الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
عاصرت السيد الخوئي رحمه الله مدة تزيد على تسعة سنين فترة الحرب العراقية الإيرانية حين غادرنا الفاو ميميين وجوهنا إلى النجف الأشرف هاربين من القصف على مدينتنا , مدينة الموت والدمار.. أصبح لقاء أبناء بلدتنا يوميا وقت صلاة المغرب أو الظهر أحيانا في مسجد الخضراء الملاصق للصحن الحيدري الشريف الذي يصلي فيه آية الله السيد أبو القاسم الخوئي {قدسره},كانت الظروف التي تعيشها الحوزة العلمية قاتمة ومرعبة , اعتقالات ومداهمات وتسفير , بين البعثيون حقيقتهم ومعدنهم ومنبعهم وحقدهم ضد أهل البيت {ع} وعداءهم للدين والحوزة والعلماء الشيعة والطائفة عامة ,بما إني كنت هاربا من البصرة بسبب ارتكاب جريمة قراءة مقتل الحسين يوم عاشوراء سنة 80 في بداية الحرب في مسجد السهلاني بالأصمعي حينها حاول رجال الآمن القبض علي هربت من بيتي نحو النجف الأشرف.. كان العراقيون شيعة وسنة ممن يرى نفسه معاديا لأيدلوجية البعث, وله موقف مناوئ من الحرب والدمار والقتل , بالمقابل التأييد القلبي على الأقل للتجربة الثورية الإيرانية الإسلامية , كان يرى في العراق رمزا دينيا حوزويا له سلطة على القلوب هو السيد الخوئي رحمه الله..بدأت علاقتنا به عن طريق صلاة الجماعة, وأحيانا ننقل حاجة احد المؤمنين أليه للمساعدة المادية, عرفنا حينها السيد دقيقا في مراقبة الذين يصلون خلفه { ولعل القارئ يتساءل عن السر في ذلك} الجواب لا يمكن أن احتويه بالتعبير والكتابة إلا من خلال معايشة الظلم والتهم الحاضرة عند رجال الحزب والأمن والاستخبارات وغيرهم في تلك الفترة .. إضافة إلى بعض العملاء والوكلاء الذين تدسهم السلطات بين المصلين ...اذكر يوما في زيارة عيد الأضحى , الجامع مكتظ بالمصلين العرب والأجانب والزوار جاء معمم معروف من رجال السلطة يقيم الصلاة يوميا لشخصية علمية معروفة في الصحن الحيدري له علاقة بصدام والحزب,أراد إن ينادي بإقامة الصلاة بدلا عن الحاج عبد الحسين الخضار رحمه الله ,غير إن السيد رفضه وطرده من المسجد ,رغم تشبثه وعناده أن يقيم الصلاة , هذا المعمم مبعوث بالتأكيد من جهات أمنية غايتهم الإعلامية , انه بعد انتهاء الصلاة يدعو للقيادة والحزب وينال من السيد الخميني {قدسره} أمام المصلين ليبدو السيد الخوئي انه مؤيد لصدام وحربه ضد الجمهورية الإسلامية , بعد هذه الحادثة يبدو أن السيد اتخذ إجراءات وقائية للحد من هذه التصرفات اليومية ضده , بالاعتماد على بعض العناصر التي اطمأنت نفسه أليهم رغم خشيته عليهم , فوصلت إشارات من قبل العلماء الذين يصلون خلف السيد انه لا تسمحوا لأحد أن يأخذ مواقعكم الأمامية في الصلاة , وطلب من الشباب المؤمنين الصلاة في الصفوف الخلفية يتباعدون فيما بينهم , , ولا تسمحوا لأحد بقراءة الدعاء من غير المعروفين في المسجد... في يوم جئت لصلاة المغرب رأيت كاميرا كبيرة منصوبة بالجانب الأيسر من المحراب , واضوية كاشفة تملأ المسجد والمحراب بالذات ,بعد قليل جاءوا بالسيد الخوئي يحملانه سيد أيوب وحاج علي الأفغانيان - لأنه لا يستطيع السير إلا بمساعدة- , حين أجلسوه في المحراب كنت خلفه تماما في الصف الثاني , سمعته يسال حاج علي الأفغاني باللغة الفارسية , لم اعرف سؤاله لأني لا اعرف اللغة الفارسية , رد حاج علي على سؤاله, فهمت الإشارة انه بخصوص المصورين, أمر السيد أن يخرجوه من المسجد ويحملوه إلى السيارة ,رفض أن يصلي جماعة تلك الليلة , صلينا فرادا وكنت اعلم أن هناك قضية أفشلها السيد على الإعلام الصدامي , في اليوم الثاني عرفنا الأمر ,حين قرر صدام الاحتفال بيوم الشهيد ,اصدر أمرا للجوامع والكنائس في كافة أنحاء العراق بصلاة الغائب وقرع النواقيس في الكنائس لمدة خمس دقائق و يتوقف المرور والحركة في كافة أنحاء العراق , صلى عدد من المحسوبين على الحزب تلك الصلاة لصدام , كان يتمنى أن يحقق نجاحا إعلاميا من خلال التدليس والكذب على الناس بالوزن الثقيل , فأرسل هذا الوفد الإعلامي ليصور صلاة السيد الخوئي في مسجد الخضراء ويظهره في اليوم الثاني في نشرة الأخبار بعنوان رئيسي يقول :استجابة لأمر السيد القائد صدام حسين { السيد الخوئي يصلي على أرواح الشهداء صلاة الغائب} ثم يظهر الفيلم ويصدقه الناس .. واخبرني احد المقربين من السيد يوما بعد تجاذب الحديث عن المشاكل التي يلاقيها سماحته كل يوم بشكل متكرر ,قال هذه بسيطة ولكن لأذكر لك واحدة من العيار الثقيل , أيام اندلاع الثورة في إيران ,حيث يسقط يوميا عشرات الشهداء جاءت إلى العراق فرح بهلوي زوجة الشاه المخلوع لمقابلة السيد الخوئي.... بعد نزولها بالمطار,. توجهت مباشرة إلى النجف الأشرف مع وفد حكومي عراقي كبير اعد للغرض المهم في نفس صدام , يترأسه طه محي الدين معروف نائب صدام الكردي في رئاسة الجمهورية, حين وصل الوفد النجف الساعة 11 صباحا , كان السيد يعطي درسه اليومي في البحث الخارج لعدد من الطلاب , فجاءت فرح بهلوي ونائب رئيس الجمهورية والوفد المشترك -عراقي إيراني- إلى مدرسة دار الحكمة {كانت مقابل الصحن جهة محلة العمارة} جلسوا في صالة معينة وطلبوا من الخادم أبلاغ السيد بوصول فرح بهلوي والوفد المرافق ...!! كان الرد قويا وعنيفا عندما رفض مقابلتهم وإخراجهم من المدرسة , ووقع رئيس الوفد بإحراج شديد , ولكنه قرر أن يرد الصاع صاعين على السيد بأعنف من مقابلتهم .. قرر أن يذهب بالوفد كله إلى بيت السيد في الكوفة , حين انتهى السيد من الدرس والصلاة عاد إلى بيته كالعادة ليجد فرح بهلوي وطه محيي الدين معروف ووزير الأوقاف وغيرهم في داره , عندها جلس وسألها ماذا تريدين..؟ قالت أرسلني ولدك!!! محمد رضا يقول: الجهة الوحيدة في العالم التي يمكن أن تؤثر على الشارع الإيراني هو أنت .. واليوم الشباب يموتون والدم يهدر .. نريد فتوى منك أو بيان تحرم فيه الخروج على السلطة في إيران ويهدا الموقف وتسكن الثورة , فقال لها السيد ولكن الشاه لم يكن ولدي قبل اليوم , ولم يستشيرني حين يصدر الأحكام التي تتعارض مع الدين والمذهب , ثم إني لست سياسيا حتى أتدخل في شؤون بلد أنا لا أعيش فيه ولا اعرف ظروف الناس ... عرفت فرح بهلوي إن السيد لا يعطيها ما جاءت من اجله .. انفجرت الدمعة من عينيها وأجهشت بالبكاء , وهي تصيح { راح التاج والصولجان راح عرش الطاووس} فأشار السيد لخادمة أن يأتيه بطعامه وهذه رسالة للوفد أن يخرجوا فقد انتهت المقابلة .... فاتني أن اذكر أن السيدة بهلوي لم تؤدي مراسيم الزيارة للإمام رغم وجودها على بعد عشرة أمتار من صحن الإمام أمير المؤمنين {ع}
https://telegram.me/buratha