حمودي جمال الدين
يرى بعض الدارسون لطبيعة المجتمع العراقي والتركيبة النفسية لإفراده‘‘ من أنهم معارضون بطبعهم ‘صعبي المراس‘ أقوياء العريكة ‘جدليون ‘يطغى عليهم النقاش في أساليب تعاملهم مع الآخرين‘‘ومن المتعذر ترويضهم بسهولة وسلاسة.فهم لا يتقبلون فكرا أو رأيا يفرض عليهم قسرا وبإكراه‘ قد تفسر هذه النوازع والصفات التي يتميز بها الفرد العراقي عن باقي المجتمعات العربية والاسلاميه ‘من انها هي التي خلقت حرية التفكير‘ ووضوح الرؤية‘ والشفافية في المفاهيم‘ والأفكار‘ بعيدا عن التحجر والجمود‘ لهذا لاقت المعتقدات والأديان السماوية صعوبة في التقبل‘و الأداء ‘والتطبيق‘ في بداية دخولها ارض العراق ‘وهذا مايؤكد ظهور وبروز المذاهب السياسية والفقهية والفكرية في العراق ‘وانتشارها منه إلى بقية الأقطار والأمصار ‘كالتشيع ‘والمذاهب الفقهية الاربعه‘ والمعتزلة ‘والقرامطة ‘والخوارج ‘والعيارين ‘وغيرها الكثير من الأحزاب والحركات .وما نشهده من تشظي‘ وانشطار‘ في صفوف أحزابنا ‘وتكتلاتنا‘ العاملة اليوم‘ إلا امتداد لهذه الطبيعة التي جبل عليها المجتمع العراقي‘ وإفراده‘ فعلى الرغم مما عرفت به الأحزاب السياسية العراقية ‘ من صرامة في التنظيم‘ ومن حبك‘ ورصانة وضبط‘ وطاعة للأوامر‘ والتنفيذ‘ ومن فسحة للحوار‘ وتداول الرأي‘ انسجاما مع أطروحاتها الديمقراطية‘ وفي دساتيرها الداخلية‘ إلا انها ظلت دائما عرضة ومسرحا للانشطار‘ والانقسام‘ حتى وصل البعض منها إلى عدة أجزاء‘متخاصمة متنافرة ‘تحمل خصوصيات مختلفة عن الفصيلة إلام .قد يشكل هذا التباين في الرؤى‘والمفاهيم ‘واختلاف الامزجه ‘والدوافع الذاتية والمنهجية ‘دورا تتمحور حول أسبابه هذا التشرذم‘ والانقسام ‘للأحزاب السياسية.لكن تظل تركيبة النفس البشرية العراقية الرافضة للهيمنة والخنوع والتحجر والتقولب والتعليب والانشداد الى التجديد والتغير هي حجر الأساس في هذا التفريخ والتشظي.فضلا على ان اغلب الأحزاب والكيانات مرهونة بقائدها‘ أو رمزها المؤسس‘ والذي غالبا ما يحتكر السلطة والتفرد بالقرار لنفسه ‘ويهمش الآخرين ويستعلي عليهم‘ وبالأخص المستويات الدنيا من الأعضاء ,فيختزل الحزب بشخصه دون الآخرين‘ مما يبعث على التململ والضجر الذي يولد التمرد‘ والخروج ‘عن طاعة الحزب وقائده وبالتالي التكتل والانشقاق ‘في تشكيل حزبا آخر قد يأخذ اسما مغايرا للأصل إلا انه في الحصيلة النهائية ينتهج نفس المبادئ ‘والأساليب التي يسلكها الأصل .وهذا ما يستدل عليه من إن اغلب الأحزاب العاملة في الساحة ألان‘ تتقمص نفس المبادئ والأجندات والتوجهات‘ وحتى الأسماء‘ والانكى من ذلك إن بعضها يرفع شعارات‘ وقيم حزبيه سياسيه‘ دخيلة وخارجه على ثقافته‘وأيدلوجيته ‘ وفكره التنظيمي والسياسي الذي ترسخ في أذهان وعقول منتسبيه‘وما عليه إلا انه يركب الموجه ‘متماشيا مع ما يتطلع إليه جمهور العراقيين ‘حتى لا تفلت من زمامه بريق السلطة وما تدره عليه من امتيازات ومنافع .ولم تكن هذه الظاهرة من التشظي‘ والانشطار‘ الذي يعم وينتشر في ساحتنا السياسيه ‘ وليدة يومنا‘ لكنها امتداد وعدوى نقلناها من المعارضة السابقة للنظام ألصدامي البغيض‘ إلى السلطة الحالية.‘ والذي عاش تلك المرحلة يستطيع إن يتلمس هذه الظاهرة دون عناء‘ والتي كانت تستفحل وتستشري‘ في مواسم التسخين السياسي‘ بفعل المؤثرات والعوامل الخارجية ‘ الدولية والاقليميه‘ وولوغ القضية العراقية على واجهة الإعلام ‘حيث تنشط ‘وتحرك غرائز الناس ‘وكوامنهم المكبوته‘ للظهور بهذه التشكيلات والتقليعات ‘التي لا يراعى بها التقيد بالمقومات‘ والشروط الواجب توفرها في كل حزب وحركه‘ قبل الشروع بالانقسام والعمل..وإذا ما تغاضينا عن بعض القوادم والإمكانيات المتعارف عليها‘ في تشكيل الحزب‘.لكن يبقى هناك شرط أخر لا يمكن تغافله والاستهانة به‘ وهو القاعدة الجماهيرية‘ والركيزة الاساسيه‘ التي تشكل الارضييه والحجر الأساس‘ التي يبنى عليه الحزب ‘والتي يستمد منها قوته ‘وصلادته ‘وديمومته وقدرته على التفاعل ‘والمشاركة في الانشطه والفعاليات السياسية الأخرى‘ وعلى ضوئها يقاس حجمه ومكانته ‘وبالتالي يكسب المصداقية وثقة الجمهور به ‘ولكن الحاصل فعلا مغاير لذلك.فقد يحلو للبعض إن يدير اجتماعا من داخل بيته‘ يظم عائلته وبعض أقربائه‘ ويعين نفسه قائدا أو أمينا عاما ‘ ويختار احد أقاربه ناطقا رسميا ‘ ثم يصدر بيانا يعلن به عن تشكيل الحزب ومبادئه وأهدافه‘ والتي لا تختلف كثيرا في مضمونها عن بقية الأحزاب والحركات العاملة‘ ويبث بيانه التأسيسي من على وسائل الإعلام المختلفة‘ وما أكثرها اليوم وطالما الدفع مجزي والإمكانيات لديه وفيرة ‘وبهذا يكون مشكورا قد أضاف رقما حسابيا جديدا للقائمة العريضة التي تغص بها الساحه السياسيه العراقية اليوم ‘والتي تفوق على 500 حزب وحركه سياسيه. والعمل الوطني ليس حكرا على شخص‘ أو حزب دون أخر‘ وميدان العمل سمح ‘و مفتوح لكل من يجد في نفسه ألقدره والتواصل عليه. على ان لا يغيب عن ذهنه انه لم يعد في حزب او حركة سياسية معارضه مشتتة التركيب والأهداف والرؤى تنطلق بفعالياتها من الخارج لنظام مناوئ لها .بل يعمل في نظام دوله لها كيانها ونظامها‘ ودستورها وقوانينها‘ ووفقا للضوابط ‘والشروط التي تقرها اللوائح والأعراف السياسية الحزبية‘ على إن يكون صادقا في وطنيته‘ ومخلصا لشعبه متفانيا في تقديم خدماته لوطنه‘ مغلبا مصلحة وطنه على الأنا والمصلحة الذاتية في سلوكياته وأهدافه .فيكفي هذه الساحة تمزقا وضياعا‘ وتشتتا‘ لكثرة هذه المسميات من الأحزاب‘ والتكتلات التي تمعن بنا تمزيقا وهشاشة‘ وضعفا ‘فتنخر في لحمتنا‘ وتفكك وشائج نسيجنا ‘ووحدتنا ‘وتسمح لكل من هب ودب التدخل في شئننا ‘وفرض هيمنته واملاآته علينا‘ وما الدم المراق والفواجع المروعه التي يدفعها شعبنا إلا ضريبة لتبعيتنا وتمزقنا ‘وضمور الشعور والحس الوطني في نفوسنا .
https://telegram.me/buratha