احمد ماضي الفريجي
في ظل الأوضاع السياسية المتوترة التي شهدها البلد خلال السنتين الأخيرتين، برزت حالة أخذت طيفا واسعا من تطلعات أبناء العراق، بصرف النظر عن التوجه السياسي والانتماء المذهبي والعرقي، هذه الحالة تتمثل بالاتجاه نحو إقرار لامركزية " فيدرالية" تعطي للمحافظة او الإقليم حقوقا قد لا تعطيها المركزية ودولتها الاتحادية. وقد برزت هذه الرغبة الشديدة في عدد من المحافظات التي عللت ذلك بأن النظام المركزي الحالي بكل أدواته وإمكانياته التي كان من المفترض أن تكون عادلة ونزيهة وتمنح الحقوق لكل ذي حق، بنظرة ليست دقيقة للواقع الخدمي بعديد المحافظات العراقية تجد ان الحاجة الى اللامركزية قد تكون ضرورة لابد منها لإصلاح ما أفسد وترميم ما دمر طيلة سنوات مضت، على ان الدعوات لإقامة فيدراليات ليست وليدة اليوم ولم تأت من فراغ فقد سبقتها دعوة كان لها السبق في استشراف وضع البلد ومعرفة ما يحتاجه دون أن يقع المحذور ويصبح ما كان مطلبا واقعيا يحل مشكلات الناس الى حاجة اضطرارية يلجأ اليها القيمون على البلد ربما حقنا للدماء او دفعا لمفسدة.المجلس الأعلى دعا مبكرا لاقامة الفيدرالية واعتبره نظاما حديثا لإدارة الدولة ذات الاعراق والطوائف والاثنيات المختلفة، هذه الدعوة جاءت في وقت كانت فيه الغالبية الشيعية المتمثلة بالائتلاف العراقي الموحد تشغل أكثر من نصف مقاعد البرلمان ما يعني ان الدعوة لاقامة هكذا نظام انطلقت من موقع القوة وفي ذلك إشارة الى ان الدعوة كانت تحاكي حاجة ماسة صميمية تلبي طموح المواطن وتتناغم وتطلعاته. ولا شك ان عزيز العراق (قدس) الذي طالب في أكثر من مناسبة ودافع عن فكرة إقامة الأقاليم كان ينظر بعين الأب الذي تعرف الى مواطن الضعف في النسيج العراقي والعدد الكبير من المشاكل التي ستواجه العملية السياسية العراقية وأسس لفكرة الأقاليم التي ستكون مستقبلا الحل الناجع والناجح الذي يتطلع اليه كل عراقي كما هو الحال في الوقت الراهن. لقد كان لهذه الدعوات ردودا مختلفة كان الواضح منها يتعامل مع الحدث بسطحية دون الالتفات الى أهمية منح المحافظات صلاحيات واسعة من شأنها ان ترتقي بواقعها الخدمي والتعليمي والاجتماعي، ان الرافضين لمشروع الأقاليم الذي يتبناه المجلس الأعلى بالأمس باتوا اليوم أشد الحاحا من غيرهم ممن لم يرفعوا أصواتهم بالرفض آنذاك، فقد تيقنوا أن اللامركزية ستضفي للعمل الخدماتي والبلدي طابعا من الشفافية لا يمكن ان يتوافر تحت خيمة المركزية التي جربها العراقيون دون أن يلمسوا تغييرا وان كان طفيفا نحو الأفضل، وقد عرف ذلك القاصي والداني بل كان على رأس الداعين الى الأقاليم هم الرافضون لها وسرعان ما تغيرت اللهجة وعاد ما كان محرما بالأمس مشرعا اليوم، وما كان دعوة لـ " تقسيم" البلاد ضرورة ملحة فيها النجاة من الظلم وتحقيق المطالب التي يبتغيها الشعب.لقد كانت طروحات المجلس الأعلى الإسلامي العراقي دائما محط اهتمام المتابعين والمراقبين لاسيما على الصعيدين السياسي والخدمي ولعل إقرار قانون الأقاليم في الدستور وجعله قابلا للتطبيق كان هدفا ساميا استطاع تيار شهيد المحراب السعي لأجله ومنح العراقيين فرصة لبناء مدنهم ومحافظاتهم بمستوى ما وجد في العالم.
https://telegram.me/buratha