علي حسين غلام
الإختيار حق طبيعي وفطري للفرد، ويتعزز هذا الإختيار عند أمتلاكه المساحة الواسعة من الحرية والإرادة أي بمعنى الأستقلال الذاتي، لكن تأثره بعوامل خارجية مؤثرة سياسية أو إقتصادية سوف تَسلب إرادته وتحدد حرية الإختيار لديه ليقع فريسة للمؤثر الخارجي القوي الذي يفرض شروطه وفق متبنياته الفكرية ومعطيات مصلحته هذا من جهة، أو يقع ضحية رغباته المصلحية ونزعاته النفعية ليصبح شحاذاً يطرق أبواب أصحاب الإمتيازات المالية من جهة أخرى، وفي كلتا الحالتين حيث معادلة ربحية لها قواعد خاصة وتمرد على الوعي الفكري والمنطق والموضوعية وعلى المصلحة العامة، والطامة الكبرى إذا وقع المثقف في هذا الفخ النفعي أو لعبة المصالح ليصبح بيدقاً في لعبة الشطرنج السياسي بعد أن تُقصى إرادته في دائرة التبعية ويوضع في الحِجر الفكري وتكميم الأفواه بسبب العوز المادي. والمجتمع الفيلي كفيل بأن يحكم على بعض مثقفيها الذين يعملون من دون إرادة تحت مظلات أحزاب سياسية حيتانية تلتهم الآخرين بشراسة وشراهة، ليقعوا في العمى الإدراكي وهوس المصلحة الذاتية ليصبحوا في النهاية أداة لتشتيت المجتمع الفيلي وتفتيته الى أجزاء تختلف فكرياً وثقافياً إضافة الى تأجيج الصراعات العقائدية والقومية الخفية تارة والعلانية تارة أخرى حسب مستجدات ومقتضيات الظروف ورغبات ومصلحة هذه الأحزاب، وتقسيم الشارع الفيلي المنهك أصلاً الى دكاكين للمزاد العلني لترويج بضاعات تلك القوى وترك القضية الفيلية التي هي الأساسية والجوهرية في كل المعادلات السياسية والإجتماعية على رفوف الإهمال والنسيان وإضعاف قوة التماسك بين صفوفها وبعثرة قدراتها وطاقاتها لكي تبقى مهمشة مهشمة تعيش في ظل هذه الأحزاب وتحت رحمتها، ليبعدوا هذا المكون الأصيل عن المواقع التي يستحقها ويتناسب مع حجمه الحقيقي واستحقاقاته الوطنية أسوة بالمكونات العراقية. صحيح إن المثقف الفيلي عاش حقبة سوداوية وظل تحت لغة القمع والإضطهاد زمناً طويلاً ولدت لديه النكوص والإحباط النفسي والمعنوي فضلاً عن أنه لم يواكب التطور المعرفي والفكري بسبب الحظر القسري المفروض عليه من قبل السلطة العنصرية آنذاك، إضافة الى الضغوطات السياسية والإقتصادية بعد السقوط ليزداد الإضطراب الذهني والقصور في التفكير الجدلي لتختلط الألوان السياسية في لوحته ويفقد السبل للوصول الى الطريق الصحيح القويم الذي يلبي طموحاته وآماله الموضوعية بعد تلك العقود التي مضت من الخوف والمستقبل المجهول، رغم كل هذا لا يوجد مسوغ عقلاني رصين ومبرر منطقي لهذه التبعية والعلاقة الزائفة التكاذبية بينه وبين هذه الأحزاب الغالبة سياسياً، وهي دلالة على ضعف التفكير الجدلي العقلاني وفقدان التوازن العاطفي والتأرجح بين العقيدة والقومية فضلاً عن إرتفاع منسوب الأنا والطغيان الذاتي وحب المال والجاه على حساب المبدئية والمصلحة العامة. إن إيمان المثقف بالفيلية من خلال القلب واللسان غير كاف وناقص وهو أضعف الإيمان إذا لم يقترن هذا الإيمان بالعمل الجاد المخلص، حيث يقع على عاتقه مسؤولية الدفاع عن إنتماءه وولاءه بإستقلالية دون قيود أو تبعية، ويكون الهم الفيلي الهدف والغاية والرسالة التي يعمل ويجاهد من أجله. لذلك فأن إدراكنا لمآسينا وآلامنا الماضية ودراسة مفردات تجربة الحاضر بوعي ودراية كفيل لتحديد أطر مستقبلنا ضمن مفهوم الإستقلالية والإعتماد على المقومات والعناصر الفيلية الذاتية والتي هي مصدر إشعاع وإستنهاض وإلهام وقوة لإعادة الروح الى الجسد الذي تقطعت أوصاله بفعل القدر والحكومات وسكاكين الأحزاب، و يجب أن نتعامل مع كل القوى في الساحة وفق مبدأ المصالح السياسية والإستحقاق الوطني الذي يكفله الدستور العراقي وما ترتب من إستحقاقات مادية ومعنوية على إعتبار الجرائم التي أرتكبت بحق الكورد الفيليين كجرائم إبادة جماعية. نعم والف نعم لتوطيد العلاقات وتعزيزها وترسيخها مع الجميع وفق مفهوم المواطنة ومبادئ العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات والعيش المشترك في الوطن، وخصوصاً مع من نرتبط بهم من حيث العقيدة والقومية ولكن بشرطها وشروطها دون التبعية والوصاية.
https://telegram.me/buratha