الصفحة الفكرية

انتظار الفرج عقيدة إسلاميّة حيويّة

11414 10:20:00 2012-06-08

يتميّز الدين الإسلاميّ عن غيره من الأديان والرؤى والاتّجاهات الوضعيّة والبشريّة المعدّة لقيادة الشعوب وإدارة الحياة بخصوصيّات عدّة، لعلّ من أبرزها وأهمّها: خصوصيّة الشموليّة والاستيعاب للواقع بكلّ أصعدته، فالإسلام لا يعالج الواقع من زاويةٍ واحدة، أو بنظرةٍ أُحاديّة، كما هو دأب الحركات التي تتفجّر في أنحاء العالم.

 انتظار الفرج عقيدة إسلاميّة حيويّةوينتج عن هذا المائز والفارق الجوهريّ: خلود الشريعة الإسلاميّة، وصلوح منهجها لكلّ زمان ومكان، ولكن شريطة أن يتاح لها المساحة التطبيقيّة النقيّة والنموذج الصحيح الذي يمارسها في الخارج، وعلى العكس من ذلك، لو ابتليت بنموذج نفعيٍّ مستبدّ، من أمثال دول الاستكبار العالميّ المتمثّلة بأمريكا وبطانتها، وصولاً إلى طغمة الحكّام الفاسدين الذين تسلّطوا على رقاب العرب والمسلمين لعقود وسنوات؛ فإنّ ذلك سوف يقودها إلى الجمود ويعرّضها للتشويه، الأمر الذي يتطلّب هزّة عنيفة في مساحة التخريب تعيد للدين حيويّته، وتمنح الجماهير ثقتها بدورها الرساليّ العظيم.

ومن هنا، تتجلّى أهمّيّة مفهوم (الانتظار)، انتظار الفرج، الذي يطرحه الدين الإسلاميّ بوصفه نموذجاً إسلاميّاً بارزاً يتقوّم بمنابذة الظلم ورفض الفساد بجميع أشكاله ومستوياته، ومقارعة الاستبداد والانحراف.

بل يمكن القول: بأنّ أهمّيّة مفهوم الانتظار تتخطّى حدّ جعله مفهوماً كسائر المفاهيم الإسلاميّة الأُخرى؛ إذ الانتظار ما هو إلّا تكريس لخلود الإسلام وأبديّته واستمراره، وتجديد للمنهجيّة الدينيّة الصحيحة التي شيّدها الرسول الأعظم (ص) وأصحابه المخلصون؛ لأنّ الانتظار يعني ـ فيما يعنيه ـ: الثورة على الواقع الفاسد الذي بدأ ينفصل تطبيقيّاً عن ثوابت الرسالة وضروريّات الشريعة الإسلاميّة.

ومن هذا المنطلق، ركّز الإسلام بشكلٍ لافت على هذه المسألة، [لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة]، وأولاها اهتماماً واسعاً من أجل تحقيق أهدافه المتوخّاة. فكان أن استطاع الأنبياء والأوصياء والمصلحون، وعبِر تجسيدهم الحيّ لما يؤمنون به من مبادئ وأفكار، أن يغيّروا وجه التاريخ ويتركوا بصماتهم واضحةً في سجلّاتهم ، فهم لم يقتصروا في حركتهم الإصلاحيّة، وفي تربيتهم للأجيال، على مجرّد التعبيرات والنظريّات المجرّدة، كما نراه لدى بعض الفلاسفة الذين تقوقعوا مع أفكارهم واستدلالاتهم، فبقوا أبعد عن دائرة التأثير والتغيير، رغم أنّ كثيراً من أفكارهم لا تقلّ في صحّتها وقوّتها عمّا نادى به المصلحون، والسرّ يكمن في أنّهم ظلّوا يتكلّمون مع العقل المجرّد، ولم ينزلوا إلى عالم القلب ليملكوا حينئذٍ أحاسيس ومشاعر الناس.

ومن هنا، جاءت الرؤية الإسلاميّة لمفهوم الانتظار رؤيةً حضاريّة متقدّمة، رؤية تُبعد هذا المفهوم عن كلّ التهم والجوانب السلبيّة التي يُحاول البعض أن يُلصقها ـ إفكاً وزوراً ـ بفكرة انتظار المصلح العالميّ، بدعوى: أنّ هذه الفكرة تشلّ المجتمع الإسلاميّ، وتقيّد حركته، وتحول بينه وبين أن يتقدّم نحو الأمام..

والواقع، أنّ مفهوم الانتظار في الرؤية الإسلاميّة أبعد ما يكون عن ذلك كلّه، فالانتظار الذي يدعو إليه الإسلام إنّما هو انتظار من نوعٍ خاصّ، وهو الانتظار الذي يكون فيه الشخص المنتظِر مدعوّاً إلى الإعداد والتمهيد للمصلح الذي ينتظره، فهو انتظار عملٍ وحركة ونشاط، وليس انتظار جلوس وسكون واستسلام وتكاسل وتخاذل..

ومن الواضح، أنّ رؤيةً ونظرةً كهذه، إذا ما تمّ تعميمها ونشرها في أوساط المجتمعات الإسلاميّة، فإنّها تكون كفيلةً بتفجير كوامن الوعي في أذهان وسلوكيّات أبناء الأمّة الإسلاميّة وغيرها، وقادرةً على إنتاج أفرادٍ مسؤولين رساليّين، وبالتالي: فهي نظرة نحتاج إليها بشدّةٍ، لا بل لا يمكن أن نستغني عنها أبداً في عمليّة صناعة وإنتاج المجتمع الرساليّ المنشود الذي يصبو إلى تحقيق وإرساء وإحلال وتطبيق قيم السماء على الأرض.

ومن الجدير ذكره: أنّه كلّما أمعنت السلطات الحاكمة في أساليبها الإجراميّة، وابتكرت طرائقها العصريّة لإذلال الشعوب وقهرها، يحمل (الانتظار) في أحداثه وثقافته آليّاته الخاصّة التي تجعله قابلاً للامتداد والتوسّع، ممّا أكسب روّاد الإصلاح ودعاة نهضة الشعوب القدرة على استلهامه في مراحل تحرّكهم الحضاريّ والاستنارة به في عبورهم إشكاليّات الواقع المظلم وتعقيدات العمليّة الإصلاحيّة.

وهذا ما يمنح مفهوم الانتظار قيمته لدى رجالات الإصلاح، ويبرزه كواحدةٍ من موادّ الإصلاح الخالدة، من أجل تحريكه للشعوب المضطهدة، وكشفه للواقع المتلبّد، وصنعه المستقبل المشرف، حتى يسلك الإنسان سبيل المواجهة الساخنة ضدّ قوى الشرّ وخصوم الإنسانيّة.

ومن هنا، نستطيع أن نعرف السرّ في كثرة النصوص الإسلاميّة التي تتحدّث عن الانتظار وآثاره، من طمأنة نفسيّة المنتظِرِين بالنصر، وتحقيق الفرج، وإحياء قيم الحق والعدالة في حياة الإنسان، وتقرير مبدأ الاستخلاف في الأرض للمؤمنين، قال تعالى: [ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّةً ونجعلهم الوارثين]. ومن السنّة الشريفة: (انتظار الفرج بالصبر عبادة)، و(انتظروا الفرج ولا تيأسوا من الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزّوجلّ انتظار الفرج).

فما أحوجنا ـ نحن المسلمين ـ في عصرنا الحاليّ إلى إعادة تفعيل هذا المفهوم وتكريسه فيما بيننا، وعندئذٍ فقط: تهون علينا المصاعب التي تواجههنا، ونتمكّن من المضيّ قدماً ونحن واثقون بتحقّق الوعد الإلهيّ، وفي القريب العاجل، إن شاء الله.

3/5/608

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك