حافظ آل بشارة
مؤتمر القمة العربية المرتقب في بغداد ، اول قمة تعقد بعد تطورات الربيع العربي الخطيرة ، خمس حكومات عربية جديدة ستحضر المؤتمر ، الانظمة الجديدة مستعدة لتقديم ثمن لحضورها لانه فرصة لتعريف نفسها ، أما الانظمة العربية القديمة فبعضها يريد ثمنا لحضوره في القمة ! مازالت بعض العواصم مستعدة للوقوع ضحية للقراءات الخاطئة لما يدور حولها ، نوع من الادمان لا علاج له . السلوك الخليجي مع قمة بغداد يلفت اليه الانظار ، ما يثيرونه من غبار يتطلب استعراض الاسلوب الخليجي في التعامل مع الآخر العربي والاجنبي والجار والحليف والمنافس ، على ان وضع دول مجلس التعاون كلها في قائمة واحدة خطأ آخر ، فالاجندة الكويتية او الاماراتية قد تبدو معتدلة بمقارنتها بالاجندة السعودية ، فيما تتولى قطر دورا آخر ، ويتفاقم انغلاق البحرين وتوترها فيما تحاول عمان الخروج من عزلتها ، السعودية تحاول التحدث باسم الجميع فتبلور خطابا محملا بطلباتها وطموحاتها ونظرتها الفوقية ، نظرة غرور تنطلق من فراغ في المحتوى السياسي ، المنظومة الخليجية خالية من اي اطار فكري او استراتيجي وليس لديها سوى النمو الاقتصادي الهائل الذي لا يتناسب مع مستوى النمو في المدرسة السياسية وما يسمى باديولوجيا الدولة ، فالشكل السائد هو شكل الحكم القبيلي المعروف ، النهضة الاقتصادية الخليجية عمرها نصف قرن وقد ارتكزت على المحفظة النفطية ومدخراتها الهائلة التي عجزت عن توظيفها ، وكانت لوقت طويل تودع في مصارف الغرب وقد بدأ الاستثمار الخليجي متأخرا واحادي الجانب ، كان عملا متسرعا حيث تتولى الشركات الاجنبية تنفيذ مشاريع اعمارية وتجارية بدون تأسيس قواعد محلية لتطوير الموارد البشرية وقواعد التنمية الشاملة الحديثة القادرة على الاستقلال بذاتها والاستمرار ، مفاتيح النمو الخليجي بأيد أجنبية ، لذا كانت اموال النفط عنصرا وحيدا في تقوية الدور السياسي لدول مجلس التعاون وليس النموذج الاقتصادي او السياسي النوعي العالمي او الاقليمي المنافس ، انعكست الاحادية الاقتصادية عندهم على طريقة تفكيرهم السياسي ، طموحاتهم كبيرة لكنها عشوائية ومندفعة وغير مستندة الى رؤية مستقبلية او توازنات على الارض ، الخليجيون لديهم حضور في جميع الازمات فقد تدخلوا في ليبيا ومصر وتونس واليمن وسورية والعراق والقضية الفلسطينية ، ولكن جميع اشكال هذا التدخل كانت غير مثمرة ، بل انتجت اضرارا فادحة اصابت الدول التي تدخلوا في شؤونها ، واصابتهم ايضا ، حتى يبدو احيانا ان دول مجلس التعاون لا تشكل خطرا على أحد بل تشكل خطرا على نفسها فقط ، هي متوجسة دوما من خط احمر امريكي تشعر به حاضرا في جميع الملفات فلا تتعداه ، بلوغ الطموحات الكبرى يحتاج الى تفكير ستراتيجي وحرية تصرف وكلاهما مفقود في الخليج ، لذا اسفر تدخلهم في قضايا كبيرة عن نتائج معاكسة وعثرات خطيرة ، اولها التدخل العسكري في البحرين الذي فسر خارجيا على انه احتلال سعودي بطابع طائفي لدولة ذات سيادة ، وثانيها استعداء ايران واستفزازها وكأن الموقف الخليجي مجرد صدى للموقف الامريكي الاسرائيلي المعادي لايران لاسباب تخص الاطراف الثلاثة ، ومثل هذه الخصومة تثير حساسية شعوب المنطقة لاعتبارات تتعلق بوحدة الدين والجوار ووحدة المصالح وسمعة اسرائيل السيئة في العالم . وسط هذه الأجواء والمعطيات تقدم العواصم الخليجية رؤيتها لمؤتمر القمة في بغداد من خلال مؤتمر صحفي لوزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل الذي ربط قطار القمة بعربات اضافية ثقيلة وصدئة منها وجوب انجاز العراقيين حالة التوافق التام وحل خلافاتهم وهو تدخل بالشأن الداخلي العراقي ، والمقصود المؤتمر الوطني الذي يلح اصدقاء الرياض في بغداد على عقده قبل القمة ، ثم مصير النظام في سورية وتلميح باتهام بغداد بالوقوف مع الاسد ضد معارضيه واتهام الفيصل الاسد بقتل الشعب للبقاء في السلطة ولم يتهم ملك البحرين الذي تصرف بالطريقة نفسها مع شعبه بدعم سعودي ، فالدم السوري عندهم اغلى ثمنا من الدم البحريني ! ثم انتقاد ايران ومواقفها وربطها بالموضوع ، الريادة الخليجية في المنطقة يلزمها اعتدال اكبر وتفكير هادئ وابتعاد عن التوتر ، فالشعوب تبحث عن جهة منقذة تقف على مسافة واحدة من الجميع وتسمي الاشياء باسماءها ، مهما كانت شروط ضيوف القمة المقبلة فانهم مدينون لها لانها ستعطيهم اكثر مما تأخذ منهم ، فهم ما بين نظام قديم يحتاج الى دفاع عن نفسه امام موجة الربيع العربي التي تكتسح الجميع ، ونظام جديد يريد ان يثبت ذاته في اول اجتماع عربي كبير بعد التغيير .
https://telegram.me/buratha