( بقلم : جاسم هداد )
عوائل ضحايا مجزرة الأنفال ومعهم اصحاب الضمائر الشريفة ، كانوا يترقبون محاكمة الطاغية صدام ومعاونيه بلهفة ، وما ان حل موعد البث الحي للمحاكمة حتى تسمرت اعينهم امام شاشات التلفزيون ليروا مجرم العصر وازلامه في قفص الأتهام ، بأنتظار حكم العدالة والقانون .وتوالت شهادات المشتكين ومنهم من فقد والده ووالدته وهو بعمر عشر سنوات ، وآخر فقد زوجته وابنه وابنته ، وآخر فقد زوجته وثمانية من اطفاله ومن بينهم طفلة ذات الأربعين يوما ، ومناضلة لا تزال تعاني صحيا من آثار جريمة الأسلحة الكيمياوية ، ومناضل يبرز شهادات طبية من احد المستشفيات الألمانية تؤكد الأعراض المصاب بها نتيجة تعرضه لغاز الخردل ، وشهادات اخرى تنهمر معها دموع العيون تعاطفا وتهتز الضمائر الشريفة ، اما اصحاب الضمائر الميتة فتكون مآل سخرية واستهزاء . المتهمون بجريمة الأنفال والتي راح ضحيتها اكثر من ( 182 ) الف من ابناء الشعب الكردي ، سيقوا للمحاكمة بتهم الأبادة الجماعية ، جرائم ضد الأنسانية ، واقتراف جرائم حرب ، وهي جرائم ليست عادية ، والأديان السماوية تؤكد على ان من قتل نفسا كأنما قتل الناس جميعا ، فكيف وضحايا الطاغية صدام وزمرته فاقت مئات الآلاف . الأب والأم التي ثكلت بولدها او ابنتها ، الزوجة التي ترملت ، الأبن او البنت التي تيتمت ، الأخ او الأخت التي فجعت بأخيها او اختها ، عاشوا على امل ان يحين اليوم الذي ينال الطاغية صدام وزمرته قصاصهم العادل . اداء القاضي عبدالله العامري رئيس المحكمة الجنائية الخاصة بجريمة الأنفال ، اثار استغراب ودهشة اولئك جميعا ، لا بل كل من تابع جلسات المحكمة ، فمجاملة ومحاباة المتهمين ومحامي الدفاع واضحة ، وابتسامات القاضي توزع بالمجان عليهم ، وكأنهم في حفل استقبال ، ويؤدي القاضي واجب الضيافة تجاههم ، وليس كمتهمين جالسين في قفص الأتهام .وأول من اشار الى ذلك الكاتب مالوم ابو رغيف في 12/9/2006 في مقال له منشور في موقع الناس بعنوان " القاضي العامري رزكار الثاني " . وفي جلسة المحكمة ليوم 13/9/2006 ، طالب المدعي العام منقذ آل فرعون القاضي بالتنحي عن النظر في القضية ، متهما إياه بالتساهل مع صدام واعوانه والسماح لهم بالتطاول واستخدام تعابير غير مقبولة وتوجيه تهديدات الى المدعي العام والشهود ، واصبح المشتكون متهمين بالخيانة والعمالة امام الطاغية واعوانه والمدافعين عنه ، وكذلك اشار المحامون وكلاء المدعين الحق الشخصي الى ان القاضي فسح المجال الى صدام للتطرق الى مواضيع بعيدة عن سير المحاكمة ، وهو مخالف للمادة " 154" من قانون اصول المحاكمات الجزائية .فلقد هدد الطاغية صدام المدعي العام بأنه سـ " يطارده داخل المحكمة وخارجها " ، وفي جلسة يوم 13/9/2006 هدد وكيل المدعين بالحق الشخصي بـ " سنسحق رؤوسكم يا خونة " وهذا تم في قاعة المحكمة وتحت سمع وبصر القاضي .وفي موضوع بعيد كل البعد عن موضوع الدعوى وسير المحاكمة ، القى الطاغية مداخلة عن العلم العراقي وانه ورث هذا العلم واضاف عليه عبارة " الله أكبر " ، ولم يكتفي القاضي بالسماح له بالحديث خارج سير المحاكمة ، بل عقب مؤيدا الطاغية بأن " لن يستطيع احد أن يزيل هذه العبارة " . ويفترض بالقاضي العامري ان يكون مطلعا لابل دارسا للدستور العراقي الذي نص في مادته " 12 أولا" بأن " ينظم بقانون علم العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز الى مكونات الشعب العراقي " ومخاطبة المتهمين والمشتكين والمحامين بالقاب غير قانونية ، فالمشتكي يناديه بـ " كاكا " والمتهم بـ " اخ " والمحامي بـ " استاذ " ، بينما لكل من هؤلاء تعريفه القانوني ، بينما هو شخصيا امتعض من محامي صدام وكان محقا ، عندما خاطبه بـ " استاذ " ، ولقد تساهل كثيرا في السماح لمحامي الدفاع بمخاطبة الطاغية بـ " السيد الرئيس " ، واصرارهم على ذلك ، وكذلك المتهمين الآخرين بلقب " السيد " ، بينما هؤلاء بحكم القانون متهمون في قضايا جنائية كبيرة . مبررا ذلك بـ " كلنا اخوة امام القانون والله " ، او " كلنا اخوة ومسلمين " ، متناسيا ان احد المشتكين كانت من الديانة المسيحية ، وغير عارف بأن قسم من الأخوة الكورد يدينون بالديانة الأيزيدية . والقاضي العامري نفسه افاد في تصريح له لوكالة الصحافة الفرنسية بأن " صدام كان يغتبط عندما كان محامي الدفاع يناديه بالسيد الرئيس " ، ويبدو ان القاضي العامري يريد للطاغية ان يكون دائم الأغتباط ، من خلال السماح لمحاميه بمخاطبته بلقبه السابق .وفي الجلسة السابعة في يوم 14/9/2006 ، زلزل القاضي العامري قاعة المحكمة بتبرئة الطاغية من نعت " الدكتاتور " الذي استحقه وبجدارة عن مدة تسلطه ونظامه على رقاب الشعب العراقي ، حيث خاطبه والأبتسامة لا تفارق محياه " انت مو دكتاتور ، بس الجماعة المحيطين بك هم اللي يصنعون الدكتاتور " ، وهذا يعني ان الطاغية برئ من الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب العراقي ، والمحيطين به هم الذين قاموا بها . وردا لهذا الصنيع ، ابتسم الطاغية وقال له " شكرا " ، ولم يفت المجرم علي كيمياوي بتقديم الشكر له كذلك حيث خاطب القاضي بـ " افتخر بأنك مثلت القضاء العراقي العادل " ، والعدل بعرف علي كيمياوي الأنحياز لهم ، وكذلك شارك في كيل المديح المحامي بديع عارف عزت مقرر الشؤون القانونية في الأسطبل الوطني .بعدما اثار ذلك الأستغراب والأستنكار والأندهاش لدى اوساط الجميع من صحافة واعلام وابناء الشعب العراقي ، لابل حتى في اوساط ايتام الطاغية الذين لم يكن في توقعهم هم ايضا ان يصرح رئيس المحكمة الجنائية التي تحاكم الطاغية بأنه ليس دكتاتورا . بادر الناطق الرسمي بأسم المحكمة الجنائية العليا ورئيس قضاة التحقيق بعقد مؤتمر صحفي ، افاد فيه بأن ما ورد من القاضي العامري لم يكن سوى " سقطة كلام لن تؤثر على السير القضائي المرموق !! للمحاكمة " ، بينما وزير العدل اشار الى ان " هذا غير وارد في المحاكمات وعلى القاضي لا ينصب نفسه حاكما ويحدد من هو دكتاتور " . المتابع لجلسات المحاكمة يمكنه ملاحظة سقطات كلام وليست سقطة كلام واحدة من القاضي ، اضافة الى السماح لمحامي الدفاع بتوجيه الأسئلة غير المنتجه والأستهزائية ، مثل كيف هرب المشتكي الى ايران ؟ ، ومن سهل له ذلك ؟ ، والقاضي ومحامي الدفاع يعرفون جيدا ان كل حدود لأي دولة يستطيع من يعرف مسالكها النفاذ منها ، وسكان تلك المناطق اعرف بشعابها .بماذا يفسر اداء القاضي عبدالله العامري المتهاون مع الطاغية المستبد صدام واعوانه ؟ هل سقطة كلام كما يبرر ذلك القاضي رائد جوحي ؟ . أم عرفانا لولي النعمة ؟ أم ولاءا لحزب البعث الفاشي وحنينا له ؟ لاسيما وان المعهد القضائي الذي تخرج منه القاضي العامري لا يقبل فيه الا من انتمى لحزب البعث . ام رسالة موجهة لأزلام الطاغية خشية الأنتقام منه او من عائلته ؟ ام تنفيذا لتوجيه من المندوب السامي الأمريكي ارتباطا بتبرئة الطاغية من علاقته بأسامة بن لادن ؟ أم الأناء ينضح بما فيه ؟ أم ان " القاضي عبدالله العامري منتج بعثي سلوكا وتصرفا وقضاءا " كما ذكر الكاتب مالوم ابورغيف في مقالته المنشورة في موقع الناس بتاريخ 14/9/2006 والمعنونة " اخوان القاضي عبدالله العامري " .اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha