( بقلم علي حسين علي )
يوم الخميس الماضي كان يوماً تاريخياً بكل معنى الكلمة..فقد قدمت كتلة الائتلاف العراقي الموحد مشروع قانون تشكيل الاقاليم تطبيقاً لما نص عليه الدستور في اقامة نظام الحكم الفيدرالي..ولم تكن قائمة الائتلاف منفردة في طرحها مشروع القانون هذا، فهي قد حصلت على دعم وتأييد قائمة التحالف الكردستاني الحليفة، وكذلك حصلت على موافقات من بعض الكتل الأخرى على تأييدها في حال التصويت ليصبح مشروع القانون هذا قانوناً ولتنطوي إلى الأبد حقبة الانظمة الشمولية التي امتدت لاكثر من نصف قرن من الزمان.
وإذا ما كانت قائمة الائتلاف صاحبة المشروع المطروح على مجلس النواب، والذي حصلت موافقة رئاسته على البدء في مناقشته هذا اليوم، فان قائمة التوافق العراقية قد أبانت عن رفضها له، وطرحت بديلاً عنه لا يحقق ما ورد في الدستور من انتقال العراق الى النظام الفيدرالي المحدد والمعروف، بل جلّ ما ورد في مشروعها هو قيام نظام لا مركزي يعطي حريات نسبية لادارات المحافظات ويبقى المركز ممسكاً بجميع القرارات الحيوية، ويبقيه مهيمناً على السلطة والمال، وكان ما حدث بعد سقوط الطاغية الذي أحدث زلزالاً في العراق، وكأن ذلك الحدث الذي هزّ العالم أمراً عادياً! وقد تغافل بعض النواب عن أن النظام الفيدرالي كان مطلباً قاتل دونه العرب والكرد با ستثناء المتسلطين على الحكم في عهد الطاغية والمنتفعين منه..وتناسوا أيضاً بأن الفيدرالية ونظامها كان محل نقاشات طويلة قبل سقوط الطاغية وبعده أيضاً، وأن اجماع الاحزاب والقوى المعارضة قد أقرت النظام الفيدرالي خيارها لحكم العراق ولكنها اشترطت أن يكون ذلك مرتبطاً باقرار الشعب، وقد تحقق ذلك عندما صوّت اكثر من 70 بالمئة من العراقيين الى جانب الدستور الذي وصّف نظام الحكم الجديد في العراق بالنظام الديمقراطي الاتحادي(الفيدرالي)وعليه لم يعد لأي كان رأياً مقبولاً بخلاف ذلك.
أما مناقشة قانون تشكيل الأقاليم فمن حق الجميع أن يبدي أفكار ويعترض على أفكاره الاخرين، والعبرة في النهاية بما ينتهي إليه تصويت النواب على مشروع قانون تشكيل الاقاليم فهي الفيصل في رسم خارطته وآلياته. لكن ما يؤخذ على بعض النواب هو أعلان أحدهم بأن الالتزام بالدستور فيما يخص الفيدرالية يمثل تهديداً لوحد االعراق: و(علينا أن نسحب)! وقال آخر ان اقرار مشروع القانون يضر بالمصالحة الوطنية ويعطيها! والى ما هو قريب من هذه الاراء المتشنجة..وإذا كان صحيحاً أن يناقش مشروع قانون تشكيل الأقاليم بكل حرية، وصحيح كذلك أن يأخذ كل نائب الموقف أو المؤيد له أو الرافض، فان من غير الصحيح رفض الفيدرالية كنظام سياسي للعراق، لأن هذا الرفض قد جاء في المكان غير المناسب، إذ أن الرفض كانت ساحته ووقته يوم الاستفتاء على الدستور في الخامس عشر من آب عام 2005 .وليس الآن! ومن الغريب أن يتعكز بعض النواب على المادة142 التي أشارت الى امكانية اجراء تعديلات على الدستور على وفق الآليات التي وردت فيه..وقد بالغ بعض النواب في الاعتماد عليها كسند في جدالاتهم وكأنها قد الغت الدستور بكامله!.
نعتقد، أن الحديث عن نظام آخر غير الفيدرالية لا يقدم ولا يؤخر، وربما يكون دون معنى، فالذين جاءوا الى قبة البرلمان ما كان لهم أن يصلوا عتباته لو لم يكن الدستور الدائم قد نجح وحاز على اكثر من سبعين بالمئة من أصوات العراقيين..وهذا الأمر لا رجعة عنه، لأن أي نائب أو كتلة نيابة محكومة بهذا الدستور وليس من حقها الاعتراض عليه، لأنها اساساً وليدته.أما ما يخص القوانين التي ترك اقرارها الدستور للبرلمان واعطاه حق اصدارها، فلا اعتراض لأحد على أي موقف يطرحه هذا النائب أو ذلك.
ونذكر في الأخير ان الابتزاز والتهديد بضاعة فاسدة لن تجد من يشتريها في هذا الوقت بالذات، ولربما كانت في يوم من الأيام نافعة للبعض، ولكنها اليوم لا قيمة لها عند الأغلبية المطلقة إن كانوا في البرلمان أو في المجتمع العراقي أيضاً.
https://telegram.me/buratha