حافظ آل بشارة
اصبح تحديد مسار الأزمة السياسية صعبا ، فقد تداخلت الخنادق وازداد القصف العشوائي ، وكثير من المحاربين لا يعرف لماذا يقاتل ، لم يختلف القوم على كفاءة الحكومة ومستوى اداء السلطات ، او معاناة الناس من الارهاب والفساد والفقر والبطالة . تدافع بين اتجاهين لم يصل اي منهما الى النضج المطلوب ، في كل بلد هناك حكومة تقابلها معارضة دستورية ، ولكل من الحكومة والمعاررضة مقومات بناء واداء ، في العراق الحكومة جديدة وغير مجربة وليس لديها برنامج واضح وليس لديها جدول اولويات ، الحكومة في اي بلد ديمقراطي تتلقى العقاب والثواب على اساس تنفيذ جدول واجباتها وخططها القريبة المدى والمتوسطة والاستراتيجية ، يقابلها معارضة تفهم الدستور والقوانين التخصصية وبرنامج الحكومة ، تترقب اخطاء الحكومة وتقوم بتبويبها : اخطاء في التخطيط ، اخطاء في التنفيذ ، اخطاء في الرؤية الاستراتيجية ، اخطاء في تحقيق القيم العليا كالعدل والمساواة ومكافحة الفساد وصيانة حقوق الانسان ، المعارضة حكومة ظل ، ومراقب وناقد ومحاسب . لكن المعارضة المفترضة في العراق حاليا تفتقر للاطار المهني الدستوري الحديث ، ذلك ان ثقافة العرب السياسية التي بنيت في ظل الاستبداد المعمر لا تضم ضمن فقراتها كلمة (معارضة) والمعارضة عندهم تعني المواجهة المسلحة وحرب العصابات والمشانق والتنكيل ، اما المعارضة المسالمة فتنشأ وتتطور في ظل النظام الديمقراطي الانتخابي ومن يجلس على مقاعد المعارضة اليوم سيشكل الحكومة غدا ضمن سجال الانتخابات ، الصراع بين الحكومة والمعارضة في النظام الانتخابي يخدم الشعب وهو الرابح الوحيد من تدافع الخصوم ، في وضع العراق الحالي هناك حكومة تجريبية مبتدئة وبدائية في الشكل والمضمون والثقافة ، ومعارضة لم تستحضر مقومات بناءها ولم تمارس وظائفها ، كتل كلها غير راضية عن حصتها ، هذه المرحلة من النقاش متأخرة يفترض ان تجري عادة قبل تشكيل الحكومة ، فالقواسم بين المكونات تبدأ تدريجيا وتسير من العام الى الخاص ، وهناك مراحل تدريجية في الشراكة : اتفاق على ازالة النظام الاستبدادي ، اتفاق على البديل الديمقراطي ، اتفاق على اضافة عنصر التوافقات ، اتفاق على بناء الدولة على اساس المشاركة ، عند هذه المرحلة تتشكل الحكومة ، من لا يعجبه الوضع يشكل المعارضة ، لكن العراق مازال يراوح في هذا المربع الوسطي مرحلة ما قبل تشكيل الحكومة ، لا أحد راض عن حصته ، تشكلت الحكومة ظاهريا ، وانعقد البرلمان ظاهريا ، ولكن اي من السلطات لم يكمل شرعيته بتوافق حقيقي لعدم حسم نقاشات ما قبل تشكيل الحكومة ، اذا استمرت الحالة فلها تبعات خطيرة ، منها الانشقاقات في الكتل والتفتت في التحالفات ، مزيد من التدخل الاجنبي ، مزيد من شخصنة الخلافات وتحويلها الى عراك بين اشخاص لا بين احزاب ، المطلوب وقف هذا التداعي والعودة الى المشتركات الكبرى لتأسيس اتفاق وطني جديد .
https://telegram.me/buratha