اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
عزيزي القارئ اليك اصول الحرية في العقيدة الاسلامية في حلقات من اعداد الشيخ حيدر الربيعاي / مدير مركز البحوث والدراسات الانسانية في النجف الاشرف ومن تاليف الدكتور الشيخ عباس الانصاري ومن اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرفبسم الله الرحمن الرحيم
الحَمدُ لله ربِّ العالمينوأفضلُ الصلاة والسّلام على خيرِ خلقهِوأشرف بريّته خاتم الأنبياء والمرسليننبيّنا مُحمّد وعلى آله الطاهرين المعصومين
* * *بسم الله الرحمن الرحيم
قال سبحانه وتعالى(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)سورة الزمر: 2(وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)سورة البيّنة: 5قال سيّد العُرفاء مولانا أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في إحدى مناجاته:«إلهيّ كفى بيّ عِزَّاً أَنْ أَكون لَكَ عبداً، وكفى بيّ فخراً أَنْ تكونَ لي ربّاً، أَنتَ كما أُحب فاجعلني كما تُحب».مفاتيح الجنان / المناجات / ص131
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدّمة:الحمد للهِ الأوّل قبل الإنشاء والإحياء، والآخر بعد فناء الأَشياء العليم الّذي لاينسى مَنْ ذكره، ولا ينقص مَنْ شكره، ولايخيب مَنْ دعاه، ولا يقطع رجاء مَنْ رجاءه.والحمدُ حقّه كما ستحقه حمداً كثيراً.وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على مَنْ لانبيَّ مِنْ بعدِهِ، نبيّنا الأَمين سر الوجود في عالم الإِمكان والتكوين، الّذي تشرَّفت بوجودِهِ السماواتِ السبع والأَرضين، خاتم الأنبياء والمرسلين الّذي أرسله اللهُ رحمةً للعالمين مُحمّد بن عبدالله، وعلى آلهِ الأحرارِ، الميامين، المعصومين الذين رفعوا أعلام الدّين، أئمةَ الهدى، وحفّاظ الوحيّ المبين، الّذين أوهجوا نورَ الحرّيّة، وشرّعوا نهجَ الهدى والحقّ لسالكي طريق المعرفة الألهيّة; للاتصال بالحقِّ المتعال المشرّع المطلق لها.اللهمَّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد، وأجعل النورَ في بصري، والبصيرة في ديني، واليقين في قلبي، والسلامة في نفسي، والشكر لك أبداً ما أبقيتني.لايخفى ما للحرّيّة مِنَ العلاقةِ والأرتباطِ الوثيقِ بالدّينِ الاسلاميّ بصورة عامة، ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) خاصة; لأنَّ الإِسلام العزيز أكّد على حرّيّةِ البشر حيث أَنَّ الأَصلَ في خلقه ذلك; لذلك حثهَ في ألف باء الشريعة ومبادئها الأساسية عليها، بعد الاعتقاد به والامتثال لاحكامه الشريفة التي نصّت على العتق وفك رقبة العبد مِنَ الرقيّة في الوقت التي كانت أمراً سائداً في الجاهلية، الأمر الذي غرس جذور التفرقة بين العباد; بل زرعها زراعة متأصلةً في المجتمع الجاهلي آنذاك لدرجة كبيرة، بحيث إنقسم المجتمع الى السيّد ـ المولى الاعتباري ـ ، والعبد ـ الرق، والسيّدة والامة ـ الجارية ـ مع أنَّ هذا أمرٌ مناف لاصل الخِلقة، فالمولى واحد ـ المولى الحقيقيّ ـ ، وهو الواجب تقدسه أسمائه وجلَّ وتعالى ذكره، والخلق كلهم عبيده; لإفتقارهم إليه تعالى وحده، وهو الغني المطلق الذي أَفاضَ عليهم بركاته بعد إِيجادهم، وما كان مفتقر لغيره، كيف يكون مولى لِمَنْ كان مثله في الفقر والحاجة.نعم هذه هي نظرة الاسلام الحنيف الى عباد الله، وأنّهم جميعاً يجب أَنْ يكونوا أحراراً في أَفعالهم; لأنَّ مبدأهم واحدٌ ومعادهم كذلك، والحق تعالى خلق البشر وجعلهم مفطورين فطرةً تكوينيّةً على الحريّة، بدليل أنّه سبحانه وتعالى خلق الأنسان واعطاه الإِختيار في أفعاله; لكي يصح قانون الثواب والعقاب الإلهيّ، وهذا هو مقتضى عدله التكوينيّ (جلَّ وعلا).فالحريّة في الإِسلام هي أعزّ شيء على الإِنسان، لما فيها مِنَ الآثار الإِيجابيّة على النفس; على أنّها الشيء الذي لايعدله شيء لدى هذا الكائن الحي ـ الانسان ـ ، وأيّ شيء أرفع وأسمى مِنْ تلك المنزلة لمفهوم الحرّيّة في الاسلام.* * *أمّا عن منزلتها في مذهب أهل البيت خاصة، فهي لاتقل عن نظرةِ الإِسلام إليها فمذهبهم(عليهم السلام)عين الإسلام بل هو الإِسلام الحقّ، ومما يُمكْنُ أَنْ يجمل فيه نظرية أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في أصل الحرّيّة في الإِنسان، هو قول مولانا أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) حيث قال:«لاتكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقْدَ جَعَلَك اللهُ حراً» .وفيه اشارة واضحة على أنَّ الأصلَ في خلقِ الإِنسان الحرّيّة، كما أُشير في القرآن الكريم بأن الأصل في الإنسان العبودية، لكن للخالق الحق (عزّوجلّ) الذي جعل هذا الانسان حرّاً في قبال الانسان الآخر، ولاتنافي بين هذين الأصلين; لانّ الأخير هو عين الحرّيّة وحقيقتها الكمالية:قال تعالى: (وما خلقت الجنّ والانس إلاّ ليعبدون) .وأيضاً: (يا أيها الناس أعبدوا ربّكم الذي خلقكم) .فليس في خلق البشرية، بل السموات والأرض شيء مِنْ العبث ـ جلّ الله وتعالى عن ذلك ـ ، بصريح القرآن الكريم (وما خلقنا السموات والأرض ومابينهما لاعبين) .* * *ومن هنا تظهر لنا علاقة الحريّة بالدّين الإِسلاميّ ومذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ومِنْ هذا المنطلق تتضح لنا أَيضاً أهميّتها; لذلك شرعنا في البحث عنها ضمن إِطارها الحقيقيّ في نظر الإسلام وشريعته الحقّة على ضوء القرآن الكريم والسنة المطهّرة مستندين في ذلك الى أهم الأسس العقائديّة التي ترتبط بمفهوم الحريّة بصورة مباشرة، أو غيرها وأَوزنا كل ذلك في ميزان العقل; لنبطل مفهومها الإِعتباري المغلوط في نظر الآخرين، بما فيه الشائع عند الغربيين بشكل خاص، بل أَخص; وقد ثبت انه المخالف لاصالة الحريّة الحقيقة، والذي يدعو لتسافل البشريّة وإِنحطاطها في الحياة الدنيا وخسرا نها في النشأةِ الأُخرى.* * *فهذا البحث قد تكفّل في دراسة أُصولِ الحرّيّة طبقاً لما قرّرته مبادىء العقيدة الإِسلاميّة; وذلك إبتداءاً بمفهومها وحقيقتها، ومروراً بحكمها بين القانون الوضعي والتكليف الشرعيّ، وإنتهاءاً بحدودها في الإِسلام العزيز، ومايرتبط بها من مسائل أخرى بشكل كلّي، ولم نخصص البحث في أحد أقسامها; لأنَّ ذلك ممايحتاج الى عقدِ بحث مستقل لهُ ينبغي التفصيل فيه.ومِنْ هنا حاولت استعراض الأقسام جميعاً، ومايرتبط بها، أو يتفرع عليها بصورة كلية، عسى أَنْ أكون قد وفقت فيما أقصد الوصول إليه.أسأله تعالى التوفيق لما فيه صلاح الدنيا وخير الآخرة، إِنَّه نعم المولى ونعم النصير، والحمد لله ربّ العالمين.
الشيخ حيدر الربيعاوي مدير مركز البحوث والدراسات الانسانية في النجف الاشرف
اصدارات المجمع العلمي للدراسات والثقافة الاسلامية في النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha