رفعت نافع الكناني
كلما مرت هذة الذكرى ، يستذكر العراقيون بألم ما حل بهم وبعراقهم من اهوال ومصائب ونكسات منذ ذلك التاريخ المشؤوم والى يومنا هذا، فالاسباب والنتائج هي وليدة تلك الاحداث . فهذا الحدث اعتبر مشروع البداية لؤد تقدم العراق واسقاط مشروعة الحضاري والتنموي ، والذي ابتدات ثمارة تأتي اكلها بعد سنوات قليلة من عمر ثورة 14 تموز المباركة . فتناخت قوى الداخل من رجعيين وبقايا الاقطاع وعملاء الدول العربية الاشد تخلفا ، وبعض رافعي راية المد العروبي الناصري والشركات النفطية العالمية ، وبتعاون وتنسيق من قبل اجهزة الاستخبارات الغربية والامريكية ، وفي تنسيق مريب لوقف عجلة الحداثة في بلد ينهض من ركام التبعية والتخلف والاستعمار بطريقة ارعبت كل قوى التخلف والبداوة في المنطقة من خطر هذا العملاق العراقي الناهض .
لم يكن انقلاب 8 شباط انقلابا عسكريا اراد تغيير وجوة واحلال اخرى مكانها والعمل على بناء البلد بطريقة جديدة وبمنظور مغاير لقادة ثورة تموز . انما فجرالانقلابيون في صبيحة ذلك اليوم بركانا من الحقد الاسود والقتل الهمجي والاغتصاب الجماعي والتعذيب الوحشي وفتحت ابواب الملاعب والمدارس ودوائر الدولة كسجون ومعتقلات لعشرات الالوف من العراقيين الشرفاء ومن مختلف القوميات والطوائف وبقاسم مشترك بينهم هو حبهم للعراق وعدم قبولهم لتبعية البلد المذلة للاخرين . وبدأت منذ ساعات الانقلاب الاولى قطعان الحرس القومي ومجرمي المافيات الحزبية وبعض ضباط الجيش المغامرين الانتهازيين ... تجسيد نظرية الانقلابيين الفعلية والعملية بما يسمى بمصطلح ( المقابر الجماعية ) سيئ الصيت الذي أسسوا لة منذ ذلك التاريخ .
البداية كانت اغتيال ابن العراق البار الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم وقادة الثورة ورجالها الابرار وخيرة العلماء والمفكرين وقادة الرأي والحداثة والوطنية ... وبدأت عملية ابادة منظمة ومعد لها مسبقا وبأطار رسمي اعلن عنة في دار الاذاعة والتلفزيون وهو القرار المشؤوم رقم ( 13 ) الذي دعا الى ابادة كل الوطنيين والعراقيين الشرفاء وبصورة صريحة ومباشرة لم يشهد العالم لة مثيل . استمرت عمليات الابادة والقتل والتنكيل بالضحايا بطريقة سادية لم يعرفها العراق طوال عصرة الحديث . وامتلئت مزارع ديالى وصحاري النهروان واعماق نهر دجلة بجثث الضحايا رجالا ونساءا في عملية ابادة جماعية تسجل تاريخا مخزيا لقادة الانقلاب والمنظرين لة الى ابد الابدين ، سوف تذكرة الاجيال على مر العصور والازمان ، بالرغم من التعتيم والتغطية والتشوية الذي يريد البعض منة التخفيف من هول الكارثة والتغطية على هذة الجرائم ومن دعمها واستفاد من نتائجها حتى يومنا هذا !! .
مارست سلطات الانقلابيين جرائم كبيرة وخطايا اكبر من خلال فترة حكمهم التي استمرت عدة شهور. فتم في هذة الفترة القصيرة المتمثلة بتسلط المتخلف الذي تحركة غريزتة وسلوكة المنحرف من احداث خلل كبير في بنية وشخصية العراقي ، والعبث بدعائم التعايش والسلم الاهلي وعدم احترام الحريات الشخصية وحقوق الانسان ، واشاعة الممارسات الخاطئة فكريا واجتماعيا واقتصاديا ، لتخلق جيل جبل وشًب على ممارسة الاجرام والاغتصاب والقتل بدم بارد ، اضافة لما افرزتة ايام حكمهم القصيرة من جرائم بحق الوطن ، منها ما تسبب في ضياع اراضي الوطن وتقليص خياراتة البحرية ، اضافة لهدر حقوقة النفطية بالغاء القانون رقم ( 80 ) ، ونشر ثقافة القتل والكراهية والارهاب ، والغى قانون رقم 188 لسنة 1959 الذي ينص على حقوق المراة ومساواتها بالرجل . لقد كان القطار الامريكي الذي جلبهم لسدة الحكم يخطوا بخطى مسرعة وخارج السكة التي يسير عليها ... فدمر وسحق وبطش كل من كان في طريقة فاهلك الحرث والنسل وجفت منابع الرافدين واحال ربيع العراق الى صحراء قاحلة .
نصف قرن مضى على جريمة الابادة الجماعية في شباط الاسود من عام 1963 ... مطلوب وبالحاح من السادة رؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وجميع اعضاء مجلس النواب العراقي المنتخب ، وقادة الاحزاب الحاكمة ، والتيارات السياسية المختلفة ، ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان ، وكل الخيرين من ابناء شعبنا العراقي الحر ... العمل على جعل يوم 8 شباط من كل عام يوم حداد وطني على ارواح ضحايا الانقلاب ، والعمل على اعادة الاعتبار وبطريقة مشرفة وليست خجولة لثورة 14 تموز 1958 ورجالها الابطال وعلى رأسهم ابن العراق الشهيد عبد الكريم قاسم ، والعمل الجاد لتعويض كافة العوائل المنكوبة بفقد ابنائها وبناتها ، وتكريم كافة ضحايا السجون والمعتقلات من ابناء العراق الغيارى والذين جلهم من اصحاب الفكر والمبادئ وطليعة العراق المثقفة . وادخال هذة الجريمة مادة في كتب التاريخ لتبقى لطخة عار في جبين كل من تأمر على العراق والعراقيين ، وسد الطريق في المستقبل لكل من يريد بالعراق سوءا من خلال تسويغ فكرة الانقلابات والاستقواء بالخارج .
لنعمل سوية لبناء اسس لديمقراطية صحيحة وليست عرجاء بمشاركة كافة القوى الوطنية والديمقراطية والليبرالية التي تؤمن بمقومات الدولة المدنية الحديثة ... من خلال اقرار قانون انتخابي عادل يضمن التحول الى ديمقراطية ناضجة تحمي الهوية العراقية لجميع مكونات الشعب من دون اقصاء او تهميش بعيدا عن مبدأ اقتسام السلطة وفق مبدأ المحاصصة الذي يرتكز على الطائفة والقومية والمذهب ، والذي أسس لنظرية تقاسم المواقع السياسية والادارية وكل مراكز النفوذ ... مما تسبب في احداث خلل كبير في أسس الوحدة الوطنية وظهور الهويات الفرعية كمظهر وعلامة دالة من مظاهر هذة المرحلة التاريخية من عمر العراق ، وما اصاب البلد والشعب من جراء ذلك من كوارث وازمات وسيادة مظاهر الارهاب والقتل الجماعي والتخريب والتهجير وفقدان الامن والخدمات وتأخر تنفيذ المشاريع وشيوع ظاهرة البطالة واستفحال آفة الفساد بكل انواعها وكل ذلك انعكس على حياة المواطن ومعيشتة .
https://telegram.me/buratha