بقلم د.نبيل ياسين
أنا جاد في الطلب من السيد نوري المالكي أن يسمعني. وأنا جاد من جميع السادة أطراف الأزمة التي تهدد مستقبل العراق والعراقيين أن يسمعوني. لدي أسباب كثيرة لأطلب منهم ذلك. فهم أولا يحكمون( من خلال حكومة الشراكة الوطنية والبرلمان) بلدا أنا مواطن فيه. وثانيا أنا معارض سابق معهم لسنوات طويلة وكان شعارنا هو إسقاط الديكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي. ولدي حقوق( باعتباري واحدا من ملايين العراقيين الذين لديهم حقوق) ،ثالثا، لابد أن أطالب بها وهم المطالبون بتحقيقها وإرجاعها لي وللعراقيين. أما رابعا فانا مثقف عراقي قضى أكثر من أربعين عاما يناضل من اجل الحرية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والمساهمة في نهضة العراق وإعادة الاعتبار لمواطنيه، ويجمع العداوات الكبيرة ويفقد الصداقات بحيث تركت بلادي لأكثر من ثلاثين عاما وعشت في المنفى وواصلت نضالي من اجل أهدافي ومبادئي، ولذلك لا يهمني ما خسرته منذ سقوط صدام حتى الآن ،وأنا على استعداد لان أعيش بقية عمري ميتا أو منفيا، لا فرق، فانتم إذن أمام شخص وصف، ووصفتموه انتم، بالشغب والعناد والتمسك بالرأي والاستعداد للتضحية من اجل الآخرين. وخامسا أنا سياسي مستقل أسعى لنشر أفكار التنوير السياسي من اجل الحرية والعدالة والمساهمة في تأسيس وضع مستقبلي للعراق، يخصني ويخص شعبي، يؤسسه سياسيون هواة يفتقر اغلبهم إلى ثقافة التأسيس الفكرية والحقوقية والسياسية ويهتمون بتشريع مصالحهم الشخصية والفئوية ،فلذلك انا معني بما يحدث في بلادي.
اعرف أن هناك من لا يريد لكم أن تسمعوني.حولكم جميعا ناس تهمهم مصالحهم الفردية أكثر مما تهمهم مصالحكم أو مصالح شعبهم. وقد بعث لي صديق ، كاتب وصحفي وأكاديمي عراقي قديم يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية برسالة الكترونية يقول لي فيها انه يقرأ مقالاتي وانه معجب بها ويستدرك خوفا عليّ، أنها تجمع لي أعداء أشداء. وهو علي حق . لكنها أيضا تجمع لي أصدقاء من شعبي أكثر من الأعداء ، رغم أن هؤلاء الأصدقاء لم يستجمعوا قوتهم بعد ليكونا أشداء. وانأ راض بما أقوم به. فانا مشاغب في نظر جميع الذين يمارسون الانتهازية والكذب وضمان مصالحهم الشخصية حتى لو تعارضت مع الضمير والأخلاق والدين، والذين يلومونني عليهم أن يلوموا عليا والحسين لأني افعل مثل مافعلوه.
حمى التعليقات والتعليقات المضادة
مالذي يحدث في العراق ولمصلحة من؟ سنبعد المواطن العراقي عن المصلحة ، لان ما يحدث لا يصب في مصلحة المواطن العراقي بالتأكيد .هل ما يحدث يصب في مصلحة دول جوار؟ نعم؟ لمصالح دولية؟ نعم. لمصالح أحزاب في الحكم ؟ نعم بالتأكيد. لكن إدارة المصالح طريق وإدارة الأزمات طريق آخر مختلف في الاتجاه.لكن معظم السياسيين فتحوا طرقا فرعية بين الطريق بحيث أضاعوا الاتجاه وظلوا يدورون على أنفسهم دون أن يصلوا أو يوصلوا الآخرين إلى نهاية الطريق. لقد انفتحت مصالح السلطة على مصالح النفط والكهرباء وإعادة الإعمار والفساد المحاصصة وتقاسم النفوذ والغنائم وإبعاد الشعب عن المساهمة في تقرير مصيره وقاد هذا التشابك إلى التصعيد من جميع الأطراف وتسيدت التصريحات اللاعقلانية وغطت الوقائع والأحداث وأعادت من جديد الصراع الطائفي، الذي يعتقد السياسيون انه الشعار الأكثر تأثيرا في العراقيين وفي الانتخابات وفي الاستقطاب بغض النظر عن مخاطر تقسيم المجتمع وتقسيم العراق وتقسيم ما يتقسم إلى وحدات وعشائر ومحلات وأحزاب وجماعات بحي يصبح (الطيف العراقي) الذي شغف به السياسيون ظلاما وتصبح (المكونات) التي رددها السياسيون درابين وازقة اصغر مائة مرة من دويلات الطوائف
مراجعة بسيطة لما يكتب، وأكثر ما يكتب هو كتابة هواة وليس كتابة محترفين، تكشف لنا عن ظواهر جديدة منها تزايد السخط والاستياء الشعبيين ضد الحكومة وضد العملية السياسية برمتها وضد المشاركين فيها. ولن ينفع ان تخصص الحكومة، وتخصص الأحزاب المعارضة لها، بضعة موالين للرد والتعليق اللذين يتجاوزان التقاليد والأعراف والأخلاق أحيانا طعنا وتشويها وسبابا بحيث يمكن شم روائح مخابرات عربية دخلت اللعبة فوجهت أجهزتها لتسعير الخلافات والصراعات عبر أسماء مستعارة بألقاب عراقية، خاصة تسعير الصراع الطائفي وصراع المدينة مع الريف وصراع الجنوب مع الغرب وصراع العرب مع الأكراد في وقت يعتقد المتصارعون أنهم جميعا على حق وأنهم ينتصرون بهذه الردود والتعليقات التي صنفت العراقيين شروكا وصفويين وعملاء وأتراكا وحرامية ومعدانا وسنة وشيعة وعربا وأكرادا وروا فض ونواصب وأمريكيين وإيرانيين وسعوديين وخليجيين في لعبة لم ينتبه إليها احد بل اشترك فيها الجميع في حمى لاتشبه أبدا (حمى ليل السبت ) ذلك الفلم الغنائي الموسيقي الراقص الذي مثله جون ترافولتا في نهاية السبعينات.
يخوض معظم السياسيين في وحل التهم والسباب ويجرون وراءهم مئات من اتباعهم الذين يدقون الطبول ويرفعون الرايات ويرددون الهوسات فيما الوطن يتمزق والعراقيون يهجرون ذواتهم ليدخلوا في شرانق للعزلة واليأس والإحباط وفي وقت يصبح فيه الفساد النشاط الأكثر ممارسة في الدولة ، والتزوير النشاط الأكثر مشروعية، والتفتت الاجتماعي يتحول إلى فعل سياسي تمارسه الأحزاب التي تنتقم من بعضها عن طريق تفتيت النسيج الاجتماعي وممارسة العزل الاجتماعي سواء عن طريق التصعيد الطائفي أو عن طريق تحول المواطنين إلى ضحايا للإرهاب والفساد والقوة الغاشمة فوق القانون والسيولات النقدية التي تتحكم بمصير الملايين كما تتحكم بمصير العراق.
هذا واقع مرئي ويعاني منه العراقيون ويقدمون في أحيان كثيرة وقائع وشواهد عليه، بحيث لم يعد العراقي يشعر انه فرد في مجتمع، دع عنك شعوره بالمواطنة. فالعراقي لم يعد عراقيا في مجتمع وإنما فرد منفصل، ولذلك يكاد الحب أن ينقرض بين العراقيين. وهذه حقيقة اجتماعية وسياسية واضحة. لم يعد العراقي في بغداد أو الموصل أو البصرة (موحدا) في هوية وطنية اسمها العراق. ولم يعد العراقي في نيوزيلندة و استراليا وكندا والنرويج وبريطانيا وفرنسا يشعر أن هناك وطنا له اسمه العراق. قد يكون كثير منهم يمتلكون وطنا(سابقا) لكنهم لم يعودوا عراقيين قادرين على العودة والعيش في وطنهم. من يحب من؟ هل حزب الدعوة يحب المجلس الأعلى؟أو الحزب الديمقراطي الكردستاني يحب الاتحاد الوطني الكردستاني؟ هل الحزب الإسلامي يحب حزب الدعوة ؟ أم حركة الوفاق تحب التيار الصدري؟ لا أتحدث عن المناورات السياسية، وإنما أتحدث عن الأهداف الوطنية. لا أتحدث عن الخلافات الشخصية والحزبية وإنما أتحدث عن الصراعات الوطنية الكبرى التي تهدد العراق. لست مثاليا لكي أنسى أو أغطي على الواقع وأقول الكل إخوة فتعالوا وقبلوا بعضكم بعضا وبوسوا لحى بعضكم لكي ينعم الشعب بالخلاص.
هناك مشاكل عميقة طولا وعرضا، عموديا وأفقيا كما يحلل بعض المعجبين بالبنيوية. هناك مشاكل تاريخية وثقافية جعلت الاخ يموت ولايعرف به أخوه إلا بعد أسبوع عبر الفيس بوك. مالذي يحدث حقا؟ هل هذا هو العراق الذي كان يجلب الأقوام فأصبح يطرد العراقيين من بين جناحيه ؟إذا نظرنا بعيون بعض السياسيين في الحكومة فسنجد أن العراق بخير وهو بلد مستقر وآمن قضي فيه على الإرهاب والفقر والفساد وعاد إليه ملايين المهجرين والمهاجرين والمنفيين ،وهو بلد تصرف فيه الموازنة على الإعمار وتحديث المستشفيات والمدارس والجامعات مع نظام صحي لايخاف العراقي في ظله أن يصاب بالسرطان فكيف يخاف من الإصابة بأنفلونزا ، وفي نظام تعليمي متطور ليست المشكلة فيه أن تجلس الطالبة بجوار الطالب أو أن يتحكم العميد بأفكار وأحلام وملابس وطعام وشراب الطالب وإصدار قوائم الممنوعات كل يوم.
مشكلة العراق أن الحرام فيه أكثر من الحلال.وهذا لا يأتي من مراجع الدين وإنما من السياسيين المتدينين، وان الممنوعات فيه أكثر من المسموحات على عكس المبدأ الديني أن كل ما لم يرد فيه نص بتحريمه فهو حلال. اصبحنا اليم نحرم كل حلال كأن حلال محمد قد تغير وحرام محمد قد تغير قبل أن يحين يوم القيامة.
مالذي يحدث؟ لست معنيا باستياء السياسيين فهو لا ينتهي ولا يتوقف عن حد إلا بان يرتمي الإنسان في أحضانهم ويقول لهم إني عبدكم وخادمكم. فقد كنت في سنوات المعارضة الطويلة اكتب مقالاتي في صحف عديدة منها الحياة اللندنية حين لم يجرؤ احد أن يكتب باسمه ضد صدام وحين لم يكن للمعارضة غير بضعة كتاب وصحفيين فلم أجد (معارضا) يرضى بما اكتب فإذا قلت أن نظام صدام نظام ديكتاتوري لايسقط إلا بتوحيد جهود المعارضة ، اعترض هذا (القائد) لأني (شتمت) المعارضة حسب اعتقاده وأوحيت للناس أن المعارضة ضعيفة وغير موحدة. لذلك اعرف هذه العقلية واكتب دون أن أعير لاعتراضاتها اهتماما. لأنها تشبه اعتقاد بعض السلفيين والمتعصبين بالآية التي تقول ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
وحتى حين عرّفت الصحافة العالمية باستشهاد المرجع أية الله محمد صادق الصدر وكتبت صفحة كاملة في الحياة بعد يومين من استشهاده في شباط عام 1999 جمعت فيها مادة مصورة وتاريخية وشخصية ونقلت بعض خطبه وعددت مؤلفاته بحيث أصبحت الصفحة مصدرا عالميا نقلت عنه صحف عالمية ، احتجت بعض القوى الإسلامية الشيعية التي كانت على خلاف معه واعتبرت ما كتبته ضدها.
جريمة سياسية: اهل الشقاق والنفاق
هناك جريمة سياسية وثقافية ترتكب ضد العراقيين منذ عدة قرون وهي مستمرة حتى اليوم. وهذه الجريمة واقعية وتحدث كل يوم. على الأكثر لايرها السياسيون الذين يساهمون بصنعها كل يوم ، وهذه الجريمة المروعة والبشعة التي يرتكبها السياسيون والحاكمون منذ عمرو بن العاص حتى اليوم هي إجبارهم الشعب على احتقار نفسه واحتقار مطالبه وتغييب حقوقه وإشعاره بأنه غير مؤهل للعدل والسلام والتطور والتمتع بالحياة والديمقراطية وسيادة القانون. وقد عمقت هذه الجريمة السياسية الشعور لدى العراقيين بأنهم أهل شقاق ونفاق، وأنهم شعب عنيف لايعيش إلا في ظل نظام ديكتاتوري، وان القوة هي السبيل الوحيد لإجبار العراقيين على الوحدة والسلام.
لدي ألف مقترح عاطفي، ولكن لدي مقترحان واقعيان قابلان للتحقيق ، الأول هو إعادة النظر بالعقد الاجتماعي بين الشعب والدولة. وإعادة النظر تبدأ من تحرك المجتمع المدني بتعديل هذا العقد وجعل الطرف الأول، وهو الشعب أقوى من السلطة، وتحقيق معادلة أن المجتمع المدني جزء من الدولة وليس جزء من السلطة وإنما هو رديف للسلطة ومواز لها. وهذا يعني أن يعيد الشعب النظر بدوره ولايقصره على الانتخابات وإنما يواصل دوره بعد الانتخابات عن طريق منظماته المدنية. ولكي يحقق ذلك فان دعوتي إليه، التي عرضتها على جهات عديدة دون أن يستجيب لها احد وكإن الجميع يوقد النيران لاستعار الأزمة واستمرارها، هي أن تبادر منظمات المجتمع المدني، حتى تلك التي تمولها الحكومة وتضعها تحت جناحيها، إلى عقد مؤتمر شعبي لبحث جوانب الأزمات العراقية ، السياسية خاصة،وعناصرها ودوافعها واجتراح المقترحات والحلول والتوصيات التي تشكل عامل ضغط أساسي من خلال رؤى واقعية وممكنة التطبيق وتكوين رأي عراقي عام منسق حولها، مثل قضايا النزاعات السياسية ودور الدستور، والوحدة الوطنية والشراكة الوطنية ومفاهيمها الحقوقية والدستورية، وسيادة القانون والمواطنة، والهيبة الدستورية وعوامل تحقيقها وتكريسها ودور القضاء في استقرار العملية السياسية وإبعاده عن التسييس بحماية من قبل القضاء والدستور والرأي العام ووسائل الحماية الأخرى السلمية المطلبية. وكذلك قضايا الفساد وتأثيرها على تطور نظام الحكم الدستوري والبحث عن وسائل الحد من الفساد بمشاركة القضاء والرأي العام والحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني، وأهمية سيادة القانون على السياسة وادوار القوى السياسية ونفوذها على القانون، وتعزيز دور الرقابة المدنية وحرية واستقلال الصحافة.
المجتمع المدني معادل موضوعي ضد الديكتاتورية
ليس لنا خلاص إلا بإعادة ميزان القوى لصالح المجتمع المدني بما فيه وسائل التعبير عن الرأي والصحافة والهيئات المستقلة والعمل من اجل خلق أجواء للعمل بالدستور والالتزام بأحكامه واعتباره المعيار الإلزامي للجميع سياسيا وقانونيا.وهذا لايتم إلا من خلال العمل على إشراك القطاعات المهمشة في عملية بناء الدولة واستقرار العملية السياسية وتأمين استقرار المجتمع وإعادة دور المفكرين وأصحاب الرأي والمخططين والعلماء والكتّاب وأصحاب الخبرة والمعرفة والاختصاص واللجوء إلي مؤتمرات للمناطق والمدن والبلديات والقرى للقوى الشعبية والمدنية من اجل توسيع دورها في عملية اتخاذ القرار والتمسك بالدستور والقانون والحقوق المنصوص عليها دستوريا، وإشاعة ثقافة التسامح والتعايش القومي والديني والمذهبي والثقافي للحفاظ على العملية السياسية وتطويرها باتجاه استقرارها وتوسيعها وتثبيت قيمها الديمقراطية وتطوير عملية بناء الدولة العراقية وجعلها الإطار القانوني للمواطنة وهذا بدوره يرتبط بتنشيط العمل لتنمية الثقافة المدنية غير المسيسة حزبيا لتساهم في ترسيخ الهوية الوطنية للعراقيين لتحقيق الوحدة الوطنية من خلال الدولة وبذل جهود مشتركة ، قانونية وثقافية ومجتمعية للحد من العنف وتقليص طابع العنف في الخطاب السياسي وتحويله إلى خطاب حقوقي وطني وموضوعي يحترم الخلاف والحق بالتمايز الاختلاف والتحول المدني إلى العمل مع المنظمات والهيئات الوطنية والإقليمية والدولية لإيجاد مناخ احترام سيادة العراق والحد من التدخلات الخارجية وحماية استقلاله ووحدته واحترام إرادة واختيارات العراقيين لنظامهم السياسي الذي يمثلهم.
وإذا لم نتدارك الواقع الحالي فان المحاصصة ستتحول الى (قانون) . فهي ألان (عرف) وسيتحول هذا العرف الي (قانون) يعزل الشعب عن الدولة ويجعل مؤسسات الدولة مؤسسات حزبية. وإذا لم نمارس الضغوط المدنية السلمية من اجل تعديل قانون الانتخابات وإلغاء حصة القائمة الانتخابية التي جاءت بنواب غير مسؤولين أمام الشعب وإنما أمام قادة قوائمهم التي وضعتهم في مناصب إضافة إلى كونهم مجهولين سياسيا وليست لديهم الخبرة، وهذا مرتبط أيضا بإصدار قانون أحزاب ديمقراطي لايعطي السلطة حق الإشراف على نشاط الأحزاب ووضعها تحت رقابة ورحمة السلطة.
سحب الثقة من المالكي ليس حلا
يعتقد أعداء ، أو معارض المالكي ( وانأ طرف محايد الآن) أن سحب الثقة منه ينهي ألازمة. لن تنتهي الأزمة بسحب الثقة من المالكي ولا تنتهي بانتخاب شخص آخر. لان ألازمة ليست في شخص. فأي شخص هو نتاج البيئة السياسية والأيديولوجية والثقافية التي أنتجته. وهذه البيئة مشتركة ، وقد أنتجت جميع السياسيين بدون استثناء ، وزودتهم بالثقافة الشمولية التي لاتؤمن بالتعددية ، وعدم الإيمان هذا سمة مشتركة بين جميع الأحزاب ولا استثني أحدا منها.
يعيش العراق والعراقيون حالة صراع بين تكريس حكم فردي وبين تعددية سياسية هي أصل من أصول الديمقراطية، وبين عقد اجتماعي يعرف فيه الشعب حقوقه ويثق ان القانون والدستور يحميانها وبين حكم أفراد لا يعير لمصالح الشعب اهتماما ولا يفكر بها، وبين ديمقراطية يمكن أن تتكرس في العراق نموذجا لديمقراطيات الشرق الأوسط وبين حكم حزب يستولي على السلطة بقرارات وإجراءات يتعارض معظمها مع الدستور ومع القانون ومع أصول الديمقراطية.
لقد حل العقد الحزبي محل العقد الاجتماعي، وتحولت العملية السياسية القائمة على دستور وعددية وانتخابات ونزاهة ومفوضيات وهيئات مستقلة إلى حكم انقلابي وثوري يستمد شرعيته من السيطرة ولا يستمد شرعيته من الدستور والقانون والأداء الحكومي والسياسي الذي ينفع المواطنين.
لست ضد احد ولكني ضد الجميع لان الجميع متورطون في هذه البيئة الثقافية التي لاتعرف من الحكم سوى التحكم ومن السلطة سوى التسلط ومن الشعب سوى رعاع وغوغاء لايفكرون إلا في بطونهم وفروجهم ولا يستحقون الحياة الكريمة ولا الاعتبار الإنساني. و،إلا كيف تحولت العملية السياسية من الحقوق والحريات والخدمات وبناء الدولة وإعادة بناء مجتمع سليم إلى صراعات ونزاعات يجللها الفساد والسرقات والاستيلاء على المال العام وعلى مؤسسات الدولة.
هذا واقع. واقع موسف لا يكفي أن يدفن السياسيون رؤوسهم في الرمل لكي يغطوا على هذا الواقع ويرون ما في مخيلاتهم من سعادة للناس وإعمار للعراق و عدالة تعم الجميع ولا وجود للسرقات والسطو على الأموال العامة والرشى والفساد الإداري والمالي والسياسي بحيث أصبح المواطن ضحية يومية و(طبيعية) للفساد، ساعد عليها فتاوى وتصريحات دينية للكف عن التظاهر والكف عن المطالبة بالحقوق فارتكب الدين خطيئة التغطية على إفساد حياة الناس والتفريط بمقاصد الشريعة وأهداف الدين.
قد يكون كلامي قاسيا. لكنه مستمد من الواقع وهو توصيف لواقع يعيشه ملايين الناس ولايستطيع الاعلام الكاذب والمنافق الذي يقوده مرتزقة واميون ومشترون بالمال ومضطرون للعيش وخائفون من القتل
صناعة الخوف
ليست القضية أن نخاف او لانخاف. فالخوف سمة الحكومات الديكتاتوريات وليس سمة الديمقراطية ومن لم يخف من الديكتاتورية لايخاف من الديمقراطية.ليست صناعة الخوف
قادرة دائما على إسكات الجميع، خاصة في الوضع العراقي الحالي، ونصيحتي للمالكي هو فتح أبواب خططه وأفكاره ونواياه السياسية للعلن وللناس وللمثقفين والمفكرين والقوى المدنية، لا بطريقة الاحتواء والحصول منها على تأييد وبرقية دعم، وإنما بطريقة دراسة المشكلات التي تواجه العراق والتي جعلته يستمر في أزماته وتقديم أوراق عمل واقعية وعقلانية.طبعا من المستبعد أن يحدث هذا لكن الديمقراطية ، عكس الديكتاتورية، تحتاج للجميع.
استطيع ، الآن، (وسيلومني كثيرون) أن افهم السيد مقتدى الصدر أكثر من فهمي للآخرين . انه واضح ويضع نقاطا محددة منها مثلا سحب الثقة من المالكي إذا لم ينفذ النقاط التي طرحها( رغم قصر المدة المحددة) . وهذا يعني أن نتوقع طرق افتراق تقود إلى تصعيد حدة الصراع بين التعددية وبين التفرد.
الدولة المتدينة وولاية بطيخ في الكوت.
نحن أمام دولة متدينة وليس دولة دينية. أنا لا أخاف من الدولة الدينية لأني استطيع أن أضع الدين وأصوله أمام من يقود هذه الدولة، لكن الدولة المتدينة مشكلة كبرى لان المتدين الذين يريد أن يدين الدولة يفرض على المجتمع طريقة تدينه. في إيران هناك اختلاط في دولة دينية مغرقة بالدين ولكن هناك من يسعى في العراق لفرض تدينه على التعليم والصحة والمجتمع والشارع والمطعم ودوائر العمل في الدولة فيمنع الاختلاط مثلا ويحدد شكل المأكل والملبس والمشية ويحدد شروط التدين لشغل الوظائف.
الدستور ضمن الجانب الديني من الدولة والمجتمع، ومع هذا تسعى جهات إلى أن تدين الدولة وتجعلها متدينة على طريقة تلك الجهات. وهذا التدين دفع قانون العشائر الاعتباطي إلى أن يحل محل القانون. ولنا أن نتساءل بعد أكثر من سبعين سنة على نشوء دولة في العراق وظهور طبقة وسطى وطبقات مدنية ونشوء التعليم العالي ونشوء أحزاب سياسية لماذا تعود قوانين محلية لتحل محل القانون المدني العام. انه استبدال للدولة. هكذا يجب أن نفكر حتى لو افترضنا أن العشيرة ماتزال وحدة اجتماعية مؤثرة اقتصاديا. لاحظوا أن الدور الاقتصادي للعشائر قد انتهى أو قد ضعف بينما دورها السياسي يكبر ويقوى، وهذا التناقض ليس غريبا حين تتخلى الدولة عن قوانينها وتمنح سلطة القانون للمجموعات المحلية لتصدر قوانينها على طريقة(مطلوب عشائريا) وتتحول الدولة إلى (ولاية بطيخ) . وبطيخ هذا من المأثور العراقي ، ذكره عباس بغدادي في كتابه (بغداد في العشرينات) وقال انه رأى عشيرة في الكوت ( وكان طاغية حكم منطقة في الكوت وامتد نفوذه إلى إيران من جهة بدرة ، وان المثل (ولاية بطيخ) المشهور جاء نتيجة تصرفات بطيخ اللامعقولة والتي لم تكن تخضع لأصول أو قواعد بل كان المزاج اليومي الكيفي لبطيخ هو الذي ينير حياته) وقد أورد بغدادي هذا المثل في حديثه عن شقاوات بغداد.
18/5/517
https://telegram.me/buratha