حافظ آل بشارة
المثقف والسياسي ... تناقض قيمي / حافظ آل بشارةكلما اشتدت أزمات السياسيين تذكرنا دور المثقفين ، لكن المثقف اصبح نقيض السياسي ، تناقض في التكوين الذاتي ، المثقف حر ويرفض التبعية والاملاءات والوصاية فهو ضمير امته وصوتها ، قد لا يكون متدينا لكنه اكثر تعلقا بالقيم والمثال ، فيعرض عن المال والمنصب أو يفشل في التعامل معهما ، ملذاته ومسراته ليست في السلطة والثروة بل في البحث عن الحقيقة واكتشافها وايصالها للآخرين ، يتصور أنه هو المتبوع ولا يمكن ان يكون تابعا ، المثقفون مختلفون في انتاجهم متشابهون في مثاليتهم الاخلاقية ، فهم المفكرون والكتاب والادباء والشعراء والفنانون . في العراق تزداد الهوة اتساعا بين السياسي والمثقف ، أغلب ساسة العراق يشعرون بالعجز عن خوض تنافس سياسي وطني الا بدعم أجنبي ، فيصبح بعضهم اعداء لمنافسيهم الوطنيين ، مخطئ من يعتقد ان التدخل الأجنبي هو سبب الازمة في العراق ، الذين تعلموا الذيلية للاجانب هم سبب الازمة ، فاذا فقدوها بحثوا عنها بالف مبرر عرقي او ديني او سياسي ، خرجت أميركا من العراق فأراد عراقيون اقناعها بالبقاء لاعتيادهم على التبعية ، ارادت اطراف اقليمية ان لا تتدخل في مشاكل العراق فذهب عراقيون لاقناعها بالتدخل في شؤون بلدهم ، دولة أخرى يتقدم لها اكثر من فريق عراقي عارضا خدماته فتختار منهم كالخراف وهم ما بين ساسة وعسكر وليس بينهم مثقف . ومن اصيب بمرض التبعية للخارج تنشأ لديه امراض اخرى فهو يثق بالاجنبي ويفقد الثقة بأخيه ، يتواضع للاجنبي ويتكبر على أخيه ، يحسن الظن بالاجنبي ويسيء الظن بأخيه ، يكون كريما مع الاجنبي ويبخل على أخيه ، الاجانب لا يحترمون عملاءهم سواء كان غطاء العميل سياسيا او طائفيا ، وهم يرون ان من يخون وطنه ليس جديرا بالاحترام ، ومن يعادي أخاه لا يستحق الثقة . الساسة التابعون يأكلون على مائدة الوطن ومائدة الاجنبي ، والمثقف المستقل محروم من مائدة الوطن ومائدة الاجانب ، ثراء مزدوج يقابله فقر مزدوج ، تطور في الصراع ، صراع بين طبقتين ، السلطة لمن يمتلك المال ، والمال لمن يمتلك السلطة ، المثقف الفقير ينادي بالعدالة فيتهم بالخيانة ، المثقفون لا وجود لهم في غرف السلطة وممراتها ، دولة يوجد في دوائرها مفكرون فهي في عافية ، يموت المثقف كمدا لأنه يمتلك الرؤية ولا يمتلك القرار ، وقد يظهر في حياة الشعب نموذج تأريخي مزدوج هو القائد المفكر الزاهد الأبي الذي يرفض التبعية للغير ، فاذا ظهر اسس لأمته منهجا يوصلها الى اهدافها ومن امثلتهم في التأريخ : غاندي ، اتاتورك ، ديغول ، الامام الخميني ، ماو تسي تونغ ، جوزيف بروز تيتو وغيرهم ، هؤلاء صنعوا شعوبا مهدت لظهور(أمة قائدة) ، فراغ عراقي واضح ، لا ديمقراطية قوية ، ولا اقتران السياسي والمثقف في شخصية واحدة ، من أراد الاصلاح فهو في سباق مع الحريق ، قد يكون المثقف اطفائيا محترق الاصابع ، وهو لا يتوسل ألآخرين ليساعدوه في الاطفاء بل يشكرهم اذا توقفوا عن تاجيج حرائق جديدة يريدها الاسياد .
https://telegram.me/buratha