علي حسين غلام
تتنوع الثقافات بتنوع المجتمعات والشعوب، والثقافة العربية الإسلامية لها بعض المميزات والخصوصيات وإن كان هناك تباين في بعض الثقافات الفرعية للبلدان، أذ كانت للحضارة العربية والأسلامية يوماً ما هالة في النفس الإنسانية عامة أذ وصفت في مقدمة الحضارات الأخرى، كما إن التاريخ وبعض المؤرخين الغربيين سجلوا بفخر وإعتزاز تلك الإنجازات والنتاجات المعرفية والثقافية، ولو ظل ذلك الإزدهار والتقدم متصلاً منذ ذلك العصر الذهبي وحتى يومنا هذا لكنا قد سبقنا العالم في هذا المضمار الى حد يصعب أن يلحق بنا الآخرون، وكانت للحضارات الأخرى آثار طيبة كذلك إقتبس العرب المسلمون منها ما يتناسب وعقيدتهم وثقافتهم. إن تقدم التقنيات التكنولوجية وتعدد أدواتها ووسائلها جعلت الثقافات الضحلة والرديئة والناقصة فكراً وهدفاً تدخل مجتمعاتنا من هذا الباب، حيث هناك أرضية خصبة لتقبل هذه الثقافات طالما أصبح التكوين النفسي والذهني للأنسان العراقي مضطرب إجتماعياً وإقتصادياً في ظل تداعيات الأحداث والظروف القاسية والصعبة السابقة والحالية والتي هدمت جوهره وفتت أحاسيسه وملكته الطبيعية، جعلت البعض يستسلم لهذا القدر القاهر لايجد نفسه سوى فرد صغير أعزل مسلوب الأرادة، يحاول الهروب من هذا الوضع بأتجاه البحث عن وقت مستقطع من السكون والهدوء حتى ولو كان ظاهرياً للتنفيس عن الإحتباس النفسي من خلال مشاهدة المسلسلات المدبلجة الرديئة والهابطة فنياً وأخلاقياً، وهذا يعني إنحلال الروابط التي أبقت معنى للثقافة بوصفها عملية لتطوير العقل والروح والجمال والذوق لأكتمال الأنسان، وبالتالي الغرق في الأوهام والخضوع والإنقياد لتلك الثقافات الهدامة التي تلد السعادة السوداء التي ستتحول تدريجياً الى شرور وآفات تخرب سلوك وتسيب أخلاق أفراد الأسرة إبتدءاً وتدمرالمجتمع وتفككه صعوداً وتجعله في وضع مأزقي عاجز عن الوقوف ضد هذه الثقافة المهيمنة في الوقت الحاضر وضعيف بالدفاع عن الموروث الثقافي والعقائدي، إن الثقافة وسيلة للحفاظ على القيم الأخلاقية النبيلة وفي نفس الوقت وسيلة للقضاء على التخلف والعيوب، وعلى المؤسسات الثقافية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني أن تكون قوة تطويرية في كافة المجالات وأن تأخذ الأنسان العراقي بعين الإعتبار كونه العنصر الأساسي والمحوري في أي خطة تنموية مهما كان ميدانها، تمس تغييره ونظرته الى الأمور ووضعه في الإطار الصحيح لترسيخ القيم والمبادئ الإنسانية ونادر ما يحدث مثل هذا (لإنشغال هذه المؤسسات بقضايا أخرى)، على هذه المؤسسات أن تضع الحواجز والمصدات الفكرية التي تعرقل وتفضح وتمنع من مرور الثقافات الوافدة السيئة التي تؤثر وتسيطر على وعي وشعور الأفراد وتجعله مطيّةً ليحمل بضاعة فاسدة، تفسد النفوس وتسمم الأفكار وتتخم العقول بالتقليد الأعمى، وعيلها إيضاً أن تعمل على مصرعتها ومقاومتها وفق منهجية أدبية وعلمية وعملية ليرتبط هذا الدفاع إرتباطاً شديداً بالحفاظ وصون الهوية الثقافية والإنتماء الإجتماعي والعقائدي، وحتى لاتموت الحضارات والثقافات لابد من التقدم والإبداع والإرتقاء بها بشكل يمتزج في الموروث التاريخي القيمي والثقافي مع المعرفة والحداثة.
https://telegram.me/buratha