اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
الامام الحسن بن علي العسكري ( ع )قدوة وأسوة (الحلقة الثانية )
عزيزي القارئ اليك سيرة الامام الحسن بن علي العسكري ( ع )قدوة وأسوةفي حلقات من اعداد الشيخ حيدر الربيعاوي / مدير مركز البحوث والدراسات الانسانية ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
تعالوا معاً إلى الرواة كيف قصوا علينا تلك الكرامات :1- قال أبو هاشم أحد الرواة سأل محمد بن صالح أبا محمد عن قوله تعالى : { لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْد } فقال (ع) - له الأمر من قبل ان يأمر به وله الأمر من بعد ان يأمر به مما يشاء ، فقلت في نفسي ، هذا قول الله : { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالاَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ } فأقبل علي فقال :هو كما أسررت في نفسك { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالاَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ } قلت : أشهد انك حجة الله وابن حجته في خلقه .2 - قال احد الرواة علي بن زيد صحبت ابا محمد ، من دار العامة الى منزله ، فلما صار الى الدار واردت الانصراف قال : امهل فدخل ثم اذن لي فدخلت فأعطاني مائتي دينار وقال : اصرفي في ثمن جارية فان جاريتك فلانة قد ماتت وانت خرجت من المنزل وعهدي بها انشط بما كانت ، فمضيت فإذا الغلام قال : ماتت جاريتك فلانة الساعة . قلت ما حالها ؟ قيل شربت ماء فشرقت فماتت .3 - وروي أبو هشام الجعفري وقال : شكوت إلى أبي محمد ( الإمام العسكري (ع) ضيق الحبس وشدة القيد ، فكتب إليّ : أنت تصلي الظهر في منزلك ، فاخرجت عن السجن وقت الظهر فصليت في منزلي .4 - وروى عن أبي حمزة نصير الخادم قال : سمعت أبا محمد (ع) غير مرة يكلم غلمانه وغيرهم بلغاتهم وفيهم روم وترك وصقالبة ، فتعجبت من ذلك وقلت هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى قضى أبو الحسن ( أي والده الإمام الهادي عليه السلام ) ولا رآه أحد فكيف هذا ؟ أحدث بهذا نفسي ، فأقبل عليّ وقال : ان الله بين حجته من بين سائر خلقه وأعطاه معرفة كل شيء فهو يعرف اللغات والأنساب والحوادث ، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق (4) .5 - وسُلِّم الإمام إلى بعض أعوان الظلمة واسمه نحرير فقالت له امرأته : اتق الله ، فانك لا تدري من في منزلك ، وذكرت عبادته وصلاحه ، واني أخاف عليك منه ؟ فقال : لأرمينّه بين السباع ثم استأذن في ذلك ( من طغاته ) فأذن له ، ( وكانت هذه طريقة من طرق الاعدام في ذلك الزمان ) .فرمى به إليها ، ولم يشكوّا في أكلها له ، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال ، فوجدوه قائماً يصلي ، وهي حوله ، فأمر باخراجه .6 - وروي عن الهمداني قال : كتبت إلى أبي محمد (ع) أسأله التبرك بان يدعو ان أرزق ولداً من بنت عم لي ، فوقّع : رزقك الله ذكراناً فولد لي أربعة .7 - وروى العبدي قال : خلفت ابني بالبصرة عليلاً وكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء لابني فكتب إلي : رحم الله ابنك ان كان مؤمناً قال الراوي : فورد علي كتاب من البصرة ان ابني مات في ذلك اليوم الذي كتب إليّ أبو محمد بموته ، وكان ابني شك في الامامة للاختلاف الذي جرى بين الشيعة .8 - وروى بعضهم : ان رجلاً من موالي أبي محمد العسكري (ع) دخل عليه يوماً وكان حكاك الفصوص فقال : يا ابن رسول الله : ان الخليفة دفع إليّ فيروزجاً أكبر ما يكون ، وقال انقش عليه كذا وكذا ، فلما وضعت عليه الحديد صار نصفين وفيه هلاكي ، فادع الله لي ، فقال : لا خوف عليك إن شاء الله . قال : فخرجت إلى بيتي ، فلما كان من الغد دعاني الخليفة وقال لي : ان حظّيتين اختصمتا في ذلك الفص ، ولم ترضيا الا ان تجعل ذلك نصفين بينهما فاجعله ..وانصرفت وأخذت ( الفص ) وقد صار قطعتين فأخذتهما ورجعت بهما إلى دار الخلافة فرضيتا بذلك ، وأحسن الخليفة إليَّ بسبب ذلك ، فحمدت الله .9- وروى بعضهم : عن محمد بن علي قال : ضاق بنا الأمر قال لي أبي : إمض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل - يعني أبا محمد - فانه قد وصف عنه سماحتهُ .فقلت : تعرفه ؟ فقال لي ما أعرفه ولا رأيته قط ، قال : فقصدناه ، فقال أبي - وهو في طريقه - ما أحوجنا إلى ان يأمر لنا بخمس مائة درهم : مائتي درهم للكسوة ، ومائتي درهم للدقيق ومائة درهم للنفقة ، ( وقال محمد ابنه ) وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاث مائة درهم ، مائة اشتريت بها حماراً ، ومائة للنفقة ومائة للكسوة ، وأخرج إلى الجبل ( أطراف قزوين ) .فلما وافينا الباب خرج إلينا غلام وقال : يدخل علي بن إبراهيم ، وابنه محمد ، فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي : يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت ؟ قال : يا سيدي استحييت ان ألقاك على هذه الحال .فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي ، صرةّ وقال : هذه خمس مائة ، مائتان للكسوة ، ومائتان للدقيق ، ومائة للنفقة ، وأعطاني صرة . وقال هذه ثلاثة مائة درهم فاجعل مائة في ثمن حمار ، ومائة للكسوة ومائة للنفقة ، ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سورا أطراف بغداد.10 - وجاء في رواية مأثورة عن علي بن الحسن بن سابور انه قال :قحط الناس بـ سر من رأى في زمن الحسن الأخير الامام العسكري (ع) .. فأمر الخليفة الحاجب وأهل المملكة ان يخرجوا إلى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام متوالية إلى المصلى يدعون فما سُقوا .فخرج ( حبر النصارى ) الجاثليق في اليوم الرابع ، ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب ، فلما مدّ يده هطلت السماء بالمطر فشك أكثر الناس وتعجبوا وصبوا إلى دين النصرانية .فأنفذ الخليفة إلى الحسن ( الإمام العسكري ) وكان محبوساً فاستخرجه من محبسته وقال : إلحق أمة جدك فقد هلكت ، فقال : اني خارج في الغد ومزيل الشك إن شاء الله تعالى .خرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه وخرج الحسن في نفر من أصحابه فلما بصر بالراهب وقد مدّ يده أمر بعض ممالكيه ان يقبض على يده اليمنى ويأذذخذ ما بين أصبعيه ففعل ، وأخذ من بين سبابيته عظماً أسود . فاخذ الحسن بيده ثم قال : استسق الآن ، فاستسقى وكان السماء متغيماً فتقشعت وطلعت الشمس بيضاء .فقال الخليفة : ما هذا العظم يا أبا محمد قال (ع) : هذا رجل مرّ بقبر نبي من الأنبياء ، فوقع إلى يده هذا العظم ، وما كشف من عظم نبي إلاّ وهطلت السماء بالمطر .11 - وروى أبو يوسف الشاعر القصير - شاعر المتوكل - قال : ولد لي غلام وكنت مضيقاً فكتبت رقاعاً إلى جماعة استرفدهم ، فرجعت بالخيبة قال قلت : أجيء فأطوف حول الدار طوفة وصرت إلى الباب فخرج أبو حمزة ومعه صرة سوداء فيها أربع مائة درهم فقال : يقول لك سيدي انفق هذه على المولود بارك الله فيك .12 - قال أبو هاشم : كتب إليه بعض مواليه يسأله ان يعلمه دعاء فكتب إليه ان ادع بهذا الدعاء " يا أسمع السامعين ، ويا أبصر المبصرين ، ويا عزّ الناظرين ، يا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، ويا أحكم الحاكمين ، صل على محمد وآل محمد ، واوسع لي في رزقي ومدّ في عمري . وامنن عليّ برحمتك واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري " .قال أبو هاشم : فقلت في نفسي ، اللهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك ، فاقبل عليّ أبو محمد فقال : أنت في حزبه وفي زمرته : إذا كنت بالله مؤمناً ولرسوله مصدقاً ، ولأوليائه عارفاً ، ولهم تابعاً ، فابشر ثم أبشر .تلك كانت نبذة منتقاة من كرامات الإمام (ع) .. وهناك الكثير الكثير مما لا تسعه هذه الأوراق . واكثر منها بكثير مما لم تنقله الرواة ..وهي الدلالة الشاهدة التي جعلت الناس يؤمنون بانه الوصي حقاً لرسول الله ، والإمام المعصوم من ذريته . وقد تحدثنا في كتب سبقت عن أئمة الهدى . جانباً من حكمة ظهور هذه الكرامات على أيديهم الطاهرة .الفصل الثاني : الإمام شاهد عصرهمعروف - لدى القارئ الذي تابع معنا ، ان دور الأئمة (ع) امتداد لدور الأنبياء . ورسالتهم هي تلك الرسالة الخالدة التي بشرت بها كتب السماء .. من الدعوة إلى الله .. والترغيب في ثوابه والترهيب من شديد عقابه !! وسوق الناس إلى اتباع رضوانه وتزكية نفوسهم ـ الرذائل . وتطهيرها بالحب والايمان والخلق الفاضل . ثم تعليمهم شرائع دينهم ..وكان من أبرز مسؤوليات الأنبياء (ع) " قيادة المجتمع المؤمن بما لهذه المسؤولية من علاقة بتطبيق أصول القيم الإلهية على مفردات الحياة اليومية .. وبتمثيل تلك الأصول ضمن مواقف وفاعليات وأنشطة . حتى يصبح النبي والإمام من بعده ثم الصديقون قدوات وحججاً على الخلق وليقطعوا عنهم حبل المعاذير والتبريرات . ويشحذوا وليشحنوا عزائمهم بومضات من الإرادة ، ومن هنا لا ينبغي ان نحدد دور الإمام في الحقل السياسي بالمعنى الضيق للكلمة بالرغم من ان ا لسياسة تمثل تقاطع سائر الحقول أو ليست الثقافة ذات تأثير على السياسة ؟ أو ليس الإقتصاد والتربية والأنظمة الإجتماعية هي العوامل التي تصنع السياسة .ومن هنا يجب ان نفرق بين معنيين للسياسة .. المعنى الخاص الذي يعني إدارة القوى الإجتماعية ذات التأثير في عالم الحكم .. والتي يقوم بها السلاطين والرؤساء السياسيون .. وهذه هي السياسة المباشرة (المعنى الضيّق للكلمة ) .والمعنى العام والذي يعني صنع القوى الفاعلة في المجتمع والتي تؤثر بالتالي في عالم الحكم . وهي السياسة غير المباشرة ، والتي يقوم بها - عادة - المصلحون وأصحاب المبادئ التغييرية ( وهذه السياسة بالمعنى العام ) .ولا ريب ان الأنبياء وأوصياءهم كانوا يقودون عملية التغيير ، وثورة الاصلاح بكل أبعادها الثقافية ( نشر الدعوة ) والتربوية ( تزكية النفوس ) والإجتماعية ( تكوين التجمع الايماني وتنظيم علاقاته ) كما كانوا يتعاطون أحياناً السياسة بالمعنى الخاص حيث يديرون البلاد بصورة منفردة أو يشتركون في الإدارة مع سائر القوى ..كذلك قام النبي الأعظم (ص) باصلاح المجتمع في مكة ، وبنى هناك التجمع الايماني ، ونظم علاقاتهم ثم شكَّل حكومته منهم في المدينة المنورة .وخلال سني خلافته الظاهرية تعاطى الإمام علي (ع) السياسة المباشرة . بينما قام بدور اصلاحي قبلئذ عند حكومة الخلفاء من قبله وفي ذات الوقت ساهم معهم بصورة أو باخرى في السياسة المباشرة .والأئمة الأطهار (ع) كانوا يقومون بالاصلاح بكل ما أوتوا من قدرة ويصنعون قوة سياسية فاعلة في المجتمع . وذلك عبر قيادتهم المباشرة للمؤمنين الاصفياء من شيعتهم .حتى انتهى الأمر إلى الإمام العسكري (ع) إذ قام خلال سني امامته بإدارة الشيعة الذين أصبح وزنهم السياسي متعاظماً في عهد الإمام الكاظم واعترف بهم كقوة سياسية في العهود التي تلت ولاية العهد من قبل الإمام الرضا (ع) ، وحتى غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه ..كيف كان يدير الإمام الشيعة ؟ وكيف تكونت عبر الآفاق شبكة الوكلاء الذين كانوا يمثلونه ؟ وكيف كانت تجري المراسلة بينهم وبينه ؟تلك الحقائق لم يبحثها التاريخ الذي اقتصر - مع الأسف - على وصف الملوك وغزواتهم وحروبهم وحتى ليالي مجونهم . بينما أهمل حياة الشعوب والتيارات التي كانت تجري في المجتمع .إلاّ ان الأحاديث التي سجلت الكثير من تفاصيل حياة الأئمة (ع) ، تعتبر مادة موثوقة نستطيع ان نستلهم منها بعض الحقائق .. إلاّ انها تبقى لا تعكس وحدها كل الصورة التي نتشوق إليها لمعرفة حياة الإمام (ع) التي اتسمت كحياة غيره من الأئمة بطابع السرية المطلقة ليس فقط خوفاً من الطغاة وانما أيضاً كاجراء احتياطي للمستقبل والمتغيرات التي تحكمه وكمنهج في تربية الناس على الحقائق الكبرى التي لا يحتمل قلب أغلب الناس ثقلها ..
https://telegram.me/buratha