عبد الكريم ابراهيم
غليانُ قدر الثورات العربية الذي اجتاح الكثير من مناطق الشرق الاوسط واسقط عروشا دكتاتورية كانت جاثمة على صدور الشعوب لسنوات طويلة، اصيب بنوع الفتور المؤقت لضياع ثمرة هذا الغيلان وتجيرها الى قوى طارئة ووصولية. هذه الثورات كانت درسا بليغا في سقوط من نوع آخر، لا يشمل العروش، بل اساليب التنظير وطرح الافكار التي يحاول البعض عبر وسائل معينة تسويقها وحشوها في ذهنية الانسان العربي، ولعل الاعلام بكل صنوفه يعد من اخطر الاسلحة في معركة زرع الافكار بقوة التأثير.
عجزت اغلب التغييرات السياسية الحاكمة في مشروعها السلطوي في كسب الجماهير الى صفها، لانها ابتعدت عن عنصر التطبيق وجعلت من الشعوب ادواتها الرخيصة والطيعة في تنفيذ ايدلوجياتها للوصول الى كرسي الحكم. بعض الاصوات التي تتبنى هذه المنحى لم تصل الى قمة الجهاز الادراي الحكومي، بل هي تحاول ايهام نفسها بانها تملك من المؤهلات ما تجعلها اهلا لتحمل هذه المهمة. مثل هذه التقولات الحالمة هي صراع داخلي وخارجي تعيشه مثل هذه النظريات في طرح نفسها انها الافضل في قيادة الامة من خلال الادعاء في امتلاكها فن السياسة وفهم اللعبة الديمقراطية على اصولها. الايام اثبتت فشل اصحاب هذه النتظيرات الباردة لانها مازالت تعيش بين احضان الاوراق والمراسلات ومديح الوعاظ والحاشية. برغم حالة الانهزامية التي تعيشها هذه النظريات، فإن هناك اصرارا من قبل اصحابها على معاكسة الواقع وعدم الاعتراف بفراغ محتوى مثل هذه الطروحات وهشاشتها من حيث التطبيق، وانها عبارة عن مجموعة من الشعارات التي يراد لها ارضاء ميول ورغبات نفسية مكبوتة تحاول التشبث بجلباب السلطة ولو عن طريق الاحلام. اغلب مروجي هذه الافكار والقائمين عليها هم في بون شاسع في معرفة العلاقة ما بين السلطة والجماهير؛ لان التنظيرات التي اطلقها هؤلاء لا تسند الى عنصر التطبيق، لذا بقيت محبوسة بين طيات الكتب ومجاملات حاشية السلطان وفي مخيلة بعض المستشارين.
الافكار والنظريات تولدت نتيجة الحاجة لايجاد حلول لمشكلات الشعوب، في حالة وجدت من يأخذ بيدها الى سبيل التطبيق، والا تصبح مجرد موجة من الهذيانات التي لا ترضي سوى من كتبها والذي جند نفسه للتنظير لها. هناك ثورة من نوع خاص تحاول بمعاولها هدم قصور رمال التنظير التي يختبئ خلف البعض منذ سنوات طويلة وجهد نفسه في الدفاع عنها حيث ما وجد متسعا لذلك. الثورات اليوم تقول لابد من الاصطدام، التغيير الذي يحمل ملاحم التجديد الذي تمثله الشعوب بالقديم البالي الذي يمثله الحكام. الشعوب تريد من حكامها رؤية مسافات العمل المستقبلي من زوايا متعددة كي يعصموا انفسهم من الوقوع بالذل السياسي والهاوية التي لا ترحم. قد تعجلت بعض الشعوب النهايات ووأدت التطلعات الحالمة قبل جلوس البعض على كرسي العرش. عالم السياسة ليس فكرة يراد لها ان تحكم البلاد، بل ما هي الا النزول الى ساحة التطبيق والولوج الى نفوس الناس، ولكن المشكلة في مكابرة البعض ضد هذه الحقيقة وعدم استعاب الدرس من مجريات التغيير والتخلي عن العجرفة السياسية العقيمة ذات النهاية المعروفة.
https://telegram.me/buratha