السيد حسين هادي الصدر
من التاريخ الى الجغرافيهالمسؤول وهموم المواطنليست مطالعةُ كتب التاريخ والأدب ملهاةً للقراّء ، تستهلكُ أوقاتهم ، دون ان تعود عليهم بالكثير من المردودات الايجابيه ، واقتطاف ثمار التجارب السياسيه والاجتماعيه ، انها بساتين العلماء والمفكرين والأدباء وفيها الشهيّ اللذيذ لمحبي العلم والمعرفه والثقافه والأدب .انّ السلطويين اليوم ، قد يغفلون عما تخلفه الحاجة من مشاعر ملتهبه في نفوس الضعفاء والفقراء ولكنّ هذه الغفلة مرفوضة بكل المعايير ، بمعايير الأرض والسماء .لماذا ؟لان أول واجبات المسؤول هي العمل (بتفانٍ واخلاص ) من أجلهم ، وكيف تجتمع الغفله عن آلام الفقراء والجياع مع تلك المسؤوليه الكبرى المناطه بأعناقهم ؟انه الاختيار الصعب الذي لايفلت منه المسؤولون جميعاً.ولا نذيع سراً اذا قلنا :ان هناك أرتالاً من العاطلين المتلهفين للعثور على أعمال تفضي بهم الى سداد الحاجة واطفاء سعار الحرمان انهم ليسوا جميعاً من نمط واحد :فهناك الجامعيون وأصحاب الشهادات العاليه .وهناك الذين لم تُتح لهم الظروف مواصلة دراساتهم والى جانبهم أرقام ضخمة ممن لم يذق طعم العلم من قريب أو بعيد ، ولكنه على أية حال مثقل بالاعباء والتكاليف الحياتيه والعائليه ...ان الاحصاءات تشير الى ان سبعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر وتشير أيضا الى وجود بطالة كبيرة تُطالب بمشاريع استيعاب ولم تسمع ما يشفي غليلها من جواب ..!!ان الانصاف يقتضينا القول: بان المستوى المعاشي لملايين العراقيين قد ارتفع عمّا كان عليه أيام الدكتاتوريه البائده ، ولكّن هذا لايعني أننا قد فرغنا من حلّ كل المشكلات الراهنه ومن المفيد هنا ان ننقل من التاريخ هذه الحكاية :(ان المأمون أشرف يوماً من قصره ،فرأى رجلاً قائما وبيده فحمة ، وهو يكتب بها على حائط قصره )ومن هنا نعلم ان الكتابة على الجدران ليست ظاهرة جديدة .......والكتابه على الجدران ، تُستخدم في الكثير من الاحيان كوسيلة لابراز الاحتجاج على السلطة أو مطالبتها بانجازات مٌعيّنه وهذا ما خشى منه المأمون ،وأصدر أوامره بالقبض على الرجل ، ومعرفة ما كتبه وهكذا كان .وحين قُبض على الرجل ، وجُد أنه كتب - في جملة ما كَتَبْ - "ياقَصرُ جُمّعَ فيكَ الشوُمُ واللومُ متى يعشش في أركانك البُومُ"والبوم انما يعشش في الخرائب اذن فهي دعوة من أجل ان يعود هذا القصر المنيف الشامخ ،خراباً وتراباً ، ليكون مجمعاً للغربان ، وسببا لان تكثر من أصحابه الهموم والاحزان ولقد اقتيد الرجل الى المأمون ، ولم تنفعه محاولتُه للأفلات من قبضة المُمسِك به ...وحين وقف أمام المأمون ، بادره المأمون بالسؤال قائلاً :" ويلك ما حَمَلَك على هذا " ؟فقال :" يا امير المؤمنين :انه لن يخفى عليك ما حواه قصرُك هذا من خزائن الاموال ، والحلي ، والحُلَل، والطعام ، والشراب ، والفراش والأواني ، والامتعه والجواري والخدم وغير ذلك ، مما يقصر عنه وصفي ويعجز عنه فهمي .واني يا امير المؤمنين :قد مررتُ الآن عليه ، وأنا في غاية من الجوع والفاقه - فوقفت مفكّرا في أمري ، وقلتُ في نفسي :هذا القصر عامر عال ، وانا جائع ولا فائدة لي فيه ، فلو كان خراباً ، ومررتُ به لم أعدم منه رُخامةً أو خشبةً أو مسماراً أبيعُه وأتقوت بثمنه أو ما علم أمير المؤمنين ما قال الشاعر ؟قال المأمون :وما قال الشاعر ؟قال :اذا لم يكن للمرء في دولة امرئٍ نصيبٌ ولا حَظٌّ تمنى زَوالَـــــــها وما ذاك من بُغضٍ لها غيرَ أنَّه يرّجي سواها فهو يهوى انتقالَهافقال المأمون :أعطه ياغلام ألف دينار ثم قال له :هي لك ، في كل سنه ، مادام قصرُنا عامراً بأهله "ولا بد أن يُلاحظ هنا :1 - لم يكن الوصول الى قصر الحاكم صعباً أو عسيراً ، فليست هناك أمامه حواجز وموانع ،بينما ، أحيطت بيوت المسؤولين اليوم بالحواجز المانعة من وصول المواطنين اليهم ..!!نعم ان بيوت المسؤولين لا تحوي ما كان يحويه قصر المأمون من خزائن لأن أموالهم مودعة في البنوك وليس في البيوت ..!!وفي مصارف اجنبيه خارج البلاد ...!!!2 - ان " الحاكم " استخدم مع (المواطن) الناقم ،لغة الحوار بعيداً عن ايقاع اي لون من ألوان العقوبة والايذاء في حين ان الشكوى اليوم كبيرة من حمايات العديد من المسؤولين ، ومن دون ان يَكْتب المواطنون ما تُشم منه رائحة النقد اللاذع .ان سعة الصدر من أجمل الصفات ، وهي مطلوبة من الحكّام بدرجة أكبر 3 - ان النقد اللاذع من قبل المواطن للحاكم ، نبّه الحاكم على ضرورة معرفة أسبابه ، وحين وقف عليها ، سارع الى ايجاد الحلّ ومن دون تأخير. والسؤال الآن :لو ان مواطناً عراقياً واجه احد المسؤولين الكبار بمثل ما واجه به الرجلُ المأمونَ هل يلقي منه ما لقي الناقد ؟وهنا مواطن العبره اننا ندعو الى ان تكون العلاقه بين (المسؤول ) و (المواطن) علاقة حُبّ وتفاهم ، وتواصل وتكافل وهذا هو التقدم الحضاري في أروع صوره وألوانه كما أنه الحلّ الحقيقي لمعظم ما تشهده الساحة من احتقانات وأزمات
https://telegram.me/buratha