نـــــــــــــــــــــزار حيدر
اي نوع من العلاقات يحتاجها العراق مع المجتمع الدولي؟ وتحديدا مع الولايات المتحدة الاميركية؟ اهي علاقات تكتيكية؟ ام استراتيجية؟.لا يختلف اثنان من العراقيين على ان البلاد بحاجة ماسة الى علاقات استراتيجية وشراكة حقيقية بعيدة الامد مع المجتمع الدولي، فبعد فترة زمنية طويلة من الازمات المتتالية التي عاشها العراق مع المجتمع الدولي بسبب حماقات النظام الشمولي البائد، وسياسات الطاغية الذليل صدام حسين، يسعى العراقيون اليوم الى اعادة بلادهم الى الموقع المناسب واللائق بين الامم والشعوب، خاصة الغرب وتحديدا الولايات المتحدة، اذ نعرف جميعا بان العراق الذي لازال يعاني من ازمات حادة، سياسية وسيادية وتعليمية وبيئية وحياتية وصحية وزراعية وغير ذلك، لا يمكنه ان ينهض من دون مساعدة المجتمع الدولي، ولذلك وقعت بغداد مع واشنطن نهاية العام 2008 على وثيقة اتفاق الشراكة الاستراتيجية، التي يسميها اعلام العربان بالاتفاقية الامنية في مسعى منه للتقليل من اهميتها، من جانب، ولارهاب وارعاب الراي العام العراقي الذي يخشى عادة من مثل هذه الاتفاقيات التي تختص بالامن حصرا، من جانب آخر.فما الذي يحول دون استفادة العراق من مثل هذه الاتفاقية اذا كانت استراتيجية حقا؟.برايي، فان هنالك عدة معوقات تقف حائلا دون تحقيق مثل هذه الاستفادة، منها على سبيل المثال لا الحصر:اولا: عدم وعي بعض التيارات السياسية لحقيقة ان العلاقات الدولية عبارة عن مصالح مشتركة بين الدول، فليس هناك صداقات دائمة بينهم ابدا، كما انه ليست هناك عداوات دائمة بينهم، وانما هناك مصالح دائمة.ان عدم وعي هذه الحقيقة هو الذي يدفع بمثل هذه التيارات الى ان ترفع شعارات طوباوية، غير حقيقية وغير واقعية، تارة من خلال تفسير العلاقات الدولية بانها صراع ديني او انها حرب ضد اليوم الموعود، او انها قتال من اجل السيطرة على خيرات البلاد، وكان الرعية كانت قد استفادت من خيرات بلادها خلال فترة حكم الطاغية الذليل.انها طريقة تفكير ساذجة يختص بها الفاشلون الذين لا يثقون بانفسهم، المهزومون الذين لا يعرفون كيف يتصرفون لحماية انفسهم، فلماذا تفكر شعوبنا بمثل هذه الطريقة ولا تفكر شعوبا اخرى بذات الطريقة؟ اليابانيون مثلا او الالمان او الاسيويون الذين مروا بظروف قاسية مشابهة لما نمر به اليوم، فلماذا نجحت تلك الشعوب في اعادة رص اولوياتها وعلاقاتها الدولية ولم ننجح نحن في ذلك؟ لماذا نجحت تلك الشعوب في تحويل الهزيمة والاحتلال الى نصر والى استقلال، ولم ننجح نحن لحد الان؟ على الرغم من ان بلادنا تعرضت للغزو الاجنبي ثلاث مرات خلال قرن واحد فقط من الزمن؟.ان الشعب الواثق من نفسه، يحسن التفكير عندما يقرر بناء علاقات دولية ومن اي نوع كان، اما الشعب المهزوم نفسيا الذي يعيش في الماضي ولا يحسن العيش في الحاضر ومن اجل مستقبل افضل، فانه يلجأ للتفسيرات الغيبية والطوباوية عندما يبحث في مثل هذه العلاقات، ليبرر بها فشله.ان ثقة اي شعب بنفسه وقدراته ووعيه للامور تنعكس ايجابيا على تصرفاته، خاصة على صعيد علاقاته الدولية، ليحقق مبدا التكافؤ بشكل سليم، كما انه يحقق مبدا المصالح المشتركة والمتبادلة، الموزونة، مع اي طرف دولي يفكر في ان يبني معه علاقات من هذا النوع. ثانيا: لقد تحول العراق منذ التغيير ولحد الان، وللاسف الشديد، الى ساحة لصراع الارادات المتناقضة، الاقليمية منها والدولية، فكل من له مشكلة مع آخر يسعى لتصفية حساباته معه في العراق، حتى تحولت البلاد الى ساحة مفتوحة لتصفية حسابات الاخرين، والضحية الاكبر هو الشعب العراقي المغلوب على امره، وكل ذلك بسبب ان السياسيين فقدوا نسبة كبيرة من الشعور بالمواطنة، بعد ان غاب حب الوطن والولاء للارض والتربة التي انجبتهم، فسقطت كل هذه المعاني عن حساباتهم ليحل محلها الولاء لمن هو خلف الحدود، فالساسة السنة رموا بانفسهم في حضن النظام القبلي الفاسد الحاكم في دول الخليج، وتحديدا آل سعود في الجزيرة العربية وآل ثاني في قطر (العظمى) اما الساسة الشيعة فقد رموا بانفسهم خلف الجارة ايران التي تسعى لتوظيف كل ازمة سياسية، ان لم تصنعها هي، في صراعها السياسي مع الولايات المتحدة الاميركية ونظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج، اما الساسة الكرد والتركمان فقد رموا بانفسهم في حضن تركيا، لدرجة ان بعضهم يفكر باقامة كونفدرالية معها في حال تمكن من تحقيق الانفصال عن الوطن الام، العراق، اذا ما تم الاعلان عن تبنتي حق تقرير المصير.لو تمتع السياسيون بقليل من الوطنية لامتلكوا قرارهم السياسي، ولو امتلكوا قرارهم السياسي لعلموا علم اليقين من ان مصلحة بلادهم تكمن في تثبيت العلاقات الاستراتيجية مع المجتمع الدولي، وتحديدا مع الولايات المتحدة من خلال اتفاق الاطار الاستراتيجي، اما ان يترددون في تفعيل مثل هذه العلاقة اما خوفا من هذه الجارة او خجلا من الاخرى او انسجاما مع مصالح الثالثة والتي تاتي على حساب المصالح الوطنية، فان ذلك دليل قاطع على انهم لا يحسنون التدقيق في الحسابات، والذي مرده الى فقدانهم للاستقلالية في القرار، وقبل ذلك في التفكير.النقطة المهمة التي يجب ان لا نغفل عنها، نحن العراقيون، هي ان العراق لا يمكن ان يستمر على هذه الحالة من الوضع السياسي والامني والمعيشي المتردي وغير المستقر فترة زمنية طويلة، فهو من البلدان التي لا يمكن ان تستمر فها الفوضى فترة زمنية غير محدودة، لانه يؤثر بشكل مباشر على عموم المنطقة بل وعلى مجمل المصالح الاستراتيجية العالمية، ولذلك فان الولايات المتحدة الاميركية سوف لن تظل تتخذ موقف المتفرج مما يحدث في العراق مدة اطول، فهي لم تذهب الى هناك لتسقط النظام الشمولي البوليسي البائد لسواد عيون العراقيين، كما انها ليست جمعية خيرية او حقوقية لترمي بجنودها في محرقة الحرب والارهاب بلا ثمن، انها بالتاكيد لا زالت تترقب الثمن، والذي تتصور بانها سوف لن تجنيه من العراق الا اذا اصبح بلدا مستقلا يمتلك قراره السياسي، لا تتدخل في شؤونه دول المنطقة، وتحديدا الجارة الكبيرة ايران، فبمثل هذه الحالة فقط يمكنها ان تتعامل مع مؤسسات الدولية بشكل واضح وثابت، وعندها ستتمكن من ان تجني ثمار حرب اسقاط النظام على شكل مصالح متبادلة يستفيد منها العراق كذلك، الناهض للتو من تحت ركام النظام الديكتاتوري وحروبه العبثية وسياساته التدميرية، وكذلك من تحت ركام حرب العنف والارهاب التي غذاها نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، تدعمه فتاوى التكفير والقتل والذبح والتفخيخ، ويغطيه الاعلام الطائفي الحاقد على العراق واهله.ثالثا: ولا ننسى العامل الثالث الذي يحول هو الاخر دون توظيف العراق لاتفاق الشراكة مع الولايات المتحدة، والمتمثل بالازمات السياسية المتكررة التي تعصف بالبلاد بين الفينة والاخرى، والتي دامت آخرها لحد الان اكثر من ستة اشهر من دون ان يرى المواطن اي بصيص نور في نهاية النفق.ان تكرار الازمات السياسية الخانقة يدخل البلاد في دوامة من عدم الاستقرار، والذي لا يشجع احدا على ان يجازف بشئ من اجل بناء شراكة حقيقية.ان على كل السياسيين ان ينتبهوا الى هذا الامر، والذي لا يعود باية منفعة للبلاد، بل على العكس من ذلك، فان دولا اخرى، خاصة من جيران العراق، تجني اكبر فائدة من مثل عدم الاستقرار السياسي هذا، لان تلكؤ العراق في تحقيق الاستقرار يعود عليها بمنافع شتى، وعلى راسها الاقتصادية، ولذلك يلزم السياسيين الانتباه الى خطر اية نصيحة تقدمها اي من دول الجوار يشم منها رائحة ازمة ومن اي نوع كان، فالازمات لا تخدم العراق ابدا، وانما توظفها دول الجوار للاستمرار في تحسين احوالها على حساب حال العراق التعيس.ان الازمات السياسية تعرقل بناء مؤسسات الدولة من جانب، وتؤخر عمليات تشريع القوانين اللازمة لبناء البلد واعادة هيكلة بناه التحتية من جانب آخر، كما انها تعرقل بناء النظام السياسي الديمقراطي، الذي يعتمد مبدا التداول السلمي للسلطة، من جانب ثالث، وكل ذلك لا يدع المجتمع الدولي يتعامل مع العراق بثبات واستقرار.رابعا: اخيرا فان للفساد المالي والاداري المرعب والمخيف الذي ابتليت به مختلف مؤسسات الدولة، دور خطير في عرقلة بناء اية علاقة شراكة استراتيجية حقيقية مع المجتمع الدولي، وتحديدا مع الولايات المتحدة، وهو الامر الذي يقف وراء الانفلاتات الامنية التي يشهدها العراق بين الفينة والاخرى، والتي يروح ضحيتها الابرياء من العراقيين.نقطة مهمة اخرى علينا ان نضعها في حساباتنا، الا وهي:ان تفعيل اتفاق الاطار لا يخص الحكومة العراقية فحسب، بل ان منظمات المجتمع المدني يمكنها ان تلعب دورا بهذا الصدد، فالولايات المتحدة الاميركية ليست سلطة سياسية فحسب، بل انها مؤسسات كثيرة ومتعددة وشاملة، تغطي مختلف مناحي الحياة، ولذلك فان اهتمام منظمات المجتمع المدني في التفكير بطرق تفعيل اتفاق الاطار، سوف يساعدها على الاستفادة منها كذلك، ما يساعد العراق، كدولة، في تحقيق التنمية.ان من المهم جدا ان نغير طريقة تفكيرنا عندما نبحث في سبل بناء العراق، فاعتماد فكرة ان البلاد تعني الحكومة، وان الحكومة هي البلاد والعباد، كما كان يسعى الى ترسيخ هذه الطريقة من التفكير النظام الشمولي البائد، يجب ان تتغير جملة وتفصيلا، فالعراق ليس حكومة فقط، بل انه مؤسسات عديدة الى جانب منظمات المجتمع المدني، والتي لا تقل اهميتها ودورها في بناء البلاد عن اهمية ودور الحكومة في بناء البلد.ان من مصلحة العراق ان لا يختزل بالحكومة فحسب، او بمؤسسة واحدة فقط، فان ذلك يساعد على نمو الديكتاتورية وحالات الاستئثار بالسلطة مرة اخرى، اما تعدد المؤسسات وتنوعها وانتشارها فسيساعد على حماية البلاد من ان تنمو الديكتاتورية مرة اخرى.لقد اثبتت تجارب الشعوب، قديما وحديثا، بان الحكومة لوحدها لا تقدر على بناء البلد، بسبب محدودية امكانياتها، كما ان استفراد الحكومة بهذا الدور، يعرض مصالح البلاد الاستراتيجية لازمات الامزجة المتقلبة لهذا الحاكم او ذاك الحزب الحاكم، فمن اجل ان تستقر المصالح ولا تتقلب مع تقلب امزجة الحاكم، او عند تصارع ارادات السياسيين، يلزم تفعيل منظمات المجتمع المدني للتحول الى مؤسسات حقيقية لها دورها ووجودها وحضورها في المجتمع، وبذلك ستكون مركز الضبط واداة الحسم عند الازمات، خاصة السياسية منها، ولعل هذا الامر هو احد اهم نقاط القوة في بلاد الغرب، وتحديدا في الولايات المتحدة، فلمنظمات المجتمع المدني التي تحولت الى مؤسسات في الدولة، وليس في الحكومة، دور كبير ومفصلي في ضبط ايقاعات المصالح الوطنية العامة واستمراريتها. 10 تموز 2012*ملخص المحاضرة التي القيت في منتدى (الحوار المدني) في العاصمة العراقية بغداد بتاريخ (24 حزيران 2012) المنصرم.
https://telegram.me/buratha