بقلم : نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي
في مطلع القرن الماضي ترجمت مفردات من اللغات الاوروبية الى العربية، مراعية اللفظ وليس المفهوم.. ومنها مفردة "ثورة".. كاشارة للتغيير الجذري.. وانقلاب Coup d'Etat كاشارة لمؤامرات القصر والعسكر. اما الايرانيون فحافظوا -محقين- على مفردة "انقلاب" للاشارة للثورة.. وكذلك فعل الاتراك مع Coup d'Etat للاشارة لتدخل الجيش.. ومع الذكرى الـ 54 لاكبر حدث عراقي معاصر، نرى تموز كانقلاب او "ريفولوشن" حقيقي، رغم دور الجيش.. لكن الاحداث حولته الى Coup d'Etat، او عملية استيلاء على السلطة ليس الا.
غيّر الاصلاح الزراعي العلاقات الريفية جذرياً.. وتغير النظام الملكي الى الجمهوري.. وظهرت النقابات واولوية دور الشعب.. وتغيرت طبيعة العلاقات الخارجية.. وسن قانون 80 الذي كان بداية تغيير العلاقة بشركات النفط.. فتموز انطلق كانقلاب حقيقي لنمط العلاقات الاجتماعية والسياسية، لكنه ارتد على نفسه، وانتج تجاربا اكثر تخلفاً وايلاماً مما سبق.
سقطت الملكية لمصلحة العقل والمؤسسة العسكريتين وليس لمصلحة الجمهورية بمؤسساتها ومفاهيمها.. وانتقل العراق المحقق لامنه الغذائي والاستهلاكي عموماً الى بلد يعتمد النفط كليا. شهدت السنوات الاولى بعض التحسن الخدمي والسكني والصناعي وفي انظمة التعليم والصحة واستمرار الاهتمام بالبنى التحتية.. لكن الامر سرعان ما مال نهائياً لحكم الاستبداد والعسكر.. والمنطق الواحد والحزب الواحد.. والمغامرات والحروب الداخلية والخارجية التي قضت على البقية الباقية. لم ننجح في بناء علاقات ونظم افضل، على تخلف وتأخر النظام السابق.... وصار العراق يقف في مؤخرة دول المنطقة بعد ان كان في مقدمتها.
اسقطنا بنياناً ولم نقم بديله. وقضينا على نظام ولم نحل غيره مكانه. فما زالت الشعاراتية واللفظية اخاذة بالنسبة لنا.. اما البرامج والمؤسسات والمصالح وحالات النجاح والفشل بمعاييرها الموضوعية والعلمية، فبعيدة عنا. والامر لا يقف عند حدود الحكام والاحزاب، بل يتعلق بالمثقفين وابناء الشعب ايضاً. ورغم كل الالام التي شكلها تموز للبعض، لكن التعبئة الشعبية الواسعة التي رافقته، وانطلاق مفاهيم الجمهورية وانهاء الروابط الاستعمارية ببريطانيا، كان يمكن ان يسجل تاريخاً صاعداً للعراق.. يختلف عن الخط المتراجع الذي عشناه ونعيشه. فالنظام الملكي على تخلفه كان نظاماً يتقدم ولو ببطء.. اما ما اعقبه فلم يرق الى مستوى النظام. وهو ما يفسر تآكل اصولنا المادية والبشرية والفكرية.. وتراجعنا واعتمادنا المتزايد على النفط اقتصادياً.. والاستبداد والاخضاع سياسيا.. والتجهيل والخداع اجتماعياً وثقافياً.
https://telegram.me/buratha