( بقلم أحمد قاسم البزرون )
بعيدا عن التحليلات السياسية والوقائع القتالية فإن هناك بعداً آخر أكثر خطراً وأهميةً من ذينك البعدين السياسي والقتالي - اللذين كان معظمنا وما زال منشغلا بهما - ذلك البعد هو البعد الفكري والوجودي في هذه المعركة «معركة الأمة - الشعب وإرادته: إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلا بد أن يستجيب القدر، معركة الحياة أو الموت بالنسبة لإسرائيل - الجيش الذي لا يقهر» - هذا البعد الذي ركز عليه السيد حسن نصر الله مراراً وتكراراً في خطبه وخطه المقاوم منذ أول لحظة تسلمه أمانة «حزب الله».. الأمانة الإلهية، والعهد الإلهي ﴿ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾.. حتى تحرير الجنوب اللبناني.. وهو يوجه بوصلته إليه، أي إلى هذا البعد، وهو «إعادة ثقافة المقاومة» ضد الاحتلال والاستعمار.. وأمام كل مخططات الاستعمار والاحتلال.. بدءاً من اتفاقية سايكس بيكو.. وعد بلفور.. كامب ديفيد.. عملية السلام.. حتى مشروع الشرق الأوسط الجديد.ومن هنا نفهم أنٌَ المعركة فكرية ووجودية- تكون أو لا تكون - قبل أن تكون سياسية أو قتالية.ترى ماذا كان يقصد السيد نصر الله بمفهوم «الأمة» في هذه المعركة؟.أكان السيد نصر الله يقصد «بالأمة» جميع أفراد الأمة الإسلامية أم أمراً آخر غير ذلك؟.وإذا كان السيد نصر الله يقصد بالأمة جميع أفراد الأمة الإسلامية.. فهل السيد نصر الله يقاتل العدو الصهيوني والاستكبار العالمي بهذا المفهوم للأمة!!وهل السيد نصر الله يراهن في هذه المواجهة على هذه الأمة؟!.فإذا كان الأمر كذلك، فهذه مجازفة ومغامرة غير محسوبة فعلا!.وذلك أن الأحداث والوقائع أثبتت أن الموت قد بدأ يدب ّ في جسد هذه الأمة منذ أن اقتطع أعداء الإسلام والإنسانية جزءاً عزيزاً من جسدها ومركزاً حضارياً عظيماً من مراكزها وهو «فلسطين».. فلم يظهر على سائر الأجزاء ردّ فعل مشرف - من يهن يسهل الهوان عليه مال جرحٍ بميتٍ إيلام.. «وإلا كيف نفسر وجود دويلة اسرائيل أمام أكثر من مليار مسلم؟!». إذاً ماذا كان يقصد السيد نصر الله بمفهوم الأمة في هذه المعركة؟.ويمكننا أن نوضح مقصود السيد نصر الله بالأمة من خلال ثقافته الإسلامية - وهو ابن الحوزة العلمية - أي من خلال مفاهيم القرآن الكريم.. فالأمة في القرآن الكريم عدة معان تتسع وتضيق تبعاً للمورد الذي استعملت فيه.فـ«إطلاق أمة محمد وإرادة جميع من آمن بدعوته من الاستعمالات المستحدثة بعد نزول القرآن وانتشار الدعوة الإسلامية وإلا فالأمة بمعنى القوم كما قال تعالى ﴿ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ﴾، وربما أطلق على الواحدة كقوله تعالى ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ﴾، وعلى هذا فمعناها من حيث السعة والضيق يتبع موردها الذي استعمل فيه لفظها، أو أريد فيه معناها. فقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ والمقام مقام الدعاء بالبيان الذي تقدم - لا يراد به إلا عدة معدودة ممن آمن بالنبي وكذا قوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ وهو في مقام الامتنان وتعظيم القدر وترفيع الشأن لا يشمل جميع الأمة، وكيف يشمل فراعنة هذه الأمة ودجاجلتها الذين لم يجدوا للدين أثرا إلا عفوه ومحوه، ولا لأوليائه عظما إلا كسروه»[1] .ومن هنا يتضح المقصود في قول السيد - وخصوصاً انه في مقام المدح على جنوده: «تقاتلون قوماً لا يملكه أحد على وجه الكرة الأرضية...». ويمكن القول أيضاً أن السيد أراد بالأمة «المعنى العام والخاص»، وذالك في حال إحياء هذه الأمة «المفهوم العام» وأنها قد بدأت تستجيب لنداء ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ فما معنى الحياة في التصور القرآني حتى يتوجه المسلمون إليه ويكون هدفاً وغاية لهم؟وللجواب على هذا السؤال نقول أن لكلمة الحياة مراتب ومستويات في المنطق القرآني: 1- الحياة البيولوجية وهي كحركة القلب ودوران الدم ونظائرها الآية كقوله تعالى ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾. 2- الحياة لإنسانية.. وهي عبارة عن الضمير والإحساس الإنساني فقد قال تعالى ﴿ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ﴾. وهنا بالخصوص يجد النداء الإلهي طريقه إلى استجابة الناس له, وأما الذين أفتقدو مظاهر الحياة الإنسانية فلا أثر لهم لاستجابة النداء الإلهي ﴿ إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾.3/ خلود الذكر وجميل الأحدوثة.. وذلك «أن شهداء العقيدة ما هان عليهم الموت إلا انتصاراً لما يدينون ويعتقدون، وبهذا استحقوا خلود الذكر وجميل الأحدوثة قال سبحانه ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ • فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ فأثبت سبحانه الحياة وعلو الدرجات لمن مات في سبيل عقيدته وكرامته»[2] .ويؤكد هدا المفهوم أيضاً قول أمير المؤمنين علي «الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين» فيكون حينها الموت حياة ً وانتصاراً، وهذا بأن يكون الموت بنفسه أعلى وأعمق في مستوى الحياة ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾.فالحياة التي يتحدث عنها القرآن الكريم إذاً هي حياة خلود الذكر وجميل الأحدوثة التي تعز الإنسان وتجعله كريماً «وكرامتنا من الله الشهادة» كذب الموت فالحسين مخلد كلمـا أخلـق الزمـان تـجـدد ولقد شكلت «معركة الأمة» أهم حركة إحياء لدن والأمة ومنعطفاً خطيراً في تاريخ العالم المعاصر وذلك: • أولاً: لأول مرة في التاريخ الإسلامي المعاصر يتجاوز المسلمون المذهبية - تسقط فتاوى السلفية - «ابن جبرين» من السلفيين أنفسهم «د. محسن العواجي» ويتوحدون تحت راية «كلمة التوحيد في توحيد الكلمة» فأصبح شعورهم وإحساسهم واحداً.. وتجسد مفهوم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد آدا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». • ثانياً: وحولت كبرياء إسرائيل وقدرتها الأسطورية «الجيش الذي لا يقهر» إلى «اوهن من بيت العنكبوت», ومناعة مجتمعها، وقناعة العالم بأنها وجدت لتبقى وثقة شعبها واليهود في العالم بحكومتها إلى حكومة مهزوزة مهزومة مفككة تحتاج في بقائها إلى دعم مستمر والى جسر جوي - بدل الجسر الإنساني - ينقل قوة الشيطان الأكبر إليها، وتحولت معها ثقة الشعب إلى شكوك واتهامات وإلى تصاعد الهجرة المعاكسة فلسطين لولا الغرب ما جاس حولها... لشذاذ إسرائيل شعب ملفق.• ثالثاً: كشفت الوجه القبيح - كوجه رايس - لمشروع الشرق الأوسط الجديد المنحاز إلى إسرائيل. إن هذه النظرة السريعة إلي أثار ومعالم «معركة الأمة» تكشف لنا بوضوح أن هده الأمة «العامة» قد بدأت تحيا وهي حيت فعلاً - وتعي وتتحرك وآفاقت من سباتها العميق، وبهذا يصح إطلاق لفظ الأمة في المعركة على الأمة العامة لأنها قد بدأت تعي وتتحرك، ولا نجد صعوبة أيضاً في أن إطلاق لفظ الأمة في هذه المعركة على الأمة «العامة والخاصة» معاً بل يكن أن تطلق بجميع مستوياتها ومراتبها «العامة، الخاصة، الواحدة». في هذه المعركة فيزداد المعنى عمقا ًوجمالاً, وذلك بأن يكون المطلق نفسه - السيد نصر الله - أمةً «الأمة الواحدة» وجنوده أمة ً «الأمة الخاصة» وعشاقه أمةً «الأمة العامة». وهذا الأحياء ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ هو أغلى هدية يقدمها السيد حسن نصر الله لهذه الأمة، وأعظم من النصر السياسي والقتالي. وكما قال الشهيد المطهري في قائده العظيم الإمام الخميني «لقد أعطى لشعبنا شخصيته، وأعاد له شخصيته الحقيقية وهويته الإسلامية، أنقده من الضياع والتيه وفقدان الشخصية وهذه هي أعظم هدية يعطيها قائد لشعبه إنه استطاع أن يعيد للشعب إيمانه الضائع وأن يعيد له الثقة بالنفس»[3] .أحمد قاسم البزرون القطيفاشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha