علي محمد البهادلي
كل فرد من أفراد الجنس البشري يتكون وعيه ضمن عدة ظروف منها البيئة التي يعيش فيها بكل تفاصيلها سواء الأسرة أو العشيرة أو القرية أو المحلة أو المدينة والمدرسة، ويكاد يشذ عن هذه القاعدة عدة أفراد يشح الزمان بأن يجود على البشرية بأمثالهم، يكون وعيهم وطاقاتهم الفكرية والأخلاقية فوق المستوى المعهود لدى بقية البشر؛ إما بسبب جدهم الجهيد المتواصل الذي لا يعرف الكلل ولا الملل في سبيل الارتقاء بالنفس إلى أعلى مدياتها في تلك الجوانب، أو أن هناك سبباً آخر يتمثل في العناية الإلهية التي تشمل أمثال هؤلاء لا بسبب تفوق في العرق أو الطبقة أو ما إلى هذه الأسباب التافهة التي لا دخل للعناية الإلهية بها، وإنما تحضر العناية الإلهية حين تجد هناك فرداً نفيساً في جوانب شخصيته المتعددة يمكن له أن يتصدى لهداية البشرية وإنقاذها من الأمراض الاجتماعية والأخلاقية التي تعصف بها، ويكون في مأمن من الطعن بشخصيته سواء من الناحية الأخلاقية التي تشمل الصدق والأمانة والعفة والشجاعة .....إلخ أو من الناحية العلمية أو من حيث صفات النفسية والشخصية القوية التي لا تهزها العواصف، وهكذا كان اختيار الله(سبحانه وتعالى) لخاتم الرسالات والرسل، إذ كان كما قال عنه(جل وعلا):( وإنك لعلى خلق عظيم)).
لا ينبغي لأي كاتب يكتب عن شخصية النبي سواء من المسلمين أو غير المسلمين أن يغفل البيئة التي عاش فيها النبي، وأن يستقصي الوضع العلمي والحضاري والأخلاقي في تلك البيئة؛ كي يكتشف الإمكانات الجبارة التي كان يمتلكها النبي الأكرم التي تأبى أن تكون وليدة لمجتمع قبلي متخلف تنتشر فيه الأمراض الاجتماعية والأخلاقية يندر وجودها في مجتمع بدوي متخلف اللهم إلا إذا استثنينا القبائل البدوية التي غزت بغداد والبلاد الإسلامية في القرن السابع الهجري، هذا من جهة ومن جهة أخرى يتلمس الجهود الجبارة التي بذلها( صلى الله عليه وآله) من أجل تغيير هذا المجتمع، وكيف استطاع المجتمع العربي خاصة والمجتمع الإسلامي عموماً، أن ينهضا نهضة حضارية في بضع عشرات من السنين نتيجة تلك الجهود، فأمة لا يعرف أفرادها، سوى أشخاص على عدد أصابع اليد، القراءة والكتابة، أصبحت تؤلف المؤلفات وتبتكر المصنفات وتنتشر في مساجدها حلقات الدرس وتنشأ المدارس والمعاهد العلمية، ويفتخر أمراؤها بإنشاء مكتبات تكون وقفاً لأرباب العلم ومريديه، وتنتشر فيه أخلاقية العتق من خلال الأحكام القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على ذلك، ناهيك عن تحرير الإنسان الحر نفسه من كل الأغلال التي كان يغله بها مجتمعه أو السادة والأشراف بشكل خاص، فكان مبعث النبي للإنسانية جمعاء أكبر رصيد حضاري يمكن للبشرية أن تفتخر به وتتبناه وترصد له كل الطاقات من أجل إرجاعه إلى الحياة العامة بكل تفاصيلها، لأن الإسلام الدين الحضاري الأول يأبى أن ينزوي في التكايا والزوايا، ولا بد له من الانطلاق مرة أخرى، لكن الذي ينبغي للمسلمين عامة، وهي مسؤولية كبيرة جداً، هو إعطاء النموذج الناصع للدين الإسلامي؛ كي يكون الحل الحضاري الأخير والبديل الناجع لكل الأفكار والأنظمة والإيدولوجيات البشرية التي أثبت البرهان قبل الواقع والعيان فشلها وقصر نظر أصحابها والغايات الدنيئة التي كانوا يصبون لتحقيقها، فعرض دين يكافح الفساد والجريمة ووأد البنات والنخاسة والفقر، ويسعى بكل طاقاته إلى إلى إيجاد بيئة آمنة خالية من الخوف والإرهاب، ينشر في ربوعها العدل والحرية والتنمية الاقتصادية، أعتقد أن هذا هو الذي سيحقق الهدف الذي كان يصبو إليه النبي في تكوين مجتمع أركانه قائمة على المرتكزات المذكورة آنفاً، وسينطلق منها ليقفز إلى أعلى ذروة في الحضارة والتنمية ناهيك عن المبادئ الرئيسة للدين وهي عبادة الله(سبحانه) ومحاربة كل الأوثان سواء الحجرية أم البشرية.
ولا أغفل في نهاية المقال عن ذكر شيء من الأهمية بمكان أن الآخر سيصعب عليه قبول الإسلام بدونه، ألا وهو الدعاية المضادة للإرهاب، فيجب أن يتكاتف المسلمون تحت راية هذا الشعار وفضح كل الممارسات الإرهابية التي تقوم بها القوى التكفيرية، وبيان زيف إدعاءاتهم التي يربطون أعمالهم المشينة بالإسلام، وتكثيف هذه الدعاية المضادة في البلاد الغربية خصوصاً؛ إذ إن الأبواق النشاز التي يستخدمها أعداء هذا الدين قد فعلت فعلتها في ذلك المجتمع لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر.
https://telegram.me/buratha