بقلم الباحث احمد الشجيري
أن قضية بناء الدولة في الوقت الراهن لم يكن من قبيل الحل للأزمة العميقة للمجتمع العراقي , رغم انه كذلك, فالدولة تظل مطلباً حيوياً قبل هذه الأزمة وبعدها,إنها أمر يتعلق بمستقبل المجتمع وطموحه إلى العدالة والمساواة والرخاء العام والسمو بأبناء المجتمع الواحد رغم تعدد أجناسه وأعراقه ومذاهبه وطوائفه .وبالرغم من وضوح معالم الدول الحديثة ( العصرية ) وما يتمتع به مواطنو هذه الدول من الرخاء والحريات وصيانة الكرامة الانسانية, فإن بعضنا مازال يرى أن الشعب مازال قاصراً عن ممارسة هذا الحق بفعل الخصوصية الثقافية والواقعية أو أن الدولة منتج غربي ليس له تربة صالحة عندنا, وعليه فإننا يجب أن نحافظ على الاستبداد إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها.يتناسى هؤلاء ان هياكل الدولة كلها قد جاءت من الغرب إلى منطقتنا العربية منذ أكثر من قرنين من الزمان, وان الغائب الوحيد هو الدولة ذاتها حيث يكون القرار بيد المؤسسات والأفراد مهما علت مكانتهم ينفذون فقط تلك القرارات جنباً إلى جنب مع سيادة القانون والمواطنة المتساوية. سوف نحاول العودة إلى تنظيرات الدولة وكيفية تطور مفهوم الدولة في الغرب مذكرين بأن دولة حضارتنا العربية الإسلامية إنما قامت على التلاقح والاخصاب مع حضارات بيزنطة والفرس والصين والهند.دفعت الحروب الدامية التي اشتعل أوارها في المجتمعات الأوربية في القرن السابع عشر (1618 - 1649م) نتيجة الصراع الديني,والاجتماعي قضية الدولة الى الواجهة. فقد كان الملوك يحكمون أوروبا وفق نظرية الحق الإلهي, ومع قيام الجمهورية في يناير 1649 في انجلترا, سقطت نظرية الحق الإلهي للحكم,وصار الحكم من أمر البشر أنفسهم يختارون من يحكمهم.كان الفلاسفة والمفكرون في هذه الحقبة قد التقطوا حاجة الناس إلى دولة يكون الشعب فيها صاحب الكلمة الأولى.وقد برز مفكرون كبار أمثال توماس هوبز وجون لوك ومنتسكيو وجان جاك روسو ليضعوا أولى اللبنات النظرية في تطور مفهوم الدلولة الحديثة.توماس هوبز (1588 - 1679 ) المفكر الانجليزي اعتبر حالة الفطرة الأولى قبل نشوء الدولة وهي حالة سابقة على الدولة وتتميز بالميل إلى النهب والسلب وهي حرب كل إنسان على كل إنسان, انها حروب وخراب ودمار وكل إنسان يملك بقدر ما لديه من القوة. ولكن بفعل قانون الطبيعة الذي يعني أن الإنسان يجب ان يتجنب الدمار ويفعل ما يحافظ على الحياة ويمتنع عن الإتيان بما خطر عليه والبحث عن السلام, وبفعل هذا لابد أن ينتقل الإنسان من الطفرة الأولى.تنشأ الدولة وفقا لهوبز بناء على عقد أبرمه أفراد المجتمع وفقاً للشروط التالية: 1 - انه يتم برضا أفراد المجتمع وبإرادتهم تحقيقاً لأغراض يتفقون عليها2 - ينهي العقد حالة الطفرة الأولى3 - أطراف العقد - طرف واحد هم المواطنون فقط. الحاكم ليس طرفاً فيه بل نتاج له4 - أن يتنازل الفرد عن حقوقه الطبيعية في أن يعمل ما يريد وأن يتملك ما يستطيع الحفاظ عليه بقوته إلى سلطة مشتركة متمثلة في فرد أو جماعة5 - هذا العقد غير قابل للفسخ ويلزم المجتمع كله كرابطة أبدية .ولكن هوبز يشترط حكومة قوية تستطيع ان تمنع كل من يخرق العقد, وعلى الحاكم وفقاً لهذا العقد أن يؤمن الرخاء لمواطنيه,وأن يضمن المساواة لهم أمام القانون وان يؤمن الحماية للمواطن وأن لايحتكر الثروة وإذا لم يلتزم بهذه الشروط فإن المواطنين يصبحون في حل من هذا العقد.
https://telegram.me/buratha