حميد الموسوي
كثيرا ما يلجأ المتحاورون والمتجادلون والمتناقشون وحتى المتشاتمون- عندنا- في جلساتهم الخاصة والعامة، ومقاهيهم ونواديهم ومحافلهم ومكاتبهم وأماكن عملهم وتسوقهم وحتى في سيارات النقل العام والخاص، خلال سجالاتهم التي تبدأ بساكن ولا تنتهي عند متحرك، وعند الحديث عن أمر من الأمور والأحداث اليومية المتوالية "العددية والهندسية والتصاعدية" وسلبيات مفرداتها.. وما أكثرها- يلجؤون مباشرة لمعزوفة النشاز المثيرة للقرف المؤججة للنزاع فيعقدون مقارنتهم المعهودة: "قبل أحسن لو هسه".. "فلان مو أحسن من فلتان؟!". وعندها يتفجر الموقف ويحتدم الشجار وتتعالى الاصوات وتتشنج الأعصاب ويرتفع دخان السجائر كثيفا لتبريد التوتر وتحلية حلبة النقاشات العقيمة التي لا تقدم ولا تؤخر ولا تأتِي بخير بل تزيد المتحاورين تشبثا بآرائهم واصرارا وعنادا على التمسك بمواقفهم حتى وإن برهن الطرف المقابل على خطئها.ولا أدري لماذا تحتم على العراقيين- من دون خلق الله- ان يوضعوا في دائرة اللاخيار ويرضو بخيار واحد فيحشرون بين فكي: السيء والأسوأ.. المر والأمر.. وبين الرمضاء والنار!:الإرهاب ومفخخاته أمامكم- والمقابر الجماعية والحروب وراءكم، الخطف والقتل والتهجير أمامكم- والكبت والحرمان والطغيان وراءكم، الفوضى والاضطراب امامكم- والتعسف والدكتاتورية وراءكم.تُرى من الذي تسبب في إخضاعهم لمعادلة "الغزال والأرنب" المجحفة والتي جعلت الارنب حصتهم على مر الدهور وتعاقب الممالك والعصور؟!.. حتى صارت حالة مألوفة وقانونا عرفيا وامرا مفروغا منه يمارسونها مقهورين ويتقبلونها على مضض؟!.. وحتى لا نذهب بعيدا في مسلسل اللاخيار المفروض نبدأ بأوسط الحلقات: العباسيون امامكم- والامويون وراءكم، العثمانيون أمامكم- المغول والفترات المظلمة وراءكم، الانكليز امامكم- وفرمانات السلاطين وخوازيقهم وراءكم، ملوك الانتداب امامكم- والمحتلون ومندوبهم السامي وراءكم، الجمهوريون العسكريون امامكم- والملوك المصونون وراءكم، الـ... امامكم- والـ... وراءكم،والفوضى الخلاقة امامكم- والدكتاتورية المستبدة وراءكم.لا شك ان قسوة وجور الحكام المتسلطين وأساليب زبانيتهم المتوحشة في التعامل مع العراقيين طيلة تلك القرون السود فعلت فعلها في نفوسهم الطيبة البسيطة وجذرت فيها مفاهيم مغلوطة تناقلتها الجينات وتوارثتها الأجيال المحرومة!. والذي يجعل من ظهره قنطرة فيجب عليه ان يتحمل "الدوس"!.
https://telegram.me/buratha