( بقلم : عبد الكريم الجيزاني )
غداً وبعد غد سوف يجتمع العديد من رؤساء دول ورؤساء حكومات في هافانا للمشاركة في مؤتمر دول عدم الانحياز ليتدارس هؤلاء المسؤولون اهم المشاكل التي يعّاني منها أغلب شعوب الكرة الارضية، خاصة وإن النظام الدولي منذ بداية الالفية الثالثة اصبح أحادي القطب بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وبعد تحكم العولمة في أغلب الشؤون السياسية والإدارات فضلا عن العامل الاقتصادي المسمى (اقتصاد السوق) الذي ألغى أيديولوجيات وربما ستلغي أخرى اقتصادية كانت أم سياسية.
هذه المؤتمرات وأخواتها من القمم العربية والآسيوية والافريقية والاوربية وحتى اجتماعات المؤتمر الاسلامي وغيرها من القمم والمؤتمرات لم تحل ولا مشكلة لحد هذا اليوم بل ربما فاقمت من هذه المشاكل. فإذا ما نظرنا الى مشكلة الشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي فسوف نجد ان توازن القوى في المنطقة قد تحول الى كفة مدعومة بشكل قوي من الاحادية القطبية ومحاولة انزال الهزيمة بالطرف الآخر، وهذا ما ادى الى توسع الصراع الدموي ولعل من مصاديق ذلك حرب الـ(33) يوماً ضد البلد العربي لبنان وما تعرض له من دمار وخراب تحت بصر وسمع العالم بأسره.
أما في أفريقيا فلم تستطع الصومال الى يومنا هذا ان تقف الحكومة على قدميها وبقيت ساحتها السياسية عرضة للقتل والصراع القبلي ولا من يلتفت الى ذلك. ولعل مأساة اقليم دار فور في جنوب السودان الذي يتعرض شعبه يومياً الى حرب اهلية مدمرة محط ساحة صراع ارادات بين الفرقاء في الداخل والمتربصين في السودان من الخارج.
المشكلة الاخرى الاكثر تعقيداً والتي تنبئ ببوادر حرب قد تقع على ضفاف المياه الدافئة في الخليج وفي بحر قزوين تحت لافتة السلاح النووي الايراني المفترض، علماً ان المسؤولين في ايران قد اكدوا في أكثر من مناسبة ان مفاعلاتهم النووية هي للاغراض السلمية وليست لصناعة اسلحة مدمرة. وبقيت القضية يحفها صراع الارادات الدولية دون الوصول الى حل يمكن ان ينزع الفتيل.
وفي اسيا لا تزال كوريا الشمالية هي الاخرى وبسبب مفاعلاتها النووية وقدرتها العسكرية محل قلق وخوف من تطورها الى سلاح نووي يهدد اسيا قبل غيرها وخاصة كوريا الجنوبية واليابان، وربما تايوان فهذه المخاوف المقلقة ربما ستكون في المستقبل لا اساس لها من الصحة، باعتبار ان هذه الدول تريد أن ترتقي بشعوبها الى مستويات اكثر نضجاً وأكثر تطوراً مما هي عليه الآن.
لا نريد أن نذهب بعيداً عن صلب موضوعنا وتساؤلنا: ماذا استفاد العراق بعد سقوط النظام البائد من كل القمم العربية والمؤتمرات الدولية ومنها مؤتمر دول عدم الانحياز؟ فعلى صعيد القمم العربية كنا نقرأ في البيانات الختامية حرص الدول العربية على استتباب الامن والاستقرار والحفاظ على وحدة الشعب العراقي ووحدة ترابه، لكن الواقع الذي نعيشه اليوم يؤكد عكس ذلك، فعلى الصعيد السياسي لم نلمس أي تقدم في العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء سوى عدد قليل جداً من اشقائنا.اما على الصعيد الاقتصادي فإن النتائج التي تمخضت عن اجتماعات نادي باريس قد اطفأت بحدود الـ80 % من الديون التي ترتبت على السياسات الطائشة للنظام البائد كما بادرت العديد من الدول الاوربية والآسيوية بالتنازل عن بعض ديونها على النظام البائد بل ودخلت نادياً جديداً سمي بالدول المانحة، اما الاشقاء فلا زالوا متمسكين بالمطالبة للحصول على ديونهم والتعويضات التي اقرها مجلس الامن الدولي بعد حرب تحرير الكويت.
من جهة اخرى دخلت العراق ومن اوسع حدوده مع اشقائه زمراً تكفيرية ارهابية لتعبث بأمن وأستقرار العراق وعرضت مواطنيه للذبح والقتل الجماعي ونشر ثقافة الرعب التي لم يألفها سابقاً، فأصبحت المساجد والمدارس والمستشفيات والمراقد والحسينيات ومؤسسات الدولة عرضة للتفجير والتهديم والخراب فيما تعرضت البنى التحتية وخاصة الخدمات كالماء والكهرباء الى تدمير وتخريب اوسع لشل عملية التغيير والتحول السياسي الديمقراطي الجديد.
نحن كعراقيين لا ننتظر من العامل الدولي ان يساعدنا في تجاوز هذه المرحلة اكثر من المساعدة المفترضة التي يمكن ان يقدمها الاشقاء لشعبنا في العراق باعتباره يمثل العمق الاستراتيجي لمجموعة الدول العربية بل وحتى الاسلامية المجاورة وإن أمنه وأستقراره هو امن واستقرار هذه الدول وإن أي خطر-لا سمح الله-يتعرض له فسوف يتعرض أمن المنطقة برمتها الى نفس الخطر خاصة اذا علمنا ان الكثير من المشتركات في الرؤى والافكار هي التي تحكم شعوب المنطقة شاء البعض ام ابى.
المطلوب وبعد النجاحات التي حققتها العملية السياسية وانضمام كافة المكونات الطيف العراقي الى هذه العملية والسير قدماً في تثبيت الامن والاستقرار والقضاء على البطالة وإنجاز العديد من المشاريع الخدمية التي سوف تخفف من وطأة الحرمان والتفاف الشعب العراقي بعربه وكرده وبمذاهبه وآقلياته الاخرى حول حكومته الوطنية وبرلمانه المنتخب وإنجاح مبادرة المصالحة والحوار الوطني الذي سيجمع كل العراقيين بأختلاف اطيافهم على مائدة واحدة كل حسب قدراته وكفاءاته وثقله الجماهيري.. كل هذه المنجزات تتطلب من الاشقاء والاصدقاء معاً وقفة شريفة تعبر عن عمق الروابط التأريخية والاجتماعية والمصيرية بين الشعب العراقي وشعوب المنطقة لكي تؤتي ثمارها وهي بالتأكيد سيعم خيرها الجميع بعيداً عن المزايدات غير المجدية او المواقف المهزوزة أو ربما التوقعات التي لا تنسجم والواقع ولا تصمد أمامه..
ومن هنا لا بد لكل الاخوة العرب والمسلمين ان يبادروا لاقامة علاقات متكافئة تأخذ بنظر اعتبارها مصالح شعوبها اولاً وقبل كل شيء ولا تنظر الى من يراهنون على وقف المسيرة من اعداء الشعب العراقي وأعداء التحولات والتغييرات الحاصلة اليوم ، وأن لا تبقى قرارات القمم السابقة وبياناتها الختامية حبراً على ورق.
https://telegram.me/buratha