عادل الجبوري
عكس قرار القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي عودتها الى البرلمان والحكومة مجموعة من الحقائق والمعطيات بعضها تخص القائمة ذاتها، وبعضها الاخر تتعلق بعموم الوضع السياسي العام في العراق.ومن هذه الحقائق والمعطيات:-عدم قراءة الواقع السياسي بدقة وموضوعية وبعيدا عن الانفعال والتشنج عند اتخاذ قرار المقاطعة على خلفية صدور مذكرة القاء قبض قضائية بحق القيادي في القائمة طارق الهاشمي، واقدام رئيس الوزراء نوري المالكي على اقالة نائبه صالح المطلك على خلفية تصريحات صحفية تهجم فيها الاخير على الاول معتبرا أنه ديكتاتور اسوأ من صدام.-ضعف القائمة وتشتتها وافتقادها الى المحورية والمركزية، وبروز اتجاهات متعددة فيها، ربما ظهرت جلية وواضحة حينما لم يلتزم بعض وزرائها بقرار المقاطعة وبالتالي حضروا بعض اجتماعات الحكومة، او تأكيد البعض منهم بأن عدم حضورهم كان بسبب سفرهم خارج البلاد او جراء ظروف صحية خاصة. -غموض جانب من الاجندات والتوجهات المطروحة والمعلنة، ناهيك عن تقاطعها وعدم انسجامها مع جزء كبير مما يدور خلف الكواليس ويتسرب بعضا منه الى وسائل الاعلام بين الفينة والاخرى.-ضعف الدعم والاسناد الخارجي، و"تمزق" الغطاء الذي كانت توفره بعض الاطراف العربية والاقليمية للقائمة العراقية، ارتباطا بما اطلق عليه "ثورات الربيع العربي" وسقوط انظمة وانشغال اخرى بالتحديات الكبرى التي تواجهها.-عدم تفاعل وتأييد الكثير من القوى والشخصيات السياسية العراقية لخيار المقاطعة، واعتباره من الخيارات السيئة والعقيمة التي من شأنها ان تزيد الامور تعقيدا بدلا من ان تحلها او تحلحلها. -تمتع مواقف الحكومة ورئيسها نوري المالكي بمقدار كبير من التأييد والتعاطف الشعبي، خصوصا ما يتعلق بقضية طارق الهاشمي.ولاشك ان العراقية راهنت-كما هو الحال في مناسبات سابقة-على دعم ومساندة ومؤازرة اطراف سياسية اخرى لها من اجل اسقاط الحكومة بأية طريقة كانت، واعادة ترتيب الاوراق من جديد بما يتيح لها لعب ادوار اكبر في العملية السياسية، ولعل رئيس القائمة العراقية قد افصح عن توجهات واجندات قائمته حينما طرح قبل عدة اسابيع ثلاثة خيارات لحل الازمة، تمثلت بحل الحكومة وتشكيل حكومة تنكوقراط تمهد لانتخابات برلمانية مبكرة، او تغيير رئيسها بشخص اخر يرشحه التحالف الوطني ويحظى بقبول القائمة العراقية، او تشكيل حكومة توافق وطني على ضوء اتفاقية اربيل. ومثلما زعمت العراقية ان انسحابها من الحكومة والبرلمان كان الهدف منه تصحيح المسارات الخاطئة واصلاح الواقع السلبي، فأنها حين قررت العودة والتراجع قالت ان عودتها جاءت من اجل المصالح الوطنية، لاسيما وان ضغوطات كبيرة مورست عليها لان استمرار غيابها عن البرلمان ربما يتسبب بمزيد من التأخير للموازنة المالية للعام الحالي.واذا كانت العودة قد مثلت خطوة ايجابية، الا انها من زاوية اخرى قرأت على انها تعبير عن ضعف وارتباك وتشتت وتقاطع بين مكونات القائمة العراقية تم استثماره بنجاح من قبل ائتلاف دولة القانون ورئيسه نوري المالكي.والسؤال هنا .. هل انتهت الازمة بنهاية مقاطعة قائمة علاوي للسلطتين التنفيذية والتشريعية ام انها تجاوزت منعطفا ودخلت في منعطف اخر؟. من غير المنطقي افتراض او توقع ان الازمة يمكن ان تنتهي بتراجع العراقية لسبب بسيط يكمن في انها-اي الازمة-ليست وليدة مواقف وافعال وردود افعال جديدة وغير مسبوقة ، وانما هي في الواقع نتاج عوامل عديدة اوجدتها ظروف داخلية وخارجية شائكة ومعقدة.والمؤشرات -فضلا عن الحقائق والمعطيات-لاتذهب بأي حال من الاحوال الى اي نوع -او مستوى-من الانفراج بين القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون، وربما يتبدى للمراقب ان ما حاصل هو العكس تماما، واقرب واوضح دليل على ذلك هو التباين الحاد في وجهات النظر والتوجهات بين الطرفين حيال المؤتمر الوطني المزمع عقده منذ فترة، من حيث جدول اعمال والموضوعات التي ستبحث فيه والشخصيات التي ستحضره. وكانت العراقية قد اتهمت رئيس الوزراء ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي بتسميم الأجواء السياسية بهدف إفشال المؤتمر.في ذات الوقت الذي اتهم فيه المالكي في كلمة له بأحتفال في قضاء الهندية الذي يعد مسقط رأسه بمناسبة ذكرى تأسيس حزب الدعوة الاسلامية "بعض الشركاء في العملية السياسية بعرقلة عقد المؤتمر الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية جلال الطالباني، وتنفيذ قرارات خارجية".وبينما تصر العراقية على ادراج قضيتي الهاشمي والمطلك على جدول اعمال المؤتمر الوطني لانهما جزء من الازمة العامة في البلاد، تعارض دولة القانون بشدة ومعها اطراف اخرى وان بمستوى اقل، ذلك الطلب، بأعتبار ان هاتين القضيتين لاتعدان من القضايا الوطنية العامة التي تتطلب بحثا ونقاشا على اوسع نطاق بين الفرقاء السياسيين، ليس هذا فحسب، بل ان العراقية تريد ادراج موضوعة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا الذي اقر ضمن اتفاقية اربيل المبرمة بين علاوي والمالكي وبرعاية رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني اواخر عام 2010. وفي مقال سابق قبل اربعة اسابيع تحت عنوان (المؤتمر الوطني .. فرص الفشل!) كتبنا "قد لايعني فشل المؤتمر كارثة سياسية حقيقية، بأعتبار ان الواقع السياسي العراقي مرتبك من الاساس وملفاته متداخلة وصراعاته مزمنة، الا انه-اي الفشل-من الممكن والمتوقع ان يفتح بعض الابواب لخيارات غير مرغوب فيها، ادواتها خارجية وليست داخلية، فضلا عن التفاعلات والاحتقانات الداخلية التي تعني مزيدا من الفوضى الامنية وغياب وانعدام الخدمات، وابتعاد الفرقاء عن بعضهم البعض مسافات اكبر بدلا من التقارب والاقتراب".ولان مؤشرات فشل -او عدم انعقاد المؤتمر-مازالت قائمة، ان لم تكن قد برزت وتجلت وتبلورت اكثر، فهذا يعني ان الازمة لم تخرج من نطاق الحلقة المفرغة التي تدور فيها، والاستغراق في متاهات القضايا التفصيلية والسجالات والمماحكات عبر وسائل الاعلام، تعبير صريح عن عمق الازمة وانعدام الفرص لحلها، او حتى حلحلتها. والازمة الكلية العامة، هي في الواقع نتاج ازمات داخلية متعددة تتشابه في بعض الجوانب وتختلف في جوانب اخرى، تواجهها الكتل السياسية المختلفة، ويحاول البعض منها ان يعمق ويعقد ازمة الاخر حتى يحقق مكاسب ربما يعجز عن تحقيقها وفقا للسياقات والقواعد التقليدية للعبة السياسية.واذا بدت القائمة العراقية تعيش ازمة كبيرة اكثر من غيرها، فهذا لانها تعد احد قطبي الصراع الرئيسيين في هذه المرحلة ليس الا، ولانها تفتقد بعضا من ادوات السلطة المهمة التي تتيح لها التغطية على ازمتها والتحرك والمناورة في ميدان واسع، او هو اوسع من ميدانها الحالي، لذا فأن مناوراتها لاتجدي نفعا ، فلا الانسحاب من الحكومة والبرلمان حقق لها شيئا، ولا العودة يمكن ان تصلح الواقع وتضيف لرصيدها وتأثيرها وحضورها.الحقيقة التي يمكن ان نشير اليها هنا هي ان "ازمة الثقة" راحت تتمدد وتتسع وتلقي بظلالها على الجميع، وهذه الازمة راحت تلد ازمات وازمات، وتغيب الحلول والمعالجات، والجميع يعرفون ويدركون ذلك.
https://telegram.me/buratha