( بقلم المحامي طالب الوحيلي )
تتنازع المواطن العراقي باغلبيته طبعا معضلتان هما الهاجس الامني، ومشاكل الواقع الاقتصادي والمعاشي والخدمي وانعدام أي تصور استراتيجي او تكتيكي لوضع خطط واقعية لمعالجتها ،فاذا ما عزونا كل المشاكل التي يقع تحت طائلتها هذا المواطن الى العامل الامني ،نجد ان ذلك لا يستقيم مع إخفاقات كبيرة في المناطق التي تتمتع بقدر كاف من الاستقرار والامان كما في محافظات الوسط والجنون والتي كان يفترض ان تكون محلا رائعا للأنموذج التحرري الذي يتبلور فيه البرنامج الحكومي وفلسفة النظام السياسي الجديد،والحديث يخرج عن طغيان القوات المتعددة الجنسيات واعتبارها شماعة للأخطاء، كحال الفساد الإداري الذي استفحل وتضخم كثيرا حتى فاق مستوى الفعل الإرهابي وهو من المستطاع القضاء عليه جذريا بتقصي جذوره وتفعيل سلطان القانون عبر مؤسسات الامن الصناعي او الاقتصادي او الاداري الذي أسست له دوائر المفتش العام في الوزارات المختلفة ،حيث كانت لها صولات سرعان ما خبت تحت هيمنة عناصر الحزب المنحل الذين استطاعوا اعادة وجودهم بعد ان فشلت الجهات المختصة في تطبيق قانون اجتثاث البعث ،فيما ضمر او انعدم وجود الولاء الوطني لدى البعض من ضعاف النفوس فوجد في الاستحواذ على فرص العمل واستثمارها لمنافعهم الشخصية الصرفة واشاعتهم المحسوبية والرشوة وسيلة للثراء الفاحش مما يخل بعدالة توزيع الدخل والمنافع الاخرى،ويخلق مستويات جديدة على الواقع العراقي تضاف الى سلبيات الزمن البائد،ولنا مع مفردات الحياة اليومية مواقف يمكن معالجتها ببدائل ناجحة لو كانت هناك رؤية متبادلة لزوايا المشاكل .الهاجس الامني يتيح لكل مواطن وهو يشعر بعنف الخطر الذي يداهمه في كل اماكن تواجده،الحق في مطالبة الحكومة باستحقاقاته التي ينبغي ان تدخرها له ورقته الانتخابية ،حيث يتفاقم هذا العنف يوما بعد آخر وقد استثمرته قوى الارهاب بشكل يكاد يفقد الحكومة والنظام الدستوري ميزتهما ،مع تداعي سلطة القانون والقضاء في البلاد وتهميشها شيئا فشيئا الابحدود ضيقة جدا لاتكاد تلمس ،في الوقت الذي منحها الدستور الاولوية والاعلية على كافة السلطات ،وقد لاحظنا في الخطط الامنية اغفال كبير للقضاء العراقي الذي ينبغي ان يعاد النظر بهيكليته العامة وتوفير آلية له تضعة في ميادين الاحداث وساحات التصدي المباشر للزمر الارهابية والعناصر المتمردة على القانون ،كون الصراع الحقيقي اليوم ليس بين قوات مسلحة وعصابات ،وانما بين سلطة القانون والمتمردين عليها الذين اتخذوا اشكالا مختلفة تجتمع كلها تحت لواء النظام البائد ومحاولة اعادة مضامين المعادلة الظالمة كما وصف ذلك السيد عبد العزيز الحكيم خلال الحوار الصحفي الذي اجرته معه مجلة نيوز ويك الامريكية صباح الاربعاء 9/8/2006 فيما تحدث عن واقع القوى التي تعمل خارج نطاق وزارة الداخلية والدفاع ،وقسمها الى اربعة اقسام لما يصطلح عليه بالميليشيات ،فبعد ان اشار الى القسم الاول وهو المليشيات التي تشكلت بعد احتلال العراق التي يصطلح عليها بحماية المنشآة ، وقد تجاوزت في الوقت الحاضر ( 33 ) تشكيل وهي تحمل السلاح وتتحرك بشكل رسمي ولكنها غير منضبطة ولا تتلقى الاوامر من كلتا الوزارتين المشار اليهما، اما القسم الثاني التي يجب اعطاءها رقم واحد هي القوى المسلحة التي واجهت النظام السابق ،اما القسم الثالث هو التشكيلات التي وجدت في المناطق من اجل الدفاع عن النفس هذه تتحرك بشكل غير رسمي ولكن يجب إعطاءها حق باعتباره حق الدفاع عن النفس والقسم الرابع هو مليشيات التكفيريين والصداميين التي تسعى للقضاء على المعادلة الجديدة والديمقراطية والحرية في العراق ،مؤكدا على وجوب مواجهة المليشيات الرابعة من قبل الجميع الدولة والمليشيات الثلاثة المشار اليها ، ان تتحرك جميعاً من اجل القضاء عليها لان أفرادها أعداء حقيقيين للعراق .اما فيما يتعلق بالمليشيات الثلاث فقد اشار الى معالجة موضوعية لها ففي ما يتعلق بالمليشيا الاولى ينبغي دمجها كحال النوع الثاني و ربطها بتشكيلات وزارة الدفاع او الداخلية ، واما النوع الثالث فيعالج (من خلال تطبيق فكرة اللجان الشعبية او لجان المناطق او اي اسم اخر نسميها ، في المناطق السنية تكون من الشباب السنة وفي المناطق الشيعية تكون من الشباب الشيعة اما المناطق المختلطة فيجب ان تكون مختلطة وان ترتبط بمراكز الشرطة وتتحرك وفق السياسات الموضوعة لها من الداخلية ).
اللجان الشعبية هي عامل ايجابي للمساهمة الشعبية في رصد نقاط الخلل ومراقبة تحركات الزمر الارهابية وهي ظهير قوي لقوات الامن ،وهي بإمكانها ملء الفراغ ألمعلوماتي الذي كانت تقوم به أجهزة الأمن العام والاستخبارات ،فيما يعني وجهها الاجتماعي في المناطق المختلطة مذهبيا نوعا من التضامن الشعبي يعيد بريق الوحدة بين أبناء المناطق التي غزاها الإرهابيون وحاولوا غرس بذور الفتنة الطائفية البغيضة ،كما انها يمكن ان تمد مراكز الشرطة في المناطق قوة شعبية تساهم في الحد من خروقات عناصر الإرهاب لها وتعزز قدراتها في متابعة العناصر الجرمية .
ما يجعل اللجان الشعبي ذات اثر في حفظ النظام هو ارتباطها بالسلطات الرسمية في وزارة الداخلية ،وفي مراكز الشرطة على وجه الحصر ،نرى ان هذا الارتباط يعد قاصرا ما لم ترتبط تلك المراكز بالسلطة القضائية التحقيقية ،مما ينبغي توفر دوائر لقضاة التحقيق ومحققين عدليين ،تحرك عن طريقهم الشكوى الجنائية وتحرر مباشرة أوامر القبض والاستقدام ،على ان تتوفر القوة الساندة من عناصر الشرطة واللجان الشعبية .كل ذلك ينتظر الموقف الوطني الداعم من قبل الأحزاب المشاركة في الحكومة وفي العملية السياسية ،مع متابعة الموقف من دعاوى المصالحة الوطنية ان كانت هنالك بالفعل مجاميع تنتمي للمقاومة الوطنية وتعمل بحسن نية وبإياد بيضاء من دماء العراقيين،وتلك دعوى مخلصة يرمي إليها زعيم الائتلاف لانتصار العراق الجديد.
https://telegram.me/buratha