( بقلم : احمد مهدي الياسري )
ان قيمة كل قطرة دم طاهرة تسفك ظلما وجورا ينتهي من تجري في شرايينه شهيدا لهي في ميزان الله تساوي قتل الناس جميعا " من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا".. المائدة آية 32. فكيف بمن قتل في كل يوم مئات الانفس الطاهرة الزكية واراق اطهر قطرات الدم النقية ..التاريخ لايرحم المتهاونين والمتخاذلين وايضا هو مفتوح على مصراعيه لاي حقيقة ثابتة راسخة , يسجلها ويترك للاسوياء تحليل نتائجها او مصداقيتها ,سلبياتها وايجابياتها ..
هناك انتفاضة باسلة حدثت في العراق مع شديد الاسف لم يتطرق اليها قلم او متحدث ولا حتى نحن من عشناها وكنا فيها شهود عيان ملزمين امام الله والتاريخ والانسانية ودماء الشهداء الذين سقطوا فيها بالعشرات ان ننقلها الى تلك السجلات الخالدة وفاءا لمن سقط فيها ولمن اشعلها في ذلك الوقت العصيب من تاريخ عراقنا الجريح والانسانية ..
أنتفاضة رمضان عام 1985 تلك الثورة المنسية من بطولات شعب العراق حري بنا ان نتحدث عنها وكيف حدثت وماهي نتائجها و في اي بقعة من طاهر ارض العراق حصلت ..
حكاية تلك الانتفاضة الباسلة تبدا من حيث انتهت دامية ورغم التكتيم الاعلامي عليها آنذاك الا انها وصلت الى وسيلة اعلام واحدة فقط وقتها كخبر عابر سمعناه ولم تؤكده او تتسوع في بحثه جهة معينة ولا شخوصها الذين قضوا نحبهم شهداء ابرار راحلين الى عز رحمة الله منتزعين ثوب الذل وعيش البرم مع الظالمين وتلك هي مدرسة الشهادة الخالدة التي رسخها ابي عبد الله الحسين وابيه وجده واخيه وبنيه ومحبيه صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ( إني لا ارى الموت إلاّ سعادة ولا ارى الحياة مع الظالمين إلاّ برما) اضافة الى شراء طاغية العراق واموال الخليج لكل وسائل الاعلام وجعلها بوقا يخدم ماكنة الطحن القذرة بشعبين مسلمين جارين ..
بالطبع قد يقول قائل ولماذا لم نذكرها نحن من نجى منها وقتذاك ؟؟؟
ذلك السؤال يجيب عليه الطاغية الدكتاتور وازلامه وتاريخه الاسود وسجنه الرهيب والذي كان اسمه العراق , نعم سجن العراق كل العراق باسواره المميتة ودهاليزه القذرة والتكميم للارواح قبل الاصوات وللانفاس قبل الهمس وحتى قبل ان تفكر بحلم عابر مضمونه التذمر من الطاغية او التفكير بقول الحقيقة الناصعة ..
لم نستطع وقتها نقل الحقيقة لتلك الاسباب التي ذكرت فكيف لسجين مقيد مكمم الفاه ان ينقل تلك الحقيقة. ولكن الله لايضيع اجر من احسن عملا وهو من ينصر الصابرين ويهتك المتجبرين والمعتمين على الحقيقة والجريمة (واصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين هود ﴿115﴾
اليوم حري بنا كشف ونشر تلك الحقائق وانا اخترت هذه الايام لانها ايام تلك الذكرى السعيدة الحزينة في آن معا , اما السعادة فتلك هي الشهادة واعراسها واداء الواجب والزهو والفخر بتحدي الطغاة وارباك حركتهم وقض مضاجعهم وقتها وبعد ذلك وقبل تلك الايام ..
كانت تلك الليلة هي ليلة استشهاد امير المتقين وسيد الوصيين ابا الحسنين عليهم صلاة الله وسلامه وفي اقدس ايام رمضان المباركة من عام 1985 , وبالطبع تكون السلطة وقتئذ في استنفار امني كبير ودرجة قصوى من الانذار , مانعة كل مضاهر المراسم التي تعود احبة اهل البيت عليهم السلام ان يحيوها في مثل تلك المناسبات ولان العام الذي سبقها وفي ذات الذكرى واليوم اقدم احد ابطال العراق وشمعة من شموع الشهادة في مدينة النجف الاشرف ذلك هو الشهيد المنسي ايضا محمد القابجي بالتصدي لاربعة من ازلام الطاغية وهم يتجولون في احد الازقة قرب سوق الحويش يترصدون فرائسهم وضحاياهم وارداهم لوحده قتلى نافقين وبرمانة يدوية واحد ة ولكن عينا من اعين العملاء رصدته اثناء انسحابه والقي القبض عليه فيما بعد وقد تلقى اقذر اساليب التعذيب والتنكيل لسحب الاعتراف منه ولم يعترف حتى اعتقلوا عائلته الكريمة وحينما شعر بان عزه وفخره وشرفه يكاد ينتهك اعطى روحه الزكية ثمناً وفداءا وجاد بالروح وهي غاية الجود وتم فيما بعد اعدامه رميا بالرصاص وافرغ في جسده الطاهر ثلاث مخازن كاملة انتقاما وحقدا فرحم الله ذلك الشهيد الخالد ورزقنا مارزقه الله من عز وفخر وعاقبة الحسنى ورحم الله كل شهداء العراق والامة الاسلامية والانسانية جمعاء ممن جادو بنفيس ارواحهم الطاهرة ..
انتصف الليل وعاد كل الى منزله فلم نكن على موعد معين ان تنطلق ليلتها انتفاضة ما اي لم تكن تلك الانتفاضة بتخطيط مسبق انما كانت وليدة ساعتها ولحظتها وتلك الليلة , وودعت الاصدقاء وكل يوصي الاخر بالحذر وان لانتجول قرب المرقد الحيدري المطهر ليلتها لان الاقزام تنتشر هنا وهناك تلتقط اي حركة مشبوهة بالنسبة لهم نقية شريفة بالنسبة لنا ولما كان الامر لايوجد فيه خطة وسابق انذار او ترصد عدت الى البيت كما عاد اخوتي والاحبة والاصدقاء ..
استلقيت في فراشي وبعد ساعتين استيقضت وكان الفجر لم يحن بعد ولا ادري وكان شيئا وقوة ما دفعتني للتسلل من البيت خلسة لعلمي ان الاهل وخصوصا الوالدة ستمنعني من الخروج في ذلك الفجر وذلك اليوم الخطير حيث كان عمري وقتها تسعة عشر عاما والروح في اوج ثورتها وكل يوم اخسر حبيبا واخا على مذبح الشهادة واغلبهم كان ينتهي وهو في قمة عطائه العلمي والانساني , اغلبهم طلاب اذكياء وبعضهم تخرج ودخل الجامعة بمعدلات عالية وكنت ابكيهم لاستعجالهم النجاح لان الحرب تطحن الجميع ولم يسلم منها الى الطلبة فكنا نشتري اعادة السنة رغم التفوق بغالي الاثمان وحتى وان تطلب الامر اجراء عملية للزائدة او غيرها من اجل التاخر في التخرج لان مطحنة الطاغية والاعراب في الحدود الشرقية مع ايران مشتغلة تحصد الارواح بالآلاف المؤلفة ولاتفرق بين مهندس او محامي او امي لم يدخل المدرسة قط فكلهم في مطحنة الطغيان سيان ..
استطعت التسلل من البيت دون علم الاهل وارتديت وقتها ملابسي بسرعة وكان الرداء ابيض لابعاد الشبهة لان لبس السواد في تلك الايام معناه تحدي للقتلة ويكون مصير من يتحدى الاعتقال والتغييب واللاعودة ووصلت الى داخل المرقد المطهر وجلست في داخل الحضرة المقدسة اقرأ القرآن والدعاء وكان وقتها يصلي الفجر جماعة هناك الشهيد السعيد اية الله العظمى السيد عز الدين بحر العلوم يتناوب مع اخيه الشهيد السعيد السيد علاء الدين بحر العلوم في باقي الايام وكان المرقد يعج بالزوار من بقية المحافظات نساء ورجال واطفال يطوفون في تلك الرحاب بين داع متوسل الى الله ان يخلص العراق من تلك الطغمة الباغية وبالطبع سرا لاعلنا وبين متوسل الى الله طالب حاجة او شفاء من مرض او فك دين او امنية مشروعة عجز عن تحقيقها وكل الدعاء هو الى الله وحده لاشريك له في ذلك المكان المطهر بطاهر المسجى في جوف ارضه الطيبة ..
بقي للصلاة ربع ساعة فقط وكنت خلف الشهيد السعيد مباشرة وبجانبي صديقي واخي العزيز السيد كاظم عز الدين بحر العلوم نجل السيد الشهيد ننتظر اداء الصلاة والعودة الى البيت وبالطبع كان خارج المكان وفي الداخل يعج بازلام الطاغية الماجورين المرتزقة وايضا بالعملاء المتنكرين هنا وهناك وكان الحذر هو وسيلة النجاة التي يتقنها اي عراقي وقت ذاك والصمت وعدم الحديث مع الغير ثـقاة هو اقوى سلاح نمتلكه لكي ننجو من غدر الفجرة ..
لاحظنا حركة وازدحام قد حصل قرب الشباك المحيط بالقبر المشرف فقد دخل مجموعة كبيرة من الشباب والنساء قادمين من كربلاء والكاظمية المقدستين وعلمت ذلك من خلال من جلس قربي منهم وقد وصلوا للتوا قادمين لمبايعة امير المؤمنين علي عليه السلام ولسان حالهم يبكي تلك الفاجعة ويتصرفون بتحدي ويصرخون بصوت عالي وبكلمات الولاء وبعدم مبالات بازلام اللانظام الصدامي الذليل وتوجست عليهم القلق وتكلمت مع صديقي كاظم و قدم ايضا في ذلك الفجر مع والده الشهيد السعيد وقلت له هؤلاء سيشعلون الامر ولاحظت دخول عناصر الطغيان الى داخل الضريح بسلاحهم وهذا لم يسبق ان حصل من قبل وبعضهم ممسك بمسدسه بيده علانية ورصدت منهم نقيب الاستخبارات وقتها واسمه نقيب حسن ولا اعرف عشيرته ولكن اعرف انه من ذلك المثلث الاجرامي اللطيفية وما جاورها وانطلق آذان الفجر مدويا ولم يكن من بد ان يتجه كل الرجال للصلاة وتجمعوا معنا في صلاة الجماعة فيما بقيت بعض النسوة يطفن حول شهيد المحراب وخضاب دمه واديم تربه المقدس ويتصاعد هتافهن وعزائهن وصراخهن بطريقة لم نعهدها في مثل هكذا وقت ومكان وكنا قد دخلنا الصلاة وهي ركعتين مع ركعتين استحباب وزيارة ركتين وكنا اثناء الصلاة نلاحظ ارتفاع الاصوات وبشدة غريبة وكان صوت احدى الزينبيات الطاهرات الابيات يبرز بقوة من بين تلك الاصوات منادية بحرقة من فقدت كل احبتها واعزتها لا بل بحرقة زينب يوم فقدت امامها وابيها وحبيبها وكانت هتافاتها مثيرة للحمية ومحفزة على روح الثورة ومن الشجاعة بمكان ان لايستطيع اي رجل الصبر والسكوت وعدم المشاركة مما حفز الجميع على القيام بمثل ماقامت به ..
ارعب صراخها الطغاة فاتخذوا اماكنهم في داخل الضريح ولان الرجال منهمكة بالصلاة فكانت المشاعر تختلط بين الحمية والثورة والخجل من ان الصرخات تصدر من حرة ابية وقد يتولاها المجرمون والطغاة وقد طوقوا المكان والاسلحة بايديهم وقد رفعت عتلة الامان في اسلحتهم الى وضع الاستعداد لاطلاق النار ..
ما ان انتهينا من الصلاة للتو فكبر احد الاخوة بصوت عالي وصلى على محمد وال محمد , وتزامن مع التكبير صراخ تلك الابية الشجاعة صارخة اللهم فرج لعراقنا ... اللهم ارحم شهدائنا ... اللهم انتقم ممن ظلمنا .. يالله ..يا الله .. يا اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه وكانت تلك يا الله الاخيرة طويلة عميقة موجعة انستنا اي شئ الا رضى الله وتادية الواجب وتحرك الاقزام لاعتقالها فهب الجميع مناديا بما نادت حتى ضاع صوتها ومن هي بين هدير الاصوات والاجساد المتحركة بسرعة في المكان الضيق والمزدحم جدا وانطلقت شرارة الانتفاظة الرمضانية بقوة تطوف حول الضريح بتحدي لامثيل له وهتافات تنادي بعلي والحسين وتصرخ لو قطعوا ارجلنا واليدين ناتيك زحفا سيدي ابا الحسين وابد والله ماننسى علياه , ابد والله ماننسا حسيناه وغيرها من الهتافات التي تنطلق من افواه مؤمنة شجاعة ابية غير مابالية بممنوع ومحذور وكان الجميع هب من تلك الصلاة مقتحما المكان وتحول الامر الى امر اكبر وانطلقت الهتافات تنادي بالموت للطاغية وازلامه وهرب ازلام النظام من داخل الضريح بمسدساتهم ولم يطلقوا سوى رصاصة واحدة اطلقها ورايت ذلك المجرم المقبور رجل الاستخبارات نقيب حسن الى الاعلى محدثة دوي قوي لان المكان مغلق وهي من ازادت اشتعال الثورة توهجا لانه اعتداء صارخ وغير مسبوق وقتها داخل الضريح المقدس واستمر الطواف والركض و اطلاق الشعارات واصوات المبايعة لامير العز والخير والعطاء الانساني وبتحدي شرس للطغاة ولم نعلم بالذي يجري خارج المكان وكان الوقت منذ انطلاق الانتفاضة حتى خرجنا وتم اطلاق النار مايقارب اكثر من ساعة قضيناها بحرية في الهتاف والكل يتصور ان الامر بردا وسلاما وكأن لاوجود لطاغية مجرم اسمه صدام وازلامه , كانت من العفوية والتحدي بان تحولت الى ساحة من تاريخ لاجود لحكم البعث فيه وتواصل الاداء بوتيرة متصاعدة حتى اقتحم الطغاة المكان من بعض الابواب للضريح مطلقين النار ولاحظت اثناء تلك الحركة والهتافات حول الضريح وبسرعة ان الكثير من الاخوة على قميصهم من الخلف طبع لكف احمر واستغربت ذلك وكان المكان مكتضا بالرجال والنساء والاطفال ولان اطلاق النار كان يصم الآذان وبدا الكثير يتساقط شهيدا ومسحوقا بين الارجل وكان الامر قد وصل الى مرحلة ان انطلقنا بالخروج والنجاة باي صورة لان لا احد يمتلك سلاحا فيتصدى لهم ولم تكن انتفاظة مخطط لها ولحركتها وبالطبع لم يكن لها اسناد خارجي يدعمها واقصد كما حصل في انتفاضة شعبان كشمولية وتحرك كبير متحدي ..
تراكض الجميع في كل الاتجاهات وكل يحاول النجاة واتقاء شر الرصاص وشر القتل بايدي الجلاوزة المجرمين وكانت القوة الامنية تكبل كل من يقع بين يديها وخصوصا من عليه علامة حمراء فقد كان هناك عملاء تطوف مع الطائفين وتعمل على طبع الاحمر على ظهر الذين لهم صوت عالي وحماس لتشخصهم جيدا ومن السهولة ان يطبع اللون الاحمر لان المكان مزدحم والشباب منشغلة بالهتاف وكل واحد ملاصق للاخر بشدة ومن الطبيعي ان يتكأ احدهم الى الاخر بيده وهذا ماكان وازلام الاجرام خبراء بهذه الامور القذرة وعملائهم كثير ..
لا ادري ما الذي جعلني اختارجهة باب الطوسي لكي اخرج منها رغم ان حذائي كان في جهة باب القبلة ولكن كان توجهي نحو الباب مع الكثير من المجاميع الزاحفة هربا من رصاصات الغدرة وكانت الارض عبارة عن جثث متراكمة واقسم اننا كنا لانركض بل هي كتلة واحدة تحرك بعضا بعضا بقوة السيل والجميع تحت ارجله نساء وشباب واطفال شهداء والارض دامية من سيل الدماء واقسى ما كنت اعانيه هو ان ارجلي اثناء الخروج المسرع وقد داست جسد امرأة عجوز شهيدة مضرجة بالدماء وحاولت ان ارفعها من الارض ولكن الحظ لم يسعفني رغما عني فمن هم خلفي من الجموع واندفاعهم السريع يمنع اي انسان ان يتحرك وفق ارادته وكل هذا يجري بسرعة شديدة والالم يعتصر القلب لحال الضحايا والاحياء الذين يتضرهم مجهول قاسي ليس اقله التعذيب الاجرامي والاعدام فيما بعد والاغتصاب للنساء الحرة الابية التي لاتخشى الا الله والدليل ان تلك الانتفاضة اشعلتها اخت مؤمنة ..
المجاميع الاخرى انطلقت الى الابواب الاخرى وكل واحد ونصيبه من هذه الدنيا وما ان وطئت ارجلي الحافية ارض الصحن المطهر خارج الضريح حتى رايت النهار وقد اشرق وكنت دخلت والظلمة تغطي المكان ولاحظت وجود الكثير من سيارات اللاندكروز التي يمتلكها الجهاز الامني وقتذاك وهي في داخل الصحن من جهة باب سوق الكبير وباب القبلة وفي التفاتة سريعة اثناء الركض رايت الجلاوزة وهم بكثرة وكل واحد بيده شاب مكبل يسحلوه سحلا الى داخل السيارات الامنية وانطلقت راكضا باتجاه باب الطوسي للنجاة ولكن يدا امسكت بي بقوة وضرب من الخلف فالتفت واذا به احد الشرطة ممن كنا نراهم يقفون يوميا عند ابواب الصحن واتذكر اسمه عبد علي وكان من رجال الشرطة الطيبين والغير مؤذين كثيرا واعرفه ويعرفني لحسن الحظ وخصوصا ونحن لنا محل في السوق ونعرفهم واحدا واحد ونستخدمهم في بعض الاحيان لانقاذ من نستطيع عن طريق ارشائهم فكم من اخوة واحبة كانوا على وشك الموت استطاعوا النجاة بالمال وشراء هؤلاء وبعضهم نتيجة وجوده في سلك الشرطة يعمل على الاستفادة من الرشاوي وكان عبد علي يعرفني وعرف والدي وسبق ان اعطيناه مال لانقاذ اخي من الاعتقال بتهمة بيع مواد اكثر من السعر المقرر وهذا كان من حسن حظي فلما رآني قال لي بلهجته الشعبيه مالذي اتى بك الى هنا سيد( شجابك هنا ) ..؟ قلت له مو وقتها الان اريد اخلص .... قال لي دشداشتك معلمة بالاحمر فامسكني من اللون الاحمر ولم اعلم به في ضهري وغطاه بكفه بمسكه بيده وقال اركض معي وكان يتصرف وكأنه يعتقلني وقال هناك سيارات في الخارج سينقلوكم بها وحينما نصل الى الخارج ساضربك لكي لايشعروا بشئ وساجد الفرصة لااطلاقك وفعلا وصلنا الى الخارج ومن حسن حظي ايضا كانت السيارات معبئة بالشباب فتكلم الشرطي عبد علي مع احدهم من المسؤولين الامنيين عن السيارات الواقفة وقال له السيد الضابط قال ان أأخذه الى مديريه الشرطة بسيارتي لانه مجرم هارب وهو يعرفه فرد عليه رجل الامن خذه مع ضربة تلقيتها من ذلك المجرم وكانت عيني ترصد المكان وافكر بالوجهة التي ساهرب اليها وايقنت انني لايجب ان اعود الى البيت لان تلك المناطق ومحلتنا العمارة وخصوصا وهي مليئة ببيوت العلماء تكون الان بين بيت وبيت رجل امن مدجج بالسلاح مما يجعلني عرضة للاعتقال فكان عبدعلي يقول لي هل تعرف اصحاب تلك المحلات المقابلة وكانت محلات لبيع المرطبات والايس كريم (الموطة, او الدوندرمة ) بلهجتنا العراقية وبالطبع هي في النهار مغلقة ولكن بعضها يتواجد فيه اصحابها للتحضير لعمل ما بعد الافطار وكانت الشباب تتجمع لتناول المرطبات هناك بعد الافطار .. فقلت له احد المحلات يعود لوالد صديقي عبد الامير ابن الحاج جاسم رحمه الله وكان وقتها حيا نتنعم بطيب ما تنتج يده الكريمة من اطايب المرطبات اللذيذة وكنا نسميه (حجي جاسم ابو الدوندرمة ) نسبة الى عمله ..
وفعلا كان المكان هو اقرب لي من اي مكان اخر لكي احتمي به حتى تنجلي الغبرة ووصلت الى المكان راكضا مع الشرطي وقرب المكان تركني وقال ارفع (الفنر) اي ماكان تغلق به تلك المحلات وكان مرفوع من الاساس قليلا بمقياس متر عن الارض وغير مقفل مما يعني تواجد الحاج جاسم او اولاده في الداخل وهم اصدقائي جدا فدخلت ومن الاسفل وتركني عبد علي ورجع الى واجبه كشرطي وشعرت ان الله قد انقذني من موت محقق وما ان اصبحت وسط المحل حتى تلقفني اخي عبد الامير بالاحضان والعناق والتقبيل وحمد الله على سلامتي وسحبني بقوة الى قبو المحل وكانت لتلك المحلات اقبية وانزلني هناك فوجدت المكان يعج ببعض الشباب الهاربة واغلبهم بعضهم من ابناء النجف واخرين من بقية المحافظات فهنؤوني بالسلامة وكان اغلبنا على ظهره علامة كف حمراء واغلبنا حفاة , فتكلمت مع صديقي عبد الاميران مالعمل واخشى ان يقتحموا المكان لقربه من الضريح ويعتقلوا الجميع وخصوصا انهم اصحاب المحل ويتسترون على هاربين والمطلوبين لللانظام الصدامي , فكان رده انه لايبالي بشئ وكل الامور بيد الله وقال لي انا لست بافضل منكم ولو كنت اعلم لكنت معك في الداخل واعلم انه من الابطال وهو لازال حيا والحمد لله ويتذكر تلك الايام ان اطلع على ما انشره من تلك الذكرى الاليمة والعظيمة في آن معا ..
انزلني وكنت منهكا وناولني ماء لكي اغسل وجهي ولا اشربه بالطبع فقد كنا صيام وذهب الى باب المحل ينظر من الاسفل يتفقد الشارع وسمعته يغلق باب المحل ويقفله من الداخل وعاد الينا وقال القوات ملات المكان والشوارع اصبحت خالية ولا اعتقد ان هناك من سيستطيع الوصول من الشباب الى المحل لننقذه وعلينا الحذر فلذلك اقفلت المحل وستبقون هنا حتى تفرج من قبل قريب الفرج ومعين الضعفاء والمظلومين وكان في المحل جهاز هاتف واتصلنا فيما بعد بالاهل لنطمأنهم وكل واحد اوصى اهله ان تاتي أمرأة ام او اخت الى المحل لتجلب رداء وحذاء بعد ان تهدا الامور لان الملابس كانت مشبوهة ومعلمة باللون الاحمر ولانستطيع التحرك بها خارجا ..
كان اخي وصديقي عبد الامير عنده ملابس في المحل وهي تشابه في قياساتها قياساتي فناولني احداها فلبسته واخذت منه حذاء وبقينا في داخل المحل وبقينا الى مابعد الظهر نتحدث بما جرى والعجب يعتري الجميع والفخر والعزة تملأ قلوبنا اننا استطعنا توجيه ضربة تحدي للطغاة المجرمين , حتى قدم احد اخوة اخي وصديقي وهو صغيرفي العمر طلبه في الهاتف وكنا نرسله ليستطلع الامر وكان ازلام النظام من عادتهم ان يحاولوا التكتيم بسرعة على مثل تلك الامور ولانه الامر حصل فجرا واغلب الناس نيام فكان ان انسحبت القوات بعد ان اعتقلت المئات من الشباب والنساء الابطال والبطلات الزينبيات ولم يتبقى احد هناك وسحبت الجثث الشهيدة من داخل الضريح ونظفت المكان بعد ان اغلقته وطوقته ونقل لي ذلك فيما بعد وهو الشرطي عبد علي وكان ابن ريف وهؤلاء يهابون ويخشون اذى السيد اي سيد يعود نسبه الى رسول الله وكان تصرفه معي ينطلق ايضا من تلك الحالة وهي عادة موجودة في شارعنا العراقي الطيب والكريم رغم اعتقادي الراسخ ان لافرق بين انسان وانسان ولا حتى بين سيد في نسبه او من العامة فاكرمكم عند الله اتقاكم والمقياس في التفاضل عند الله هو التقوى والخلق والايمان وانسانية الانسان , وتحدث لي عن اعداد كبيرة من الشهداء وكان يردد ان لي حظا حينما انجاني الله من ايدي هؤلاء القتلة وبالطبع جاء لاخذ المقسوم منا فاحمد الله واشكره ان ابقاني لكي انقل لكم وللتاريخ تلك المآثر البطولية لهذا الشعب الرافض للذل والعار والاستعباد من قبل جهلة ابناء عوجة وليتها غير معوجة كما هو اسمها ومسماها ومضمونها الحقيقي ..
تلك هي انتفاضة رمضان الباسلة والتي نسي الكثير من شخوصها او من نجى منها ان يتعب نفسه قليلا لكي يتحدث عنها ولكن لو قيض للشهيد السعيد السيد عز الدين بحر العلوم ان يبقى حيا وكان موجودا فيها واستشهد فيما بعد اعداما بيد الطاغية صدام وازلامه وهو من كبار علماء الحوزة العلمية في النجف الاشرف فمن المؤكد انه سيذكرها في كتبه او مؤلفاته ولان الطغاة يعدون وقتها على الانسان انفاسه فمن الغير ممكن ومن الانتحار ان ندون ذلك على ورقة نعتقد انها ستصل يوما ما الى يد عميل خسيس ينقلها الى اسياده لتكون النتيجة فناء من كتبها او احتفظ بها وتلك لعمري هي حال العراق وشعبه فرحم الله شهدائه الابرار وشهداء تلك الانتفاضة الرمضانية الباسلة والتي اعطت على مذبحها المئات من الشهداء والمعتقلين الذين اعتقلوا ولم يعد احد منهم الى اهله ونسال الله ان نكون اوفياء لتلك الدماء الطاهرة الزكية , ونساله ان يجمعنا واياهم قتلا وشهادة وعلى يد اقذر خلقه انه سميع مجيب يجيب دعوة الداع اذا دعاه ..
احمد مهدي الياسري
https://telegram.me/buratha