فلاح بسيط وولده ذلك الإنسان الخير الطيب الموالي المحب لأهل البيت يقتل برصاص في منطقة العدل التي لا يوجد بها عدل أبدا قتلوا لا لشيء سوى خروجهم من حسينية فياله من جرم ! الى أولاد الجيران الذين خطفوا جملة في آن واحد الى الى ....... المسالة ليست مسالة كليجة وعيد المسائلة ثقل كبير إن كل من تحبهم يغادروك إما للعالم الأخر أو للجانب الأخر للكرة الأرضية أو يكونون بقربك ولا يتمكنون من المجيء شعور صعب وقاسي جدا شعور بالغربة في قلب الوطن .
كثير من المهاجرين يشكون الغربة خاصة في مثل هذه الأيام ويحنون الى اللمة في عمل الكليجة والشوي والضحكات المتبادلة بين أفراد الأسرة والاقارب أيام العيد بين من يتفلسف على حجم الكليجة وطعمها وبين من يريد جاي <ثكيل > وطالما كنت أتذمر وألان أتحسر على هذه الأيام وأقول لإخوتي في الغربة نحن غرباء أكثر منكم صدقوني فان إن تكون عطشانا أفضل من أن تموت بجانب واحة !!
ونحمد الله على كل شيء ونسأله أن يلم شملنا مع أهلينا وأحبابنا وزملائنا وجيراننا بالخير والسرور واحمد الله إني سأعيش أيام العيد مع أفراد أسرتي وأرجو أن لا تكون هذه أمنية للإنسان في العيد القادم إذ لربما يصبح الخروج من غرفة لأخرى صعب أيضا !!
يبدو إن الهاتف هو الشيء الوحيد الذي يحن على أبناء هذا البلد وان فارقنا بين فترة وأخرى لأيام وشهور إلا إنني اشعر انه صاحب فضل علي كبير فهو الذي يمكنني من دخول الانترنيت ومعرفة ما يجري ويمكنني من معرفة أخبار من أحب وأخبار أبناء بلدي حتى الغريب عني فهذا هو حنين العراقي للعراقي ولطالما أطلت النظر الى واير التلفون واسأل نفسي <واير بهذا الحجم يحن علينة وبشر من دم ولحم يظلمونة> لعنة الله على البعث وأبناءه وقادته فقد رموا بالعراق للتهلكة لكن ثقتنا بالله كبيرة أن ينجينا ويخلصنا منهم ومن شرورهم بسواعد الأشراف وكلنا ثقة بذلك ونعمل معهم فكلامنا وان احتوى الآلام إلا انه شكوى الموالي الى الموالي وان هذا الألم لا يزيدنا إلا قوة فمخطئ من يخلط بين الحزن واليأس فاليأس يذهب بنا الى التقاعس وترك كل شيء أما الحزن فهو دافع لنا من اجل الخلاص منه وللسيدة زينب ع أسوة عظيمة في هذا المجال فلقد عاشت الأحزان وبذات الوقت حملت الثقل الكبير في المحافظة على العائلة العلوية بعد فاجعة شديدة آلمت بالإنسانية جمعاء ونجحت بذلك ليصل لنا الدين فمن غير الممكن إضاعة جهد هذه السيدة الجليلة على اقل تقدير من باب العرفان والشعور بالمسؤولية تجاه المذهب وهمومه.
وأخيرا أقول لكل عزيز وغالي من الأهل الذين أخذتهم الغربة انتم في القلوب وكنت أتمنى إرسال كليجة لكم على جناح طير الصاف لكن يبدو إنني سأنتهي من عمل الكليجة لأكلها بمفردي وأفراد أسرتي ودمعتي تنهمر من عيني الى قلبي وليس على وجنتي فحتى الجهر بالحزن بات مستحيلا كي لا تؤلم غيرك !! وسأظل اردد وأنا أرى جيران بعثية لنا يزورهم أقاربهم طيلة سنيين طويلة ويفرحون بالعيد وفي كل عيد ارقبهم من نافذتي وأقول في نفسي < جا وين اهلنا !!!> وخير الأهل هم محمد وال محمد فصلى الله على محمد وال محمد وأسال الله أن يحشرنا خدما ل إل بيت النبوة فلسوء حضنا نعيش في زمن إمامنا غائب ولم نتشرف برويته التي من المؤكد إنها دواء لكل داء اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه أيامكم سعيدة يا طيبين يعاد عليناان شاء الله مجموعين بفدرالية تحمينا إذا لم ينغص علينا بوش هذه الفرحة . أختكم المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha