( بقلم : طالب الوحيلي )
(في هذا العالم المليء بالأخطاء مطالب وحدك ان لا تخطئ..)انه شطر من قصيدة للشاعر العربي احمد معطي حجازي ،يخاطب بها لاعب السيرك الذي يسير فوق الحبل على علو شاهق من الأرض ،فيما يتوسل بعصاه الطويلة لتحفظ توازنه ،فتمنعه من السقوط الى الأسفل ،ليتحول أشلاء ،فيما يتفرج عليه المشاهدون بانتظار المشهد المثير حين يهوى الى حتفه..
حكومة الائتلاف العراقي الموحد برئيسها وأغلبية طاقمها ،صارت تشبه اليوم لاعب السيرك الذي يسير حذرا على حبل متوتر فوق محيط من المشاكل الموروثة من طبيعة الصراع الذي يعيشه الشعب العراقي مع بقايا النظام البائد، ومعركتهم التي لم تنتهي بانتهاء صنمه، لكون ذلك ابعد من صنم اختبأت وراءه الرجعية العربية ومنظومة الأنماط الاستبدادية في المنطقة بجانب ،وبجانب آخر الولايات المتحدة وحلفائها التي عرفناها بما ساد سياستها من لعب بمصائر الشعوب ،وتحكم بكل سياسات العالم ،لنعيش معها تجارب لا يمكن ان تنفصل عن تأريخ النظام البعثي منذ العقود الماضية ،فالعراقي يعرف من كان وراء صدام وحروبه ودلاله كبعبع او شرطي في الشرط الأوسط،وكانت مسارات الأحداث تؤكد اختلاف الأجندة المعلنة للولايات المتحدة عن ما تضمره من مخطط مضاد لحق الشعب العراقي في تقرير مصيره ،لاسيما بعد ان انتخب القوى التي تمثله على وفق ما روجت به تلك الادارة من رغبة في إنشاء الديمقراطية النموذجية للعالم على أنقاض المقابر الجماعية والسجون الرهيبة التي خلفتها حقبة الحكم الصدامي ،وقد صدق السيد محمد باقر الحكيم (رض) في خطاب له قبل سقوط الطاغية بان إستراتيجية الولايات المتحدة في العراق هي مجرد تغيير صدام وقيادته والإبقاء على نمطه مع بعض التلطيف الديمقراطي تماشيا مع سياسة تلك الإدارة ،ليكون السيد محمد باقر الحكيم اول ضحايا تلك السياسة ،وقد تأكد رأي سماحته حين حاولت قوات الاحتلال الالتفاف على مقررات مؤتمرات المعارضة العراقية في لندن وصلاح الدين ومحاولة فرض بديل في مؤتمر يعقد في الناصرية ،كما غيرت مديرها جي كارنر ببول بريمر ليعمل بكل دهاء الإستراتيجية الأمريكية في إفشال أهداف الشعب العراقي ومنعه من تحقيق مشروعه السياسي عبر سلسلة من الاختلالات الادارية والتداعيات الغريبة، ليتحول العراق الى بلد محتل عبر قرارات مجلس الأمن الدولي ويخضع لإدارة الاحتلال بدل ان تتوحد الرغبات والنوايا الحسنة في تأسيس الحكومة الانتقالية رغبة من ادارة الاحتلال في اضعاف مكانة القوى الشعبية ورموزها في الساحة العراقية، بقصد إيجاد توازن ظالم للقوى السياسية بغض النظر عن مكانتها الفعلية في المجتمع العراقي ،ومن ذلك فتح المجال لتأسيس أحزاب وهمية ودعمها ماديا ودعم او غض النظر عن تنامي التشكيلات الإرهابية التي كانت جراثيمها مخبأة في دهاليز النظام البائد بعد ان ترك الباب مفتوحا لحزب البعث وقياداته لتعمل على إعادة بنائه بمسميات لا تردها الشبهات بالرغم من وضوحها ،والتغاضي عن الكوارث الإرهابية التي وقعت في العراق بعد ان أعلنت قوى الإرهاب عن استهدافها أتباع اهل البيت والشرطة والحرس الوطني ،وكل تلك الإخفاقات في الملف الأمني والخدمي وغيرها المسؤول الاول عنها قوات الاحتلال التي بقيت بهذه الصفة بالرغم من صدور القرار الدولي بإعادة السيادة للعراق وتحويل مهامها الى قوات متعددة الجنسيات تعمل تحت إمرة الحكومة العراقية وليس العكس ،حيث بقيت الدولة العراقية رهينة سياسة رعاة البقر والمرتزقة العاملين معهم ،وحبيسة توافقات تجاوزت على الاستحقاق الانتخابي الذي فرضته صناديق الاقتراع ،لتكون تلك التوافقات وسيلة هدم بما زجته من عناصر أعلنت موقفها المستنسخ من طبيعة الصراع الطائفي وفقدانها ميزتها في التسيد على أغلبية الشعب العراقي ،ولتخرج حكومة متعبة بما يتباين فيها من ولاءات مختلفة وأهداف متناقضة ،تاركة الناخب العراقي وهو يجتر أحزانه وخوفه بين المذابح اليومية التي تبنتها قوى الإرهاب وبين أحلامه التي محيت مع زوال الصبغة البنفسجية من سبابته التي تفاخر بها السيد جورج بوش كثيرا ..
حكومة الائتلاف العراقي الموحد بما تعنيه لاكثر من 14 مليون ناخب ولمرجعية دينية باركت ودعمت هذا الخيار الحضاري تقف اليوم في مواجهة كل القوى العاملة على الساحة العراقية وحلفائها ،وهي تسعى لفرض خيارها الذي لابديل له ،أي تطبيق خطة فرض القانون ،لتجد تلك القوى مابين معرقل ومعيق لتقدمها وبين مقاوم يستعمل تكتيكات جديدة كاستخدام الغازات السامة حيث اصدر مجلس الأمن الدولي يوم الخميس قرارا بإدانة "الهجمات الإرهابية" في العراق ودعا الى منع "مرور الإرهابيين" اليه ومنه وتزويد هذه الجماعات بالأسلحة والمال. وقال المجلس في بيان قرأه السفير السلوفاكي بيتر بوريان رئيس المجلس لشهر فبراير "يتابع أعضاء مجلس الامن بقلق الوضع في العراق ويدينون كل الهجمات الإرهابية." وأضاف ان المجلس حث على إنهاء العنف في العراق. وقال بوريان "يكرر أعضاء المجلس دعوة المجلس للدول الأعضاء لمنع مرور الإرهابيين الى العراق ومنه والأسلحة الى الإرهابيين والتمويل الذي يدعم الإرهابيين." وذلك ما ينبغي ان يقوم به مجلس الأمن منذ وقت طويل وإزاء آلاف الجرائم الإرهابية التي طالت الأبرياء ،كما ان فيه دعوة وإقرار للحكومة العراقية بما يجب ان تتخذه من إجراءات صارمة بحق الإرهابيين.
المتفرجون الذين يتمنون سقوط لاعب السيرك ،هم اليوم اكثر وضوحا من السابق فقد نزعوا أقنعتهم ولثامهم بعد ان ضاق الخناق على زمرهم وصغرت مساحات تحركهم ،خصوصا بعد ان فضحتهم ابنتهم صابرين الجنابي بعورتها التي زاحمت تلك التي سودت وجه التأريخ على رأي مظفر النواب ،حيث أرادوا بمسرحيتهم إخفاء مجزرة ارتكبها ذباحوهم في منطقة الجنابات المجاورة لحي العامل ،فيما استمرت زمرهم بقتل العائدين ممن هجروهم الى ديارهم في الدورة او في حي العدل او في حي الأطباء المتاخم لحي الجهاد ،حيث اتفق وجهاء الحيين على المصالحة ونبذ الاحتراب وعودة المهجرين من كلا الجانبين لديارهم ،على وفق مواثيق شرف ،وقد ذهبت سيدة من المهجرين مع ولدها لتفقد دارها في حي الأطباء ،وما ان وطئت قدمها ذلك الحي حتى فتحت عليها النيران من كل مكان ،فسقطت قتيلة مواثيق شرف إخوة صابرين الجنابي ،فيما هرع ولدها الذي نجا من القتل الى أخواله في حي الجهاد وهو يصرخ(لقد قتلوا امي )..
بعد النجاحات الساحقة التي حققتها خطة امن بغداد ( فرض القانون ) خلال أسبوعها الأول في ضرب أوكار التكفيريين والصداميين طالب عضو جبهة التوافق المدعو ناصر الجنابي بوقف العمل بالدستور وتكوين حكومة جديدة في محاولة منه لإنقاذ ما تبقى من التكفيريين والصداميين الذين يواجهون أيام سوداء عصيبة . وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد اتهم الجنابي خلال إحدى جلسات البرلمان بمسؤوليته عن اختطاف وقتل اكثر 150 مواطن عراقي وقال المالكي ان بحوزته ملف كامل عن جرائم الجنابي , كما صرحت مصادر قضائية في محافظة بابل لوكالة أنباء براثا إنها أصدرت أمرا بإلقاء القبض على عبد الناصر الجنابي وذلك لضلوعه في العمليات الإرهابية التي جرت في جرف الصخر والمسيب خاصة، وقد سجل القضاء الكثير من اعترافات الإرهابيين بأن عبد الناصر الجنابي هو الذي يقود ويموّل الكثير من عملياتهم الارهابية .
فيما ينبغي على الحكومة القبض على الكثير من العناصر التي سارت على هذا النهج بعد ان توفر لديها الكثير من اعترافاتهم عبر وسائل الإعلام وإصرارهم على مواقفهم المعارضة لعملية بناء العراق وضلوعهم بالمساهمة والدعم للجرائم البشعة التي طالت الأبرياء من شعبنا..
الإعلام العربي والصدامي يرصد كل صغائر الأخطاء والتصرفات التي تقع في غضون خطة فرض القانون ،محاولا تحويل مسار النجاحات الباهرة الى مظلوميات ونكبات ومنها نكبتهم الأخيرة في فرية صابرين الجنابي ،فيما طبلوا ورقصوا لاحتجاز السيد عمار الحكيم من قبل قوات متعددة الجنسيات الذي جاء متناغما مع أجندة استهداف حكومة الائتلاف ،وتغيير مسار الخطة الأمنية ،وذلك سبب لتصعيد شعبي خطير يؤجج غضبة الحليم ،لتستدرك تلك القوات الهفوة الجديدة التي وقعت بها ،معلنة أنها مازالت غير مستوعبة للواقع العراقي ومنعطفاته..
https://telegram.me/buratha