المقالات

ليس هكذا تشيعت إيران! (رد على مقال: هكذا تشيعت إيران)

4642 20:00:00 2012-10-02

بقلم أحد العلماء

اطلعت على مقال: هكذا تشيعت إيران للشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي، وقد وجدت الشيخ قد جازف بما لا يتناسب والبحث التاريخي الدقيق، بل يمكن القول أن غالبية ما كتبه ربما اعتمد فيه على ما يوجد في الوكيبيديا وهي لمن يعرف موسوعة لا مصداقية لمعلوماتها بالضرورة خصوصاً في المسائل ذات الصلة بالمواضيع العقائدية، وقد وددت التعليق عليه في مقاله إلا أني وجدت التعليق لا يفسح لي المجال لتوضيح الفكرة خصوصاً وأن المساحة المحددة للتعليق لا تفي بالغرض، فآثرت أن أكتب الملاحظات التالية:

أولاً: لا يوجد في التاريخ أي حدث يمكن ان نعزوه لسبب واحد أو عامل واحد، بل لا بد أن نشهد له الكثير من الخلفيات والحيثيات التي تتداخل مع هذا الحدث لتعطيه صورته الاخيرة، وكلما كان الحدث عميق الغور في الأوضاع الاجتماعية كلما كانت العوامل التي تدخل في بلورته كثيرة ومتعددة، وموضوع كتشيع دولة كبيرة كإيران مع إرثها السني الكبير لا يمكن أن يعزى لعامل واحد.

ثانياً: لا شك ان حادثة تشيع إيران لم تك بأمر من السلطان التيموري أوليجايتو (1280ـ1316) الذي عرف من بعد إسلامه بمحمد خدابنده والتي تعني عبد الله، وإنما جاءت ضمن السياقات الفكرية المعتادة، ولكن لا شك ان حادثة السلطان والتي تمت على يد العلامة الحلي رضوان الله عليه كانت مفتتحاً لعملية تعميم التشيع في بلد كانت عاصمته تعتبر الأشد نصباً من بين جميع البلدان وقصة صاحب الغارات الذي حدث بروايات في فضل أهل البيت عليهم السلام في الكوفة فطولب أن يتقي أهل الكوفة خشية سماع نواصبها آنذاك كي لا يؤذوه فأقسم أن يروي هذه الأحاديث فسأل عن أي البلدان أشد نصبا وعداوة فقيل له أصفهان، فذهب ورواها هناك ما يظهر لنا طبيعة محتواها العقائدي، واصفهان هذه هي عاصمة السلطان اوليجاتو خدابنده بالتحديد ولكنها كانت قبله بيد السلاجقة منذ عام 1038 ميلادي، وكان هؤلاء من المشهورين في النصب، ولكن ذلك لا يعني أنها الصفة الوحيدة لكل أصفهان بل هي السمة الغالبة، كما ان إيران المعروفة يومذاك هي دولة ولايات ودويلات وأقاليم، وليست دولة مركزية واحدة، ناهيك عن أن الوضع العقائدي كانت فيه جزر للشيعة كما هو الحال في قم المقدس والري والأهواز ونيسابور وفي بعض مناطق الديلم وهي مناطق شمال طهران، ولكن البحر العام كان سنياً، وذلك قبل سيطرة الإسماعيليين على بعض من أجزائها.

ثانياً: الحراك العقائدي في إيران ليس جديداً بل هو منذ عصر أئمة الهدى صلوات الله عليهم، وقد كانت قم والأهواز ونيسابور مراكز تحرك كبيرة جداً لوكلاء الأئمة عليهم السلام وقد انتجت تلك البرهة عدداً كبيراً من العلماء كما هو الحال في احمد بن محمد بن عيسى وعموم العلماء الأشاعرة وعلى رأسهم سعد بن عبد الله واحمد بن محمد بن خالد البرقي والحسيين بن سعيد الأهوازي وأخيه الحسن وابراهيم بن مهزيار، كما كان للفترة الاخيرة من حياة علي بن الإمام جعفر الصادق ع اثرها المتميز، هذا فضلاً عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي وعبد العظيم بن عبد الله الحسني المعروف بالشاه عبد العظيم ومحمد بن الحسن الصفار، وهذه الفترة هي التي مهدت لولادة الجيل الذي لا زالت آثاره واضحة بين أيدينا وأعني بذلك سهل بن زياد الآدمي ومحمد بن الحسن بن الوليد الشيخ الصدوق ووالده والشيخ ابن قولويه ووالده وأخيه، وقد تعاقب من بعدهم فريق كبير من العلماء ممن بقي يزرع في تلك الأرض بطريقته وإمكاناته الخاصة، ولكن مما لاشك أن تشيع السلطان وأمره باعتماد التشيع في المخاطبات كان له أثره الكبير في انتشار التشيع في وسط العامة، فالسلطان وإمكاناته ومنها ما قيّضه للعلامة الحلي وولده فخر المحققين من إمكانات في المدرسة السلطانية التي أنشأها للعلامة الحلي وأخرى سفراته التي كان يصطحب فيها العلماء ومن جملتهم العلامة الحلي وما تحفل هذه السفرات من إقبال للعلماء والمفكرين المحاججات التي حصلت بين يديه بين العلامة وبين علماء أهل السنة تركت آثاراً كبرى لما في طبيعة هذه المحاججات من إفحام وإفهام الخصوم، والحق الذي لا يجوز إنكاره أن العلامة نصير الدين الطوسي المعروف بالخواجة كان له أثره الجاد، ولكن ترافق إمكانات السلطة مع مثابرة وعلم العلامة الحلي ومن جاء من بعده من تلاميذه العلماء مرورا بالشيخ البهائي والمحقق الكركي وابنه إلى عهد الشيخين المجلسيين ولاسيما الثاني والذي كان في مقام الوزارة وهو صاحب كتاب بحار الأنوار كان هو الأكثر طغيانا من غيره في هذا المجال، ومما لا شك فيه أن معارك الصفويين الذين اعتنقوا المذهب من بعد السلطان التيموري قد اسهمت في نشر المذهب للتداخل بين الشأن العقائدي والصراع السياسي الذي نشب مع العثمانيين، وما يمكن أن يضاف إلى العوامل المساعدة في هذا المجال هو الطغيان الذي كان يسم االدولة الأيوبية ودولة السلاجقة والدولة الخوارزمية التي قامت على انقاض السلاجقة، وهذه هي التي تسبب بالغزو المغولي بعد أن نكث محمد خوارزم شاه بمعاهدة بينه وبين المغول فقتل تجارهم وغدر بهم، مما استثار جنكيز خان وحرك جيوشه على إثر ذلك، وكان محمد هذا وآبائه من المعاندين بشدة للتشيع، مما جعل أعداءهم يقبلون على التشيع تلقائياً.

 وعليه فإن التشيع في إيران ليس صفوي المنشأ والانتشار كما طبّلت لذلك الدعاية العثمانية وحملتها من بعد عقول الطائفية السياسية والمذهبية حتى وكأنه بات حقيقة!! وهنا لا بد من التنويه إلى حقيقة غائبة تماماً عن الأنظار وهي أن الصفويين لم يكونوا ذوي اصول فارسية بل هم من أصول عربية حلبية.

ثالثاً: لا شك ان دور علماء جبل عامل كان دور كبير جداً ولا سيما المحقق الكركي وابنه والشيخ البهائي والشيخ الحر العاملي في تعميق الوجود الشيعي في إيران ذات المساحة الشاسعة، وقد استفادوا من أجواء الحرية التي أتيحت لهم، ولكن جهودهم لم تك في طول واحد، فالمحقق الكركي وابنه وتلاميذه انصرف إلى المرجعية الدينية وأعمالها، بينما انصرف الشيخ البهائي للجهود المتعلقة بالدولة مع دوره كشيخ للإسلام في العاصمة الأصفهانية ولا سيما في مجالات الإعمار وآثاره لا زالت لحد الآن تشير إلى طبيعة التفوق الهائل الذي كان يتمتع به في مجالات التقنيات التكنلوجية، وهو صاحب حمام أصفهان الذي جعله يغلي على شمعة طوال مئات السنين قبل أن يطفؤه البريطانيون في أواخر القرن التاسع عشر سعياً لمعرفة أسرار تلك الشمعة، بينما انصرف العلامة الحر العاملي للجهد الفكري فأنجر العديد من الموسوعات منها وسائل الشيعة وقد جاء عمله هذا من بعد عمل الشيخ المجلسي في موسوعة البحار والتي رآها متعبة لأهل البحث والتحصيل فحاول إخراج ما لا علاقة له بالفقه فكان كتابه هذا وقد تزامن هذا العمل مع عمل المحقق الكاشاني في موسوعته الوافي، وقد انطلقت في تلك الفترة أعمال فكرية كبيرة استمرت تثري هذا الوجود المبارك إلى يومنا هذا.

رابعاً: التسنن في إيران أعمق غوراً في الوجود الزمني مما أشار إليه الكاتب، فهو وجود تأسس مع الوجود الحكومي والسياسي لبني امية ومن بعده لبني العباس، دون فرق بين بغداد أو أصفهان او نيسابور ولهذا تجد أن الغالبية العظمى من علماء السنة في كل الاتجاهات هم من الفرس أو مما يجاورها فعلماء الحديث والمذاهب والتفسير والتاريخ وعلم الرجال والجرح والتعديل والكلام في غالبيتهم العظمى هم من الفرس تحديداً، وكان العرب من بينهم هم القلة الأقل، وبالرغم من سخف التحدث بالقوميات في هذا المجال، لأن الأفكار والعقائد والأديان لا علاقة لها بالانتماء القومي أو الشعبوي او القبائلي اساساً، ولكن جارينا سخف شبهات المرجفين ضد الشيعة بما أشرنا إليه.

خامساً: ما طرحه الاخ الكاتب في كون الجذور في إيران كانت اسماعيلية وهم كبير، نعم قيض للإسماعيليين أن يؤسسوا لدويلات في ظل الخوارزميين والسلاجقة والأيوبيين ولكنها لم تكن بعيدة الغور في الوجود الزمني وقد انتهى أمرها مع التدخل المغولي في إيران، ويمكن التاريخ لها مع حركة الحشاشين ودور الحسن بن علي بن الصباح الحميري القمي الذي تمكن من اقتحام قلعة ألموت في شمال إيران وطرد حاكمها عام 1094 واستمر وجود الحركة إلى ما يقرب 1256 حينما أنهى المغول آخر قلاعهم.

هذا ما وددت الإشارة إليه سريعاً

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو مصطفى. /. بغداد
2012-10-07
شكزا للموقع وشكرا للجليلين البغدادي واحد العلماء هذه الروح التي تخدم الاسلام والمسلمين واظهار الحقيقه الى المزيد من الحوارات الهادفه والله يوفق الثلاثاصحاب الموقع و البغدادي وأحد العلماء وشكرا
البصري
2012-10-05
تحیة لموقع براثا لنشره مواضيع علمية مفيدة بلغة راقية تدل على الهدوء والرصانة العلمية وأشكر صاحب الموضع الاصلي على إثارته، والشكر الوفير لصاحب الرد أو التعليق على المقال (أحد العلماء). عندي فقط ملاحظة صغيرة ياحبذا تأخذ بنظر الاعتبار للكتاب والموقع : لو تذكر مصادر المعلومات من كتب أو مواقع يرجع إليها الباحث يكون البحث أكثر رصانة وفائدة للقارئ. شكر مرة أخرى
علي مهدي
2012-10-04
هذا هو حوار العقلاء والعلماء حوار عقلي فكري لا يوجد تشدد او فرض راي فيه والكل يستفيد منه ويتعلم والعراق بخير انشاء الله مادام فيه هكذا اشخاص فالف شكر لكم .
زيــــد مغير
2012-10-03
شكرا ً للسيد كاتب المقال وشكرا ً للسيد عبد الحافظ البغدادي الذي فتح باب الحوار لمعرفة التاريخ . وكم كان رده جميل للسيد العالم . صلى الله عليك يا سيدي يا حبيب الله يا رسول الله محمد وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين ولا ننسى الحديث الشريف ( الناس عالم ومتعلم ) والحمد لله الذي كرمنا بقراءة موضوع الشيخ البغدادي وفقه الله و السيد العالم . وشكرا ً لموقعنا المؤقر براثا على نشر المفيد . خادمكم وتلميذكم زيـــد مغير
عُداس
2012-10-03
السلام عليكم جدتم فأحسنتم التشيع مشروع اللهي مقدس، فلنكن مخلصين لله ولرسوله والمؤمنين
احمد السامرائي
2012-10-03
بسم الله الرحمن الرحيم نشكر سماحتكم علي هذه المقاله الموجزه الوافيه - الحقيقه انا شعرت بحزن بقرائتي للمقاله السابقه للشيخ البغدادي حيث انها لم تكن مستدله وغير متقنه في بيان الاحداث والان ارتحت لهذه المقاله المستدله والاكثر واقعيه. نرجوا من الكاتب المحترم ايفادنا بالمزيد من المقالات المفيده نصره للمذهب حتي نستطيع ان تكون بحوثنا واقعيه ومستدله
الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
2012-10-03
الف شكر لمن وسم اسمه بأحد العلماء .. انت مزن من المعلومات مررت على شيخ يتطفل في كتابة تاريخ امة كبيرة.،وجدت مقالك الرائع تفاصيل وتوسعة لعناوين كتبتها في مقالي فجاءت كسيل هادر تصف الفقرات التي ذكرتها وتؤكد ان ايران هكذا تشيعت ، ولا تناقض في المقالين ولم تنقض مني رايا بل اضفت بحكم سعة اطلاعك وتحققت غايتي الاعلامية من نشر الموضوع للرد على الذين يهرجون في حقيقة باتت شبه مسلمة عندهم ان اصل التشيع في ايران صفوي ويتهم السياسيون الحاقدون شيعة العراق بذلك .. اكرر شكري واعتذاري للاستاذ {احد العلماء}
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك