( بقلم : علي حسين علي )
يكاد الحديث عن استشراء الفساد المالي والاداري في أجهزة الدولة أن يكون مملاً وبدون جدوى فمنذ سقوط الطاغية صدام وحتى يومنا هذا لا حديث للناس إلا عن أمرين يكاد ان يكونا متلازمين أولهما الارهاب وثانيهما الفساد..وكنا نعتقد بأن معركة الدولة ضد الارهاب ستكون طويلة ومكلفة وتصادفها نجاحات واخفاقات..وكنا نظن بأن مكافحة الفساد واستئصاله أسهل بكثير من استئصال الارهاب ولجمه..إلا أن هذا الظن لم يكن قريباً من الحقيقة أو ملامساً للواقع.
واعتقادنا بصعوبة المعركة ضد الارهاب تعود الى جملة أمور من بينها أن الارهابيين في معظمهم من اتباع النظام البائد ومن ذوي الاختصاصات العالية في حرفة الارهاب لانهم مارسوها طوال اكثر من ثلاثين سنة..أما الأمر الثاني الذي لا يقل أهمية فهو أن بعض دول الجوار ولأغراض سياسية فتحت عواصمها وحدودها لاستقبال الارهابيين الأجانب ومن ثم تسفيرهم الى العراق عبر الحدود المشتركة، والأمر الثالث هو أن هناك فئة أو جماعات قد تضررت من سقوط العهد الصدامي وهي بطبيعتها تسعى لاستعادة ما خسرته وهو الحكم والتسلط ولهذا وجدنا هذه الجماعات والفئات تجعل من نفسها حاضنة للارهاب وحامية له.
الى ذلك فان رابع الامور هو أن بعض دول الجوار تنظر الى العراق بعين طائفية، وتعتبر النظام في العراق بعد سقوط الصنم يعني أن الأغلبية ستكون لها الكلام الفصل في الحكم مستقبلاً، وهذا ما لا ترضاه بعض الحكومات من دول الجوار والبعيدة عن العراق لاسباب من بينها الخشية من انتقال حكم الاغلبية الى بلدانها، وعندها ستتهاوى عروش، ولهذا لجأت بعض الحكومات المجاورة الى تقديم الدعم المادي والاعلامي لتقوية الارهابيين ولبث روح الفرقة والتناحر بين ابناء الشعب العراقي كيلا تنتقل عدوى الديمقراطية وحكم الاغلبية الى خارج حدود العراق.
هذه الامور بمجموعها جعلت منا نعتقد بأن المعركة ضد الإرهاب ستكون مكلفة وطويلة وشاقة..ولربما استسهلنا المعركة ضد الفساد وكونها معركة داخلية يمكن حسمها لصالح المواطنين العراقيين.غير أن ما تبين بعد أكثر من ثلاث سنوات من المعركة ضد الفساد هو أن الأخير له من الجذور العميقة في مؤسسات الدولة بما يوفر له الحماية الذاتية قبل كل شيء واكتشفنا أيضاً بأن الارهاب معروف المكان وربما معروف الأشخاص أو الحواضن أو المناطق..لكن الفساد المالي والاداري شيء يعمل تحت الارض ومن الصعوبة الامساك بخيط من خيوطه وان حصل ذلك فان هذا الخيط ينقطع ويصعب التتبع بعد ذلك .واذا ما كان للارهاب(زعامات)و(أمراء)فان للفساد الآلاف من(الامراء)ممن كانوا في عهد صدام وممن أورثهم الطاغية الى العهد الجديد..هؤلاء (الامراء)القدماء والجدد من الصعب تصفيتهم عبر الاجراءات الروتينية التي تسير عليها ماكنة الدولة العراقية، فضلاً عن ذلك فان مناطق النفوذ لبعض المسؤولين تمنع منعاً باتاً الوصول الى اللصوص العاديين والمختلسين في دوائر الدولة لشمولهم بالحماية وضمان استمراره في اللصوصية والاختلاس والسمسرة. وإلى ذلك فان العديد من المسؤولين في الدولة لا تتوفر فيهم الكفاءة الادارية مما يغري العاملين تحت أمرتهم بالاختلاس والسرقة وما الى ذلك.
نعتقد بأن الدولة والحكومة تحديداً قادرة على مكافحة هذه الأمة(الفساد المالي والاداري) لو أعادت النظر بالكثير من المسؤولين من(مدير عام الى مستشار الى وكيل وزارة) فهولاء هم من مسببات الفساد الاداري ان كانوا على علم به أو جهلاً له، فضلاً عن ذلك فان القضاء العراقي ينبغي أن لا يتساهل قضاته باحكام مفخخة مع اللصوص، فقد صدرت قبل أيام احكاماً بالحبس ثلاث سنوات على مسؤولين كبار في احدى الوزارات وكانوا قد استولوا على عشرات المليارات من دون حق..فالقضاء لا ينبغي أن يتعامل برفق مع لصوص ومختلسين عاديين الحقوا ضرراً بالغاً باموال الشعب العراقي..ولعل ما نشر قبل أيام عن الناطق باسم هيئة النزاهة والذي أشار فيه الى أن اكثر من سبع مليارات من الدولارات قد سرقت من دوائر الدولة ومؤسساتها، ولعل المثير في تصريحه ان هذا الرقم هو حصيلة للقضايا التي تم فحصها، أما مالم يتم التدقيق فيه من قضايا الاختلاسات فان رقمه سيكون فلكياً بالتأكيد..فضلاً عن ذلك فقد ذكرت معلومات مؤكدة أن في وزارة النفط وحدها قد تم اختلاس وسرقة أربع مليارات دولار من تهريب النفط إلى الخارج! ومع الأسف أن معظم النفط المهرب مستورد بالاساس ومع الاسف الشديد أن الكثير منه يعاد تهريبه الى البلدان المصدرة!!.
وأخيراً، اننا على يقين بأن معركة الحكومة والمجتمع ضد الفساد شرسة ومكلفة ولكنها ستتكلل بالنجاح في ما اذا توفر الاصرار والرغبة في خوضها لدى القائمين عليها وكذلك الجدية والحكم القضائي القاطع بحدوده القصوى..وعندها سنجد الفاسدين يرشد أحدهم على الآخر..وتنتهي بذلك معاناة العراقيين من الآفة المستشرية التي أسسها الفساد المالي والاداري.
https://telegram.me/buratha