خلاف التقسيم السيادي المتمثل باعلان الدولة المستقلة، فالتقسيم المناطقي هو ان تتحول الدولة الواحدة الى مناطق بارضها وسكانها، كما شهدناه في المغرب والصحراء، والصومال، وحكومتي غزة والضفة، ولبنان، والسودان، واليمن.. واشكال هذا التقسيم متعددة فمنها الحربي والسلمي وشبهه.. والمنطقة مرشحة للمزيد من النماذج المكررة او المستجدة.
والعراق ليس استثناءاً فهو يعيش التقسيم المناطقي منذ عقود.. وانه مرشح للمزيد منه، خصوصاً بعد التطورات السياسية الاخيرة اقليمياً وداخلياً.. فالاوضاع في سوريا والمنطقة سينعكس على العراق، بل بدأ بالفعل.. كذلك المسألة الكردية والقضايا المذهبية والاثنية والدينية، منظوراً اليها من اصحاب العلاقة ومن طريقة تعامل الحكومات مع عمق القضايا، وليس شكلياتها.
تاريخياً عرفت المنطقة –والامم الاخرى- انماط سلطات وولايات تقيم لنفسها مناطق نفوذ تتمتع بدرجات الاستقلالية.. والتي اسماها الماوردي في "الاحكام السلطانية" بـ "امارة الاستيلاء" او سلطة الامر الواقع.. وكان يمكن لتلك السلطة ان تعمر طويلاً بسبب الجغرافيا والاتصالات والمواصلات، والاهم من ذلك تمتلك مقومات سيادية فلا تبقي للخليفة او الحاكم سوى الاسم.. اما اليوم فالتحولات سريعة.. والارتباطات الاقليمية متداخلة.. والمنظومات الدولية تحكمها قوانين وانماط علاقات تختلف جذرياً عن السابق.. فالوحدة السيادية عندما لا تتكامل وتحقق شروط الرضا والقناعة لدى الجميع، فانها تبذر بذور التقسيم السياسي.. الذي لا يبقى بحدود الاحزاب والقوى.. بل ينتقل الى الارض والتنظيمات.. لتصبح لكل منطقة مصالحها الخاصة وسلوكها المضمر والعلني.. وخصوصياتها وحماياتها وهويتها ومواطنتها غير المحايدة لنوع محدد.. فالظاهرة دليل فشل وتلكؤ وفقدان توازن وسوء ادارة وتفكك.
تطرح مشكلة التقسيم نفسها كقضية العلاقة بين المكونات وادارتها. لقد فشلت اساليب القمع والضغط والتهجير واسقاط الجنسية.. كما لم تحسم الثورات والمفاوضات والتحالفات مسألة استقرار نمط العلاقات. فنمت افكار وممارسات ناجحة وفاشلة لمناطق الحكم الذاتي منذ الستينات والسبعينات.. ومفاهيم وتطبيقات الفيدرالية كما اقرها مؤتمر صلاح الدين في اوائل التسعينات.. والذي انعكس في بناءات الدستور الجديد. فالانقسامات السياسية ان انتقلت الى انقسامات مناطقية، كما يحصل الان، فانها تهدد بتعطيل البلد وتفكيكه.. بل والانتقال الى الانقسامات السيادية. فجوهر المشكلة داخلي وبيننا.. وعندما نتآمر على وعينا ومسؤولياتنا، ونعجز عن تقديم الحلول للتقدم وترسيخ عناصر الوحدة، والمنافع المتبادلة وانصاف بعضنا.. ولا نلتزم بالدستور، نفتح بلادنا للمؤامرات والتدخلات وشتى الاحتمالات الخطيرة.
5/5/627
https://telegram.me/buratha