جميل الهادي
قرأت ذات مرة حكمة تقول }ليس الحكيم من يتخذ الخيار الصائب إنما الحكيم من يجد ذالك الخيار عندما يكون معدوما { ولكي نوضح المقصد من هذه الحكمة هناك قصة في كتابنا المقدس تتحدث عن أهل قرية لم يلتزموا بإرشادات وأوامر نبيها والتي تحقق لهم لو طبقوها والتزموا بقوانينها خير الدنيا والآخرة ..ويروى في تفسير هذه القصة إن هذا النبي المرسل وبعد أن ضاق ضرعا بأهل هذه القرية وعنادهم في مخالفة أحكام السماء استشار أصحابه وكانوا اثنان احدهم عالم والآخر عابد عن الخيار الذي يتخذه بحقهم فأشار عليه العالم بالاستمرار في دعوتهم إلى طريق الخير والصلاح وان كان هذا الخيار اتعب وأصعب في حين أشار عليه العابد بأن يدعوا الرب عليهم بنزول العذاب لاستحالة هدايتهم إلى طريق الخير والصلاح فقرر النبي إن يدعوا عليهم عندها خرج مع صاحبه العابد من بين ظهرانيهم، ومن المفارقات العجيبة ان اهل تلك القرية كانوا يصدقون نبيهم في قرارة انفسهم لكن بنفس الوقت كانوا يخالفونه وبعد ان تحققوا من نزول العذاب بهم، قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم، وجاءوا إلى العالم طالبين النصح فامرهم بلبس المسوح وان يفرقوا بين كل بهيمة وولدها والام ورضيعها ، ثم عجوا إلى الله عز وجل وصرخوا وتضرعوا إليه، وتمسكنوا لديه، وبكى الرجال والنساء، والبنون والبنات والأمهاب، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي، وفرغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة، فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب، الذي كان قد اتصل بهم بسببه، ودار على رؤوسهم كقطع الليل المظلم ..وللقصة بقية لكننا اقتصرنا على ما نريد توضيحه هنا, فمن يقرا التاريخ ويتعض من حوادثه بأمكانه تجاوز الخطأ والوقوع في المحضور ففي زماننا الحاضر لدينا علماء بمنزلة الأنبياء كما يروى عن رسول الله "صلى الله عليه واله" ان مثل علماء امتي فيكم كمثل انبياء بني اسرائيل ولان بلادنا والحمد لله لم تخلوا يوما ومنذ استشهاد الإمام العسكري "عليه السلام " وغيبة الامام الحجة "عليه السلام" من العلماء الإجلاء ممن كانوا صائنين لأنفسهم محافظين لدينهم مخالفين لهواهم مطيعين لأمر مولاهم مقدمين رضا الله عز وجل على رضا انفسهم بداية من السفراء الأربعة مرورا بالشيخ المفيد والشيخ نصير الدين الطوسي وصولا" للمرجعية العليا في وقتنا الحاضر متمثلة بالسيد السيستاني وعند مراجعتنا لمواقف المرجعية الرشيدة ومنذ بدء الحرب بين امريكا ونظام صدام المقبور نجد ان هناك حكمة خلاقة في اتخاذ تلك المواقف مما ساهمت في حفظ ما يمكن حفظه من ارواح العباد وسلامة البلاد فعندما كنا بين مطرقة صدام المجرم وسندان القوات الاجنبية أفتى سماحته بعدم الوقوف بجانب اي من الطرفين المتحاربين لانهما على باطل ولاتوجد مصلحة للشعب في هذه الحرب وبعد سقوط نظام الطاغية تركزت فتوى المرجعية على المحافظة على المال العام وعدم الاقتصاص من البعثيين بدون الرجوع للضوابط القانونية والشرعية وكذلك حين ارادت قوات التحالف بقيادة الاميركان ان يكون هناك برلمان وحكومة معينيين من قبل الاجنبي ودستور مكتوب بأيدي غير منتخبةمن قبل الشعب اصرت المرجعية على ان يختار الشعب ممثليه ويكتب الدستور بأيدي وطنية وبالفعل تم اختيار اعضاء برلمان منتخب لاول مرة في تاريخ العراق وربما في منطقة الشرق الاوسط وكتابة دستور دائم يكون حجر الاساس لبناء دولة المؤسسات وبدأءت عجلة الحياة بالدوران لكن سرعان ما بدء التحالف البعثي الارهابي ان يضع العصي في دواليبها املا برجوعها الى الوراء فبداءت عمليات القتل والتهجير وقتل النفس المحترمة وسلسلة من التفجيرات الاجرامية والتي لم تستثني احد من نارها الحاقدة واحرقت كل ما هو جميل في هذه الحياة ليذهب ضحيتها شباب وشابات في مقتبل العمر واطفال في ريعان الصبا وازواج وزوجات عائدين من يوم عمل متعبين او على وشك ان يبدؤا عمل ذالك اليوم المشؤوم وشيوخ وعجائز انهكم البحث عن دواء لامراضهم المزمنة والتي ابت ان تفارقهم حتى لحظات الحياة الاخيرة حتى وصل هذا التحالف الارهابي الى ذروة افعاله الارهابية بتفجير مراقد الامامين العسكرين ( عليهما السلام ) في سامراء ليقف العراق على شفا حفرة من الطائفئية وحبس الناس انفاسهم الاخيرة لايعرفون الى ما ستؤول اليه حال البلاد وحامت على منطقة الشرق الاوسط تلك الغيمة السوداء المحملة بالبغض والكراهية للانسان والحياة معا عندها اشرقت حكمة العلماء من جديد لتبدد ظلام تلك الليالي السوداء وافتت المرجعية العليا وقتها بالسماح للشعب العراق الجريح يالتعبر عن حزنه والمه واستنكاره الشديد لتلك الاعمال الشيطانية ومطالبة الحكومة بالاقتصاص من اهل الفتنة ومأججيها ودعوة الشعب الجريح الى التسامي والعض على الجراح وعدم الانجرار خلف مخططات الاعادء والحذر من الوقوع في فخاخ الطائفية التي نصبت لنا ومرة اخرى دارت عجلة الحياة رغم التضحيات الكبيرة والتي لاتقدر بثمن من اجل غد افضل لكن وللاسف فبعد ان تحقق لنا الكثير من المكاسب المعنوية من ممارسة الاغلبية لشعائرها المقدسة ووجود مساحة للتعبير عن الراي ونقد الحكومة واداء البرلمان بقيت المكاسب المادية قليلة جدا بالنظر للموازنات الضخمة التي رصدت لهذا الغرض وذلك لم يأتي من فراغ فلأسباب كثيرة وهناك دوما مبررات لها الكثير منها مصطنع والقليل جدا موجود بالفعل لكن الحلول موجودة أيضا" فالصراعات السياسية والتكالب على المناصب وتقديم امتيازات المسؤول على تقديم الخدمات للمواطن تولد إفرازات فيما لو استمرت (وهي لحد اللحظة مستمرة) خطيرة جدا وربما تولد تمردا" على النظام الديمقراطي الجديد وهناك من يتربص بنا ويخنس بانتظار اللحظة المناسبة لإرجاع عقارب الزمن إلى الوراء وخصوصا إننا في العراق اغلب مشاكلنا أساسها سياسي ولكن هيهات فوجود من يتخذ من العلماء مرشدا له في متاهات ودهاليز السياسة لا يمكن أن يضيع او يضيع فالسيد عمار الحكيم خير مثال على ذلك فالمتابع بعين البصيرة والمستمع بأذن الواعي الفاهم لأفعال وخطب السيد الحكيم يجد ذالك واضحا وجليا كضوء الشمس في رابعة النهار فمنذ تسنمه قيادة المجلس الأعلى كان يدعو الإخوة بمختلف قومياتهم ودياناتهم وطوائفهم إلى التعامل مع القضايا الوطنية بما يخدم أبناء هذا البلد ويوحد كلمتهم ويعزز كرامتهم وكان يستشعر الخطر قبل وقوعه فيبادر بالحكمة والموعظة الحسنة آملا أن نتقي ما لا يحمد عقباه لكن اليد الواحدة لا يمكن أن تبني بلدا أو تسيير عجلة العملية السياسية بما فيها من تنوع فإذا كان الإخوة السياسيين لا يمدون اليد الأخرى للبناء ودفع العجلة سنمدها نحن كشعب وجمهور ملتزم بمرجعيته وقيادته التي كانت وستبقى من أهم أسباب حفظ دماء وأعراض وكرامة مواطني بلدنا العزيز حتى وان اضطرنا ذالك إلى التجرد من عناويننا السياسية والحزبية فعندما تغلق أبواب الرحمة يأتي دور الحكيم لفتحها من جديد .
https://telegram.me/buratha