عندما كتبت معايشتي للسيد الخوئي خلال السنوات التسع في النجف الأشرف كانت غايتي أن اظهر جزءَ من معاناة المرجعية الشيعية في الحقبة البعثية, والموجة المعادية لمذهب أهل البيت {ع} التي نفذها الطاغية المقبور , هذا الأمر لا يمكن إنكاره حتى من المطبلين لصدام في المرحلة الحالية .. بالمقابل كان الرمز للطائفة بلا جدال متمثل بالسيد الخوئي {قدسره} بعد أن نجح صدام بإسكات وقتل وسجن وتهجير وإعدام اغلب رموز الحوزة الشريفة , يساعده طابور من الرفاق في النجف الأشرف من أبناء الطائفة الشيعية , وهذا لا ينكره احد ايظا, ولأذكر قضية صاحبها موجود في النجف الآن ويعيش في بيت احد أبناء السيد رحمهم الله ..
هذا الشاب كان يقيم الصلاة للسيد واسمه يعقوب يوسف رحيم من أهالي الفاو , حين بلغ سن 18 سنة تخلف عن الخدمة العسكرية , وبذلك امتنع من الحضور إلى جامع الخضراء, سال السيد والده عنه, قال مولاي لا يستطيع أن يحضر لأنه متخلف عن الخدمة العسكرية وهو الآن جليس الدار, فقال له السيد : إذن ليأتي إلى بيتي لخدمتي إذا رغب بذلك... وفعلا انتقل يعقوب إلى بيت السيد لمدة تزيد على خمسة سنوات ,
كنا نراه يوم العاشر فقط كل عام في حسينية السيد في كربلاء التي هدمت بعد فشل الانتفاضة عام 1991من قبل النظام , وتقع في منطقة شارع صاحب الزمان ( عج ) , أيامها تحول بيت السيد إلى غرفة عمليات لإدارة الانتفاضة , وحين أجهضت اصدر أمرا للجميع أن يتركوه يلاقي مصيره من صدام والحزب , يقول يعقوب طلب مني حرق جميع الأوراق المتعلقة بالانتفاضة , ولما دخل أفراد من الحرس الجمهوري بيت السيد , نقلوه بطائرة سمتية مع عدد من العلماء إلى بغداد, وأنا أي يعقوب , تم اعتقالي ضمن عدد كبير من الشباب المنتفضين في مركز تدريب النجف مقابل حي الأنصار , بعدها نقلونا بسيارتين كبيرتين {سيارات نقل بري}إلى بغداد, حشرونا في سيارتين كأننا أغنام نساق إلى المجزرة ,
وصلنا إلى مفرق ديوانية حلة بغداد, هناك سيطرة كبيرة يديرها عقيد من أهالي تكريت لا اعرف اسمه , ولكن عرفت انه مسؤول في الاستخبارات العسكرية , معه جنود ورفاق يزيدون على مائة شخص , هذه السيطرة تفرز العسكريين عن المدنيين, حين وصلني الدور سألني العقيد: " أنت شنو عسكري لو مدني".؟ , قلت : ما ادري , قال : كيف لا تدري .؟ قلت والخوف يهزني أنا لست عسكريا ولا مدنيا" قال : تعال ولك فهمني أنت شنو..؟ قلت أنا خادم السيد الخوئي, ضحك الرفاق نفاقا له من جوابي , فقال لأحدهم خذه وضعه في غرفتي {كارفان} وبعد أن غادرت السيارتان السيطرة جاء إلى غرفته تعباناَ , سألني , أنت شنو كلت ...خادم الخوئي ..؟ قلت نعم , وشرحت له كل شيء عن خدمتي وما أقدمه لرجل كبير خدمة كاب ومرجع وأمام ,
فقال : بأي يد تغسل رجل ويد السيد قلت بهذه وأشرت بيدي اليمنى , فأخذها وقبلها ووضعها على رأسه وقال هذا إكراما للسيد , وحين قام للصلاة توضأ وفق المذهب السني وتكتف في صلاته , ثم قدم لي عشاءَ وقال:" والله راح أساعدك وأسرحك من الجيش أكراما للسيد الخوئي" وصار يحدثني إلى وقت قريب من الفجر ... بالمناسبة أخ هذا العقيد التكريتي أمر مدرسة الدروع في تكريت التي كلفهم صدام بتسريح الجنود الأسرى في الكويت , وحشروني ضمن الأسرى وتم تسريحي ...
هذا الرجل التكريتي وموقفه من السيد ليس مزاجيا ولا بحاجة أليه , وربما يؤدي عمله إلى ألحاق الضرر به وبأخيه ...خاصة انه سني المذهب ومن مدينة الرئيس , ولكن رمزية السيد وموقفه من النظام تجعل المناوئين لصدام يعتبرونه أبا روحيا ومرجعا وقائدا ...
وهناك مواقف يعرفها البصريون الذين عاشوا تلك الفترة في النجف جسدها السيد من خلال تقديم الخدمات المادية والدوائية والعلاج لأبناء الجنوب , وكنت ممن يقوم بتوزيع الطحين والسكر والرز والشاي , خاصة العوائل التي يعرف عنها مواقف معادية لصدام ونظامه , وكان يرسل لي مبلغ بيد السيد مهدي الخرسان حفظه الله 500 دينار لأقوم بتوزيعها على الفقراء كل أسبوع أو أسبوعين كمواد غذائية , علما إن كيس الطحين كان بسعر (2,500) دينارين ونصف فقط وكيس الرز ب10 دنانير وشيشة معجون الطماطة 360 فلسا... فكان المبلغ كبير يتطلب توزيع ثلاثة أيام وأكثر,
هناك عوائل نجفية تعرض رجالهم للاعتقال أكثر من 200 عائلة تصل أليهم التبرعات بشكل مستمر لا استطيع ذكر أسمائهم لان هذا لا يليق بمثل هذه المواضيع .., بعدها خصص الحاج عبد علي محمد صاحب محل بيع أحذية بجانب باب جامع الهندي أن يخصص رواتب لذوي المعتقلين والهاربين والفقراء على نفقة السيد الخوئي , وعلمت بعد مدة إن الحاج عبد الرزاق المطوري صاحب دكان مقابل جامع الترك - الأنصاري- في محلة الحويش يوزع مواد غذائية للفقراء والمعوزين من قبل السيد رحمه الله ..
هذه المواقف المعلنة التي يعرفها المئات ... واقسم بأمير المؤمنين إن السيد كان يدير عمليات أمنية لإنقاذ المجاهدين من الأجهزة الأمنية بواسطة جماعة منهم السيد الشهيد صابر محمد علي الشرع , وشخص اسمه أبو كرار من أهالي المشخاب , وأخر اسمه أبو علي من أهالي الحيدرية خان النص والشيخ الشهيد حافظ السهلاني , وقد عرفني بهم السيد محمد حسين مير سجادي ابن بنت السيد أبو الحسن الأصفهاني , بعد أن اطمأنت نفسه مني وكانت تعقد الاجتماعات في بيت السيد مير سجادي , غالبا ويحضرها احد أبناء السيد الخوئي , ثم قرروا منعه من الحضور باعتباره معروف من قبل الناس ربما يكون حضوره ضررا عليهم ... {{ولا أريد أن أطنب أكثر في هذا الجانب}} , لان ما في الجعبة ما يغني الموضوع وما يحقق القطع بقيادة هذا الرجل وتاريخه المشرف الذي كتبه في زمن الحرب والظلم والقهر .....
https://telegram.me/buratha