بقلم عالم الاجتماع المصري المعروف: سعد الدين إبراهيم التحرير نيوز
أكتب هذا المقال صباح يوم الأربعاء 23/5/2012، وهو اليوم الأول للانتخابات الرئاسية، وفى طريقى من منزلى بالمعادى إلى مكتبى بمركز ابن خلدون فى المقطم، مررت بعدة مواقع توجد بها مراكز لجان انتخابية. وكما كُنا قد شهدنا فى استفتاءات وانتخابات ما بعد ثورة يناير 2011، انتظم المواطنون فى صفوف طويلة للإدلاء بأصواتهم.
وحينما وصلت إلى مركز ابن خلدون، وجدته مثل خلية نحل، حيث نحو خمسين مُتابعًا فى غرفة العمليات، على صلة مستمرة بعدة آلاف من المُراقبين فى 25 مُحافظة من الإسكندرية إلى أسوان. وخلال الساعات الأربع الأولى لم تقع، أو لم يتم الإبلاغ عن تجاوزات حادة. وربما كان أبرز تلك التجاوزات هو استمرار الدعاية الانتخابية من أنصار د.محمد مرسى، فى أفنية المدارس بمحافظتى الدقهلية والبحيرة، بالمخالفة لتعليمات اللجنة العليا للانتخابات، وكذا وجود عدد أكبر من المندوبين فى داخل غُرف الاقتراع. ولكن عموم المشهد هو شىء تفخر به مصر والمصريون. إنها المرة الأولى التى يختار فيها المصريون حاكمهم بإرادتهم الحُرة، خلال ستة آلاف سنة من تاريخهم المُسجل.
تزامن ذلك مع قراءتى لتصريح فى الصفحة الأولى لـ«المصرى اليوم»، لفضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بمُعارضته القاطعة لدعوات ومُمارسات التشيّع فى مصر، حفاظًا على الوحدة المذهبية لأهل السُنة والجماعة فى الديار المصرية. واستغربت هذا التصريح للأسباب الثلاثة التالية:
١- أنه صدر من رجل اشتهر بين الخاصة من أقرانه، والعامة من أقرانى، بسعة العقل وسعة الصدر، وتصريحه ينم عن عكس ذلك.
٢- أن مصر، والجامع الأزهر الذى يؤمه هو تحديدًا، بناه خليفة فاطمى شيعى، لنشر تعاليم المذهب الشيعى، وهو المذهب الذى اعتنقه المصريون طواعية خلال القرون الأربعة التالية، إلى أن أعادت الدولة الأيوبية فرض المذهب السنى على عموم المصريين. ولكن كما لاحظ عالم الاجتماع المصرى الكبير الدكتور سيد عويس، فإن المصريين مالؤوا صلاح الدين الأيوبى بوجوههم، ولكنهم ظلّوا «شيعة» بقلوبهم. ولا أدل على ذلك من كثرة المُقدسات والمزارات الدينية «لآل البيت» (الحُسين- السيدة زينب- السيدة عائشة- السيدة نفيسة- السيدة سكينة). بينما لا توجد مثل هذه المزارات، لا من حيث العدد، ولا من حيث الأهمية، لأهل السُنّة والجماعة.
3- أليس من حق أى مواطن حُر، أن يختار دينه، ومذهبه، وأن يُغير كلا منهما، حيثما يتغير قلبه أو عقله؟ إن هذا الحق أقرّته الأديان. ألم نتعلم من قرآننا الكريم ومن رسولنا الأمين، أن حُرية الاختيار هى أساس «الإيمان»، فمن أراد منكم أن يؤمن، فليؤمن، ومن أراد أن يكفر فليكفر؟ ثم إن هذا حق أقره الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، فى مادته السادسة.
فإذا كان ذلك كذلك، فليت لفضيلة الشيخ الأكبر، أن يُطلق تصريحًا ينم عن مشاعر رفض للاختلاف، بينما خالقنا سبحانه هو الذى أراد لنا أن نكون «شعوبًا وقبائل» لنتعارف، وأن أفضلنا عند الله أتقانا. ويتأكد نفس هذا المعنى بالحديث النبوى الشريف، أنه لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى.
والمبدأ نفسه هو الذى خلّده أمير الشُعراء فى بيت واحد من إحدى قصائده:
الدين للديّان جل جلاله … لو شاء ربُك وحد الأقواما
فإذا كان الشيخ لا يقبل الاختلاف المذهبى فى نفس دينه، وهو الإسلام، فكيف له أن يقبل أديانًا سماوية أخرى، مثل اليهودية والمسيحية؟ فإذا كان رافضًا لهما، فقطعًا هو رافض للأديان الإنسانية الأخرى، مثل الهندوسية والكونفوشية والبوذية والطاوية. وهو ما يعنى أن الرجل يرفض ثلاثة أرباع البشرية. فالمسلمون لا يصلون إلى أكثر من ربع البشرية.
وفى ضوء ذلك، كيف يستقبل شيخ الأزهر زعماء الطوائف والأديان الأخرى؟ وكيف يبتسم فى وجوههم؟ بل ويعانقهم ويحتضنهم أحيانًا؟ ألا ينطوى ذلك على نفاق بوّاح؟
إن من يعتنقون المذهب الشيعى هم ثلث مُسلمى العالم، أى نحو خمسمئة مليون، معظمهم فى إيران، وشبه القارة الهندية، وتركيا، وجمهوريات آسيا الوسطى. ومعظمهم مثل شيخ الأزهر نفسه، توارثوا اعتناق دينهم ومذهبهم عن آبائهم. وقِلة قليلة منهم فقط، هى التى اختارت مذهبها بإرادتها الحُرة.
أكثر من ذلك، أن بعض طوائف الشيعة، وتحديدًا الطائفة «الإسماعيلية» هم أكثر المسلمين تعليمًا ودخلًا وتنظيمًا. وهم الأكثر مُشاركة فى الأعمال التطوعية فى البُلدان التى يعيشون فيها، سواء فى شبه القارة الهندية، أو شرق وجنوب إفريقيا، أو أوروبا أو الأمريكتين.
أى أنه فضلًا عن أنه لا فضل لمسلم سُنى على مُسلم شيعى إلا بالتقوى، فإن لكل المسلمين أن يفخروا بإنجازات إخوانهم المسلمين الشيعة. ومن ذلك أن أول مُسلم حصل على جائزة نوبل فى العلوم فى أوائل سبعينيات القرن الماضى كان شيعيًّا من مسلمى باكستان، من الطائفة الأحمدية، وهو الدكتور عبد الستار خان.
لقد اتصل بى صباح يوم 24/5/2011 الأخ محمد غُنيم، من محافظة الشرقية، وهو مصرى مُسلم شيعى، ليُبلغنى عن حادثة اعتداء مجموعة من المُتشددين على أحد إخوته من الشيعة، بل والتهديد بهدم منزله، لإجباره على إما التخلى عن مُعتقداته الدينية، وإما مُغادرة القرية.
ولا أظن أن ذلك كان ليحدث فى هذا التوقيت إلا بسبب تصريحات فضيلة شيخ الأزهر، التى أطلقها منذ ثلاثة أيام. كذلك من المُفارقات أن يأتى اضطهاد بعض الناس لإخوة مواطنين فى لحظة تاريخية فارقة يحتفى المصريون فيها بأول اختيار حُر لحاكمهم، لأول مرة، فى تاريخهم المُسجل، منذ الملك مينا، موحّد القُطرين.
فكيف بالله على فضيلة شيخ الأزهر أن ينكر على المسلمين من أبناء مصر أن يختاروا مذاهبهم ومُعتقداتهم؟
إننى لا أتصور أن شيخ الأزهر سيعتذر لثلاثة ملايين مصرى شيعى عن تصريحاته العدائية ضدهم. ولكن أضعف الإيمان أن ينتهز أول فُرصة سانحة لإعادة تأكيد احترامه لحُرية المُعتقدات والمُمارسات الدينية لكل المصريين.
سامح الله فضيلة الشيخ..
وعلى الله قصد السبيل
https://telegram.me/buratha