( بقلم : المحامي طالب الوحيلي )
جميع المحاور الخطيرة التي تقاذف الواقع العراقي هي مترابطة فيما بينها بصورة لاتقبل الانقسام ،وهي تفرز مفهوما واحدا لا يمكن ان يتجاهله المتتبع للواقع العراقي الا وهو وضوح جبهات الصراع الذي انحصر بين مفهومين هما تأريخ الصراع السياسي في العراق والهيمنة الاستعمارية والطائفية الإقليمية التي قفزت على منطق الأشياء من اجل الإبقاء على المعادلة الغريبة متخذة لها وجوها عديدة لا تخرج عن فكرة استعباد الأكثرية من قبل الاقلية الطائفية حتى وصلت الى حالة من الجمود العقائدي المتمثل باستحالة تصور نظام حكم يخالف المألوف لما تعيشه الأنظمة الإقليمية المجاورة مهما كان نوع الحكم الذي يسودها ،فنظام كنظام صدام المقبور هو حالة شاذة عن الأنماط المألوفة عربيا بكل المقاييس وقد تلونت سنوات حكمه بعدم استقرار العلاقة مع تلك الأنظمة بين المد والجزر ،بين ان يكون حليفا لبعضها حد الاندماج السياسي وتكوين اتحادات سرعان ما تنتهي الى الخراب،وبين ان يكون راس حربة لشرورها ضد الشعوب الاخرى ذات النزعة التحررية ،وبين ان يشكل لها مصدر خطر يهدد كيانها العام حتى يصل به الحال لابتلاعها او احتلالها ،فلا تجد بدا من البحث عن تحالفات سرية او علنية بقصد القضاء عليه نهائيا دون التفكير باي بديل ،والواقع لا يحتاج لسوق الأمثلة قطعا فمعظم الأنظمة العربية ان لم نقل جميعا رغبت يوما في ان ترى صداما مهزوما يلعنه شعبه وكل ضحاياه ،لكن حين تحين ساعة الجد كما في الانتفاضة الشعبانية المباركة والتي كادت ان تنتصر كأول ثورة شعبية يمكن ان تؤسس لحكم تحرري ،نجد ان بعض تلك الأنظمة رغبت ببقائه حاكما ضعيفا مأسورا بالقرارات الدولية وبالحصار السياسي والاقتصادي على ان ترى حكما يغاير فلسفة الحكم العربي المتوارث منذ العهود المظلمة التي سعت لالغاء مذهب حي يمتلك جوهر العقيدة الإسلامية وتتوفر به كل سمات الانعتاق الروحي والاقتصادي ويشكل منهاجا متكاملا للحياة ،ارادته ان يبقى كمسخ رابض على صدر الشعب العراقي الذي عانى امر سنين القهر والقتل على مرأى ومسمع الضمير العربي الميت ،وتلظى بأقسى ألوان الجوع والعذاب الذي فرضته قوانين الحصار الاقتصادي ،بل ساهمت بعض الأنظمة في فرض سياسة التجويع ضده ونهب ثرواته فيما بقي صدام وزمرة حكمه وإذنابه يتمتعون في بحبوحة من العيش ،حتى اذا تكاملت مبررات تغيير الطاغية تحالفت دول الجوار وانسجمت اهدافها في دعم القوى الدولية المهيمنة لا سقاطه وهي تخبئ مشروعا غير الذي أعلنته لتبدأ فيما بعد صفحات من التخريب والانفلات الامني وتداخل في الكثير من التفاصيل بقصد عرقلة المشروع السياسي للشعب العراقي المعد عبر الكثير من التجاذبات بين القوى الوطنية المتمثلة بالمعارضة العراقية في المنفى وفي العمق العراقي ،لذا كان لابد من خلق الفجوات وأحداث مواطن للخلل وتنويع مراكز للرعب ،وكل ذلك بقصد تحجيم الدور الأساسي للقوى الوطنية المتصدية لاسيما منها الإسلامية ،فليس غريبا ان تعلن الدول المحاربة للإرهاب انها أرادت ان يكون العراق ساحة للقضاء على الإرهاب الدولي مستفيدة من نزعته التكفيرية في تقويض حركة جهاد أبناء المظلومية التي كما يبدو لم تجد لها صدا لدى الولايات المتحدة فيما يعتبر رئيس الوزراء البريطاني اكتشاف اكثر من 300 مقبرة جماعية سببا للاشتراك بعملية تحرير العراق.
الأخطاء المقصودة للمدير الإداري للاحتلال في إدارته للملفات وعدم تسليمها للشعب العراقي وإصداره سلسلة من القوانين وتنفيذها بصورة غير صحيحة ،كانت السبب الجوهري في تضخم الارهاب ومصاحبته للفساد الاداري ونفاذ ايتام النظام البائد الى قلب المؤسسة الحكومية والإدارية والقضائية بدل من اجتثاثهم او تحجيم دورهم ،فيما ساهمت بعض الأنظمة العربية في دعم الزمر الإرهابية عسكريا وتعبويا وتموينيا ،فكانت ولا تزال دول الجوار المصدر الرئيس للانتحاريين العرب والأجانب الذين بلغ عدد النافقين منهم اكثر من 4000 انتحاري باقرار بعض قياداتهم ،فيما بلغت اعداد ضحاياهم من ابناء العراق من حرس وطني وشرطة عراقية وعلماء وساسة ورجال دين وكسبة ونساء واطفال اكثر من 800000 عراقي ،وما زالت موجات القتل تتصاعد وعناصر الإرهاب تتجذر بفضل تمسك القوات متعددة الجنسيات بأسلوبها المريب في التعاطي مع الحكومة العراقية التي اكتسبت شرعيتها الدستورية من الشعب ،ناهيك عن عدم جدية معالجة المجاميع الارهابية التي تقع تحت رحمتها ،لتكون فيما بعد صاحبة قضية تتناولها وتروج لها ولجرائمها المؤسسات الإعلامية المجندة لها والمتترسة بذات الانظمة العربية كالجزيرة والقنوات العراقية الإرهابية التي تبث من خارج الحدود ،فيما اكتسبت قياداتها السياسية المنفتحة في الداخل وفي الخارج مساحة كبيرة من المناورة والتحرك والافراط في الغمز واللمز ضد ابناء شعبنا واصفة إياهم باقسى الأوصاف كالصفويين او الروافض وعدم التروع في الطعن بهويتهم الوطنية ولاسلامية ،وكل ذلك يجري في العلن ودون أي اعتبار انساني ليصل الامر حد هد العتبات المقدسة والمساجد والحسينيات والمراقد الدينية واستباحة مدن بكاملها وقرى قابعة تحت رحمة بعض القبائل التي تبنت التكفير دينا لها فخبأت بين بيوتها وفي دهاليزها المخطوفين والمقتولين ،وتحولت بعضها الى مسالخ..
كل ذلك لا يخرج عن استعادة ايتام النظام البائد لقدراته التدميرية واعادة تنظيمهم الذي أسس هذه المرة على تطهيره مذهبيا لكي تتوحد فيه وبصورة اجلى من السابق صفتي العنصرية والطائفية ،مستفيدا من بعض الجهات التي اتخذت من الثوب الديني سترا لها كهيئة علماء السنة وبعض من دخل العملية السياسية ضمن كتل برلمانية .
لقد كان لهيئة علماء المسلمين دور أساس في التصعيد إلارهابي عبر تحريضها العلني على التصدي للحرس الوطني والشرطة وللحكومة بحجة مقاومة الاحتلال والمتعاونين معه واعتبرت اتباع اهل البيت هدفها دون ان تصدر منها أي فتوى بتحريم قتل أي كان من ابناء شعبنا بالرغم من شيوع جرائم الخطف والذبح على الهوية وبالرغم من وصول الكارثة حد اغتيال السيد محمد باقر الحكيم ومن ثم تهديم مرقد الامامين العسكريين لتتخذ من رد الفعل العفوي للمواطنين اثر ذلك سببا للتصعيد الدموي والاقتال المذهبي وفرض سياسة تهجير العوائل القاطنة في بعض المحافظات ذات الاكثرية السنية ،ومن ذلك وصفهم للزرقاوي بالمجاهد وتأكد وجود العلاقة الوثيقة بين هذه الهيئة والفصائل الارهابية .
النوايا المعادية لحارث الضاري الماكث في السعودية التي حاولت ان تساهم في وقف حمام الدم كمسعى انساني عن طريق مؤتمر العلاقات الروحية ،عبر عنها الضاري مقدما، بانه لا يثق بقدرة «مؤتمر القيادات الروحية» المنتظر عقده الخميس المقبل في مكة المكرمة على وضع حد لنزيف الدم العراقي، بما فيها وقف الانزلاق الخطر نحو الاقتتال المذهبي.واعتبر الضاري في حديث إلى «الحياة» في جدة أن «القادرين» على حل أزمات العراق الطاحنة «قوتان فقط ليس بينهما القيادات الروحية، هما قوات الاحتلال (الأميركي) والجهات التي (اعتمد عليها الاحتلال) في (ما يسمى) بالعملية السياسية. هؤلاء هم اللاعبون الحقيقيون اليوم».وكأنه لا يعلم ان شكل الصراع هو طائفي ، للقوى الروحية فيه اهم دور لاسيما وان موقف المرجعية الدينية في النجف الاشرف عد صمام الامان المانع للانزلاق المقابل للحرب الطائفية التي لا خاسر فيها الا الشعب العراقي والمستفيد الاول فيها هم اعداء العراق التقليديين.وبقايا النظام الذين يحلمون بفشل العملية السياسية وعودة نظامهم ،حيث أبدى خشيته «في حال نجاح المؤتمر» من أن «تجير النتيجة لمصلحة العملية السياسية (من أجل) التغطية على (تشوهاتها) الخطرة. وهم يواجهون حالياً (فشلاً ذريعاً) على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية».ترى كيف تستقيم نواياه من العملية السياسية مادام خطابه بهذا الوضوح من الحقد الاسود على التجربة السياسية التي فرضتها القوى المتصدية وإرادة الشعب العراقي ،الذي استخف به هذا الضاري وبتضحياته كثيرا وبالحد الذي يفرض على الحكومة محاسبته وتحريك الشكوى ضده على وفق قانون مكافحة الإرهاب ،حيث نسي ان هذا المؤتمر بدعوة من «المجمع الفقهي الإسلامي» التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بهدف التوقيع على ما سمي «الوثيقة المكية» لتحريم قتل العراقي لمواطنيه من مذاهب أخرى، خصوصاً بين سنة العراق وشيعته، فعلى وفق أي شرعة وعقيدة يسير ؟!!
https://telegram.me/buratha