بقلم:نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي
اتذكر مرة، في اوائل القرن، كنا نتحدث وشهيد المحراب، طاب ثراه، عن متاعب العمل السياسي، والتسقيطات والتهم الباطلة.. فقال، رحمه الله ما معناه.. السرقة عمل واضح ضرره، واضح فعله.. كأن يمد الانسان يده الى جيب غيره.. او ان يكسر قفلا.. بينما رمي الناس وقذف المؤمنين كلام يسهل فعله، ظاهره الحقيقية، وباطنه الاذى والضرر. فالتسقيط ورمي الناس، فساد وظلم كبيران، يثيران الفتنة، التي هي اشد من القتل.. وهو جريمة، عقوباتها شديدة كباقي الكبائر والجرائم.
وللاسف، صار الكذب والتسقيط سلاحاً يلجأ اليه متدينون وغير متدينين.. مسؤولون ومعارضون.. يخصصون الاموال الطائلة، والاسماء المعلومة والمجهولة، والوسائل الاعلامية والمواقع الالكترونية، لبث الاكاذيب وتسقيط الناس في ذممها واخلاقياتها.. وجعلها سلاحاً في معاركها السياسية والسلطوية والانتخابية.. ففي بلد كالعراق، تعتبر التهمة والاشاعة ادانة، وليس العكس.
فاحكامنا السائدة ما زالت تتقدم فيها الموروثات القيمية الاجتماعية على النظم الفقهية والقضائية.. وتشوش على قواعد اساسية للحكم كـ " البينة على من ادعى واليمين على من انكر". و"ان بعض الظن اثم".. "ومن يكسب خطيئة او اثما ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً واثما مبيناً".. "واذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة".. وقصة يوسف (ع) ومؤامرة اخوته، وبراءة الذئب من دمه.. او قصته (ع) عندما راودته "امرأة العزيز" وقد قُد قميصه من دبر، للحكم بالوقائع وليس بالاكاذيب والاتهامات. فقيم العفة والصدق والشهامة والشرف المزروعة في الفطرة و"جبلة الاولين"، تميل -بدون مبادىء النظم اعلاه- لان تصدق روايات اصحاب المقامات، كـ"أمرأة العزيز"، واخوة يوسف، أبناء يعقوب (ع).. او المتسلطين والعاملين في الساحات.. فيصبح البريء مجرماً، والمجرم بريئاً.. وهذا يكفي لتدمير، قواعد العلاقات وسلامتها، والقيم والاخلاق ودورها.. وقتل كل حر وشريف.
ان التسقيط مرض وشر يتطلبان العلاج.. ففي هذه المعارك لا يوجد رابحون، فالوباء سيشمل الجميع عاجلاً ام اجلا.. يستغله الساقطون والفاشلون والانتهازيون والمنافقون. وان اللجوء للاحكام الصحيحة، والقضاء النزيه، وبث القيم السليمة هو من اولى شروط اعادة بناء المواطن والمجتمع. وهناك دور اساس يلعبه الاعلام، والمرجعيات، والتربية، والدولة، والقوى السياسية، والعشائر، ومؤسسات المجتمع. فالتسقيط كالسرقة والقتل.. اعتداء وعنف فردي واجتماعي، لكنه يبدأ بالكلام والاشاعات، وينتهي بتسميم الاجواء والعلاقات، واختفاء الحقائق التي نتيجتها الفتنة والعدوان والظلم والقتل والموت.
https://telegram.me/buratha