السيد حسين الصدر
زبانية الشر لا يعرفون أية خطوط حمراء يقفون عندها ، وانهم ليخوضون في غمار الباطل دون هواده ، تقرّباً من الحكّام ، واصطياداً لعطاياهم وهباتهم ،وفق معادلات ما أنزل الله بها من سلطان ،يحرّمون بها الحلال ، ويحللون الحرام ، ويرسلون الكلام على عواهنه دون توّرع ، لا بل يبتدعون من المفاهيم والأحكام ما تبرء منه شرائع الاسلام ..!!هذه الطبقه من فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين ، معروفة بمنطقها الرخيص، ومسالكها المعوّجه . ويخطأ من يعتقد أنَّ هذه الطبقة قد ولّى زمنها وانقضى انها موجودة في كل مكان ، وفي كل زمان .وفي كتب التاريخ والأدب ، حكايات وقصص تكاد لغرابتها ان تكون بعيدة عن التصديق يروي ابن عبد ربه الاندلسي في العقد الفريد ج1/60 ان الوليد بن عبد الملك سأل الزهري قائلاً :" ما حديثُ يحدّثنا به أهل الشام ؟يحدثوننا أنَّ الله اذا استرعى عبداً رعيّتَه كتب له الحسنات، ولم يكتب له السيئات "انّ هذا الحديث المفترى، يرخص للحكّام ان يعملوا ما شاؤا ، فليس ثمة من عقاب ينتظرهم على جرائمهم ، حيث لا تكتب عليهم السيئات ، وانما تكتب لهم الحسنات فقط ..!!وعلى هذا فأرواحُ الناس وأموالهم وأعراضهم ، طوع أيديهم في سلطة مطلقة لا يحدّها شئ .انّ البوّابات مفتوحة على مصاريعها أمامهم ، ليعملوا ما يريدون ويشتهون بلا رادع ،ولهم في ذلك الحصانة الكاملة في الدنيا والآخرة ...!!!وهل ثمة تحريف أوتخريف أكبر من هذا ؟!!انّ هذا هو المسخ الحقيقي لقيم العدل ، والتضييع الكامل لحقوق الناس ، الذين ليس لهم ازاء ما يملكه الحكّام من خيار غير القبول بما يصنعون.!وبالتالي فانهم يعيشون في غابات الطغيان والاستبداد والعبودية ، ويعانون ألوان الامتهان لكراماتهم وانسانيتهم ، على كل الصعد وفي مختلف المجالات .!!وحاشا لله سبحانه ان يأذن بظلم العباد ان الانسان هو الكائن المفضل على سائر المخلوقات ومن أجله خلق الله السماوات والارض وما فيهما ولقد كرمّه الله وأسجد له الملائكه وهو محور الاديان والحضارات كلها فكيف يُعقل ان يترك الحبل على الغارب للسلطويين ،ليفعلوا ما يحلو لهم بخليفة الله في الارض ،بعيداً عن كل الضوابط والحدود ؟!!والسؤال الآن :بماذا أجاب الزهري الوليد بن عبد الملك ؟هل داهن أوصانع أم أنه جهر بالحقيقة ؟والجواب :انه أكدّ على بطلان ذلك ،ووّجه للسلطان سؤالا قال فيه :" أنبيُّ خليفة ، أكرمُ على الله أم خليفةٌ غيرُ نبيّ ؟قال الوليد :بل نبيٌّ خليفة قال الزهري :فان الله تعالى يقول لنبيّه داود ( عليه السلام ) :( يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله .انّ الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نَسوا يوم الحساب )فهذا وعيد .. لنبيّ خليفة ، فما ظنّك بخليفةٍ غير نبيّ ؟قال الوليد :ان الناس ليغووننا عن ديننا "ان الوليد وأضرابه ،لايضربون بكلمات الأفاّكين عرض الجدار رغم تناقضها مع القرآن ، لأنها تسوّغ لهم الحكم طبقاً لأهوائهم وشهواتهم ، وتتيح لهم أشباع ملذاتهم دون حساب ولو كان الوليد قد أدرك بطلان تلك الأقاويل لما سأل الزهري عنها .وهكذا يُطّل الزيف برأسه ، وتنقلب القيم والموازين .ألم يكتب الطاغوت المقبور بدمه القرآن الكريم ؟أليس الدّمُ من النجاسات ؟فكيف تُكتب به آيات الله البيّنات ؟!!ولماذا التزم علماء السوء بالصمت ازاء هذه المفارقة الكبرى ؟انهم عملياً يجيزون للطواغيت ما يريدون ، ولكنهم يقلبون الدنيا على رؤوس البائسين المستضعفين ؟وتلك هي الدناءة في أبشع صورها .واليوم ، وقد انطلق المارد العربي في ما سُميّ " بالربيع العربي " لينهي - والى الابد - اسطورة التحكّم في مصائر الشعوب ويطيح بالعروش المستبده ، تفاجئنا أصوات نشاز في أقدس بقاع الاسلام تحرّم على الناس المظاهرات للمطالبة بحقوقهم ورفع الحيف عنهم ، في موقف منحاز للحكام الجبابره على حساب المظلومين .ان التظاهرات السلمية التي تنطلق للتعبير عن حاجات مشروعة ، مكفولة للمواطنين ، في سائر الشرائع والاديان والقوانين، فما معنى هذا التحريم البائس الذي لايستند الى دليل ؟!!ألم يحرّم بعض الدجالين العمليات الاستشهاديه في الارض المحتله ضد الصهاينه ويحللها في العراق ضد المسلمين ؟ان الفتاوى المنحازه التي تصدر باسم الاسلام - والاسلام منها بريء- هي احدى الوسائل الفتّاكه التي تدعم الطغاة ،وتفّتُ في عضد الجماهير، وانها مجرد فقاعات في مستنقع الدجل والزيف ، ولا تأثير لها مع تنامي الوعي ،وبزوغ فجر الصحوه، والتصميم على صنع تاريخ جديد لامتنا المجيدة .
https://telegram.me/buratha