يكتبها لاوّل مرّة / طارق الاعسم
في عام 1968 قرر المرجع الاعلى في العراق السيد محسن الحكيم (رحمه الله) السفر الى حج بيت الله الحرام فوجهت له ثلاث جهات الدعوة لخدمته في الزيارة لبيت الله الحرام كانت اولاها من المملكة السعودية بدعوة ملكيّة ابان حكم فيصل بن عبد العزيز آل سعود ، وخصص له طائرة خاصّة ، ودعاه كذلك شاه إيران وخصص له طائرة وكذلك فعل طاهر يحيى رئيس وزراء العراق في اواخر حكم عبد الرحمن محمد عارف .
وكان رأي بعض المشاورين أن يقبل السيد دعوة شاه إيران ، وبعضهم أن يقبل دعوة طاهر يحيى . ورأي بعضهم ومنهم السيد الصدر(رحمه الله) أن يقبل دعوة السعودية ، وقال: هذه أول مرة ينفتح فيها الوهابية على مرجعية الشيعة . وأخيراً اختار السيد المرجع(رحمه الله) السفر بطائرة الحكومة العراقية ، و كان رئيس الوزراء طاهر يحيى في توديعه من المطار ببغداد ،
وحال وصول المرجع الاعظم الحكيم الى مكّة المكرّمة تشرّف ملك السعودية آنذاك فيصل بن عبد العزيز باستقباله وتهيئة مستلزمات الاستقبال المهيب بدعوة شخصيات من كل دول العالم تضم الزعامات الدينيّة البارزة في مشارق ومغارب الارض وفعلاً استقبله في مدخل القصر وكان بصحبته ولده المعمم الصغير المغفور له المرحوم السيد عبد العزيز الحكيم وبعد الترحاب والتهليل من الحاضرين جلس الملك فيصل واجلس امامنا الحكيم الى يمينه وبجانبه ولده واشار للآخرين بالجلوس وبدأت وفود الامراء بالتوافد للسلام على الملك والسيد الحكيم وولده .
وجاءت اللحظة الحاسمة حين دخل المجلس شيخ الوهابيّة التكفيري الضرير عبد العزيز بن باز وكان سليط اللسان لايقيم وزنا ً للاصول والاعراف ولا الى قيم الكرم وحسن الضيافة ومشى وسط المجلس بخطى عصبيّة وسلّم على الملك فيصل ثم تجاهل الامام الحكيم وولده وسلّم مصافحا باقي الجلوس مما اوجد جوّا مشحوناً واصيب الحضور بالصدمة للتصرّف الوقح لعبد العزيز بن باز .
وماأن اتخذ بن باز مجلسه الى يسار الملك حتى التفت اليه الملك فيصل غاضباً معاتباً ومذكّراً من ان السيد الحكيم ضيفه شخصيّاً الا ان بن باز بدا مصرّا على موقفه رافضا التزحزح عنه وعلا صوت الملك الذي نهره بعبارات كرر فيها بصوت عال ان السيد ضيفي وبن باز يكرر بدوره عبارات جوفاء من قبيل ان هؤلاء رافضة يفسّرون القرآن بالباطن وهم بذلك مشركون والملك يجيبه بالاصرار على عبارة هذا ضيفي ,
وسط هذا الجو المشحون فغر فاه الجالسين من رجال الدين والامراء من هدوء وسكينة السيد الحكيم ومن رقاعة بن باز ووقاحته على قامة السيد الحكيم ,وبعد ان عجز الملك عن ثني بن باز التفت الى السيد الحكيم معتذرا من تصرّف شيخ الوهابية بن باز فردّ السيّد الحكيم بعبارات تمتم بها من ان الامر لايستحق
فقال الملك فيصل ضاحكا ً في محاولة لترطيب الاجواء :سيدنا لقد ابتلينا بقصّة تفسير الشيعة للقرآن بالباطن خلاف الظاهر ,فماكان من الامام الحكيم رضوان الله عليه الا ان يجيب بصوت جهوري مخاطباً الملك فيصل :ان شيخكم عبد العزيز بن باز الضرير هو اوّل من يصيبه الضرر اذا مافسّرنا القرآن بالظاهر كما يريد فرب العالمين يقول في محكم كتابه "من كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى وأضلّ سبيلا" !!!!!. ماأن سمع شيخ الوهابيّة الاية التي غمزه فيها السيد الحكيم حتّى احمرّ وجهه ولملم اطراف عباءته وخرج غاضباً من المجلس دون ان يودّع احداً وهو يرعد ويزبد من الحرج والاهانة التي تلقّاها في الصميم فقد بهت الذي كفر . ران صمت عميق في المجلس اثر كلمة السيّد الحكيم ولم يقطع التوتّر الا القهقهة التي اطلقها الملك فيصل والذي اقبل على السيّد الحكيم وهو يردد :احسنتم سيّدنا أحسنتم والله احسنتم !!!
وفعلا انتقلت عدوى القهقهة والضحك المتواصل من كل الجالسين الذين اعجبتهم التفاتة السيد الحكيم والدرس البليغ الذي ادّب واخرس فيه بكل برودة اعصاب شيخ الوهابيّة في عقر داره الامر الذي اثار اعجاب الجميع ملكاً وضيوف وامراء من سعة علم السيد الحكيم وجرأته وحزمه .
نسوق هذه القصّة التي تنشر لأوّل مرّة والتي نقلناها عن لسان احد شيوخ العشائر العراقيّة المقرّبين للسيد المرحوم عزيز العراق والذي رواها له في جلسة استذكار لصحبة والده المرجع الديني الاعلى الذي ثنيت له الوسادة والذي كان دائب الحركة لايأنف ولايكلّ من زيارة المدن والقصبات العراقيّة رغم كبر سنّه ورغم المرض ,وكان اينما حلّ تخرج الجموع الغفيرة اليه وتصرّ على رفع سيارته وهو بداخلها على الاكتاف في مظهر قلّ نظيره!!!.,
قلنا اننا نسوق هذه القصّة ونحن نسمع خبر الزيارة الذليلة للهاشمي للعربية السعوديّة التي لطالما كان خادمها المطيع ونموذج لمطيّة اهداف الوهابيّة ولكن شتّان بين الزيارتين ,بين زيارة ملؤها عز الهيبة واخرى ملؤها ذل الخادم المهان وكما يقول الشاعر : فأين الثريّا وأين الثرى_وأين الحسام من المنجل
https://telegram.me/buratha