بقلم الشيخ جلال الدين الصغير
كثيراً ما سمعت السيد رئيس الوزراء يعلل الفشل في الأداء الحكومي بعبارة: "ما يخلوني" في إشارة منه إلى طبيعة اداء القوى السياسية المشاركة له في العمل الحكومي والتي يفترض أنها تشاكسه في عمله ولا تدعه يعمل ما يريد، وبمعزل عن حقيقة هذا التعليل من بطلانه، إلا أن هذه العبارة من شأنها ان تجعل الإنسان يتساءل: إذا كانت تجربة 8 سنوات انتهت إلى عبارة: "ما يخلوني" فما جدوى الدخول بمغامرة الأربعة سنوات القادمة والإصرار على ولاية ثالثة؟
فالقوى هي نفس القوى فما الذي سيتغير ويتبدل في هذه الولاية ليختلف عن الولايتين السابقتين؟ نعم إن عنصر التغيير الأساسي في هذه الولاية ستكون أن القوى المشاركة له فيها لو تحققت فرضية الولاية الثالثة ستكون أكثر تشدداً وتصلباً في مواقفها معه مما جرى لحد الآن، فالتقاطعات أكثر والمخاوف من تفرده في السلطة أكثر من ذي قبل، إذن كيف سيحل صاحب مشروع الولاية الثالثة هذه المشكلة؟
قد يبدو حديثه اليوم عن الأغلبية السياسية حلا، ولكن هذا الأمر المسمى حلا لا يعدو كونه لعباً في المصطلحات ولا يحمل في طياته من الناحية الواقعية أي أثر من تغيير عن معادلة اليوم، فإن كان يفترض في الأغلبية السياسية أن يأتي بفريق سياسي يمثل الأغلبية من القوى المشاركة في الانتخابات، فإن العودة للأحزاب والقوى المشاركة في الانتخابات سيكون أمراً حتمياً، اللهم إلا أن تحدث معجزة كبرى وهو أن يأتي بأصوات تتعدى به السقف القانوني لرئاسة الجمهورية أي 219 صوتاً، فالدستور حدد أسقفاً قانونية لا يمكن تخطيها، وذلك وفق الطريقة التالية: يشرع مجلس النواب في جلسته الأولى لانتخاب رئيس المجلس ويحتاج هذا إلى 165 صوتاً، وستكون مهمة هذا الرئيس انتخاب رئيس الجمهورية ويحتاج إلى 219 صوتاً ليرشح الأخير رئيس الوزراء الذي سيحتاج إلى 165 صوتاً، ومن الواضح أن أي قوة لن تعطي ضوءاً أخضراً لرئيس من دون أن تعرف الرؤساء الآخرين مما يعني أن تمرير الرئاسات الثلاثة سيكون عبر سلة توافقية واحدة، وهو يعني ان رئاسة الوزراء لن تأتي من دون تأمين أصوات 219 نائباً.
وعليه فلو قدّر لرئيس وزراء الولاية الثالثة أن يأتي بهذا العدد الكبير من الأصوات، فإنه لن يأتي به إلا بإتفاقية كاتفاقية أربيل التي مرت، وستكون الحكومة حصراً بيد المتفقين في هذه الإتفاقية، فعن أي أغلبية يتحدث السيد رئيس الوزراء؟ وإن كان يريد بالأغلبية الأغلبية الطائفية وهي ما يجري ترويجه بين الشارع الشعبي فإنها هي الأخرى ستكون مستحيلة وفق الأرقام القانونية التي ذكرت أعلاه، فالأكراد والسنة والشيعة والأقليات أرقامهم محددة سلفاً، ومن الواضح لأي حساب لأرقام المحافظات سترد كل إدعاءات الأغلبية الطائفية.
إذن عن أي أغلبية يتحدث السيد رئيس وزراء الولاية الثانية؟
من الواضح أن لا أغلبية في الواقع إلا الأغلبية المنتجة من اتفاقية تشكيل الحكومة ولنسميها بأنها أغلبية الأقوياء انتخابيا، إذن ما فرق اليوم عن الغد؟ أو ليس اتفاقية اربيل تشكلت من هؤلاء تحديداً؟
هل يوجد قوى جديدة ستنزل من السماء غير هذه القوى؟
نعم يمكن التحدث افتراضا عن تحالفات جديدة يمكن لها أن تضمن هذه الأغلبية، ولكن الواقع يشير أولا إلى عدم وجود قوى سياسية غير هذا التشكيل الذي رأيناه في المرات السابقة والأسماء الجديدة المطروحة ما هي إلا اضافات لفظية لنفس القوى ومع افتراض صعود فريق جديد فكم سيحصد من الشارع المنقسم قوميا وطائفيا سلفاً؟
للأسف يجري مخاطبة الشارع الجماهيري على أساس أنه شارع غبي يمكن استدراجه للفخ الذي يراد منه أن يقع فيه يوم 304 القادم وبعد أن يكتشف الجمهور أنه تم استغباؤه يقال له حاولنا ولكن لم نستطع!!
إن واقع الحكومة اليوم يشير إلى نفس الأغلبية التي يطرحها منظروا الولاية الثالثة فهي متشكلة من أطراف أربيل ولا زالت، فالقانون والعراقية (مجموعة طارق الهاشمي وصالح المطلك) والتحالف الكردستاني والتيار الصدري والفضيلة والاصلاح ومتحدون هي التي تشكل أطراف الحكومة، وهذه القوى بمعية المواطن هي التشكيلة القادمة للقوى التي ستجلس مرة أخرى لتشكل الحكومة فهل سيقفز صاحب الأغلبية السياسية ليأتي بقوى أخرى؟! أم أنه سيتحالف مع نفس هذه القوى؟!!
وعودة لملف : "ما يخلوني" الواقعي أجد أن الكلمة هي الأخرى قفزا على واقعيات الأداء الحكومي، فالرجل يمسك بتفرد مطلق بالملف الأمني لا يشاركه أحد فيه ولم يسمح لأي مشاركة فيه من أي طرف من الأطراف؟ فمن الذي منعه وعرقله لكي يري الشارع العراقي صورة معاكسة لصورة الفشل الذريع الذي يعاني منه شارعنا في هذا الملف، هل القوى المشاركة له هي التي عرقلت صفقات السلاح؟ هل القوى المشاركة له هي التي تسبب بالخطط الأمنية التي أوصلتنا إلى الصورة المريعة التي نحن فيها؟ هل القوى المشاركة هي التي تسببت بكل الفساد الذي نراه في أروقة هذا الملف؟ هل القوى المشاركة هي التي أرجعت كل البعثيين وجعلتهم المتنفذين في هذا الملف؟ إذا كان الأمر كذلك وهو ليس كذلك فما معنى وجود مقام القائد العام للقوات المسلحة؟
وفي الواقع الاقتصادي والخدماتي والعمراني والإداري المتردي جدا يتشارك مع القوى الأخرى ولكن لم يتقدم في يوم من الأيام لإقالة وزير أو طلب إقالته من مجلس النواب وهو يمسك بكتلة كبيرة جدا فيه؟ بل لم لم يسمح باستجواب برلماني لأي مسؤول من هؤلاء؟
يفترض أن سياسة "ما يخلوني" هي التي تساعد على دفع عملية الاستجواب إلى الإمام للتخلص من عصابة "ما يخلوني" ولكننا لم نر ذلك ابداً.
وإذا كانت عصابة " ما يخلوني" المتنمرة التي تسببت بكل الخراب الذي وصلنا إليه فلماذا لا يقوم الإعلام الحكومي والحزبي ليفضح هذه العصابة بدل التفرغ لعملية التسقيط السياسي لمنافسيه في الانتخابات وهم لم يشتركوا في حكومته مطلقا؟!
طوال السنوات الثمانية لم نسمع من السيد رئيس وزراء هذه السنوات عبارة واحدة يعتذر بها من خطأ أو خلل اللهم إلا عبارته المعروفة في شأن ملف الكهرباء حينما صرح بان المعنيين في ملف الكهرباء غشّوه، وهذا الغش الذي كلف العراق مبلغ 13 مليار دولار كان المتسبب به إثنين من المحسوبين عليه لا على عصابة ما يخلوني وهم الوزير المجاهد صاحب السعفة الذهبية كريم وحيد والدكتور حسين الشهرستاني الرجل الذي حكم ملف الطاقة من يومنا الأول وليومنا هذا.
ولكننا لم نسمع شيئا عن أداء عصابة ما يخلوني!! وكان الأحرى به أن يبرز حالات الغش والممانعة والعرقلة التي قام بها وزراء هذه العصابة العتيدة المسماة: ما يخلوني..
عجباً لرئيس وزراء لا يعترض على أحد من وزرائه، ولا يقيل أحداً منهم، ولا يقبل لأحد أن يحاسب أحداً منهم، ولا يسمح له بالعمل (ما يخلوه) ويغشه أقرب المقربين له، لماذا يريدها مرة ثالثة إذن؟
https://telegram.me/buratha