بات من الواضح إن كل الجهود التي بذلت من أجل اندماج الائتلاف الوطني العراقي مع دولة القانون قد اصطدمت بحائط رئيس الوزراء نوري المالكي وباءت بالفشل، ومن الحق علينا ان نحاول تلمس الأسباب الواقعية التي حالت دون الإندماج وآلت على المالكي أن يرفض كل الدعوات ومنها دعوات المرجعية الدينية، ووفقاً لحجم وطبيعة الدعوات فإننا يجب أن نعثر على أسباب قوية جداً لكي نفهم تعسر قبول المالكي بمثل هذه الدعوات وردها جميعاً، خصوصاً وأننا رأينا دعوات الائتلاف الوطني وقياداته ظلت تطلق ولحد اللحظات الأخيرة من كتابة هذه الأسطر وربما هي تلتمس الوقت الأخير المتبقي أمام إمكانية الاندماج من الناحية القانونية، حتى عيب على قيادات الائتلاف ما وصف بأنهم كثيروا التوسل بالمالكي، وبدأت الألسن تنبزهم بسمات الضعف والتذلل لأنهم يطلبون ويناشدون ويستصرخون المالكي بأن يتجه باتجاه الاندماج ما بين القائمتين، ولكن من الملاحظ أنهم لم يتأثروا بذلك وظلوا كما رأينا في تصريحاتهم مستمرون في الدعوة للوحدة وترك التفرقة.
مما لاشك إن أحداً لا يمكنه أن لا يرى حجم العائد في اندماج الائتلافين فبدل التنافس ما بين الفريقين في ساحة واحدة، يمكنهما العمل في نفس الساحة على منع أي فريق آخر بالاستحواذ على أصوات الناخبين، وإن كان من خلال استخدام خيار أفضل الموجودين، ناهيك عن إن دخول زخم قوي في البرلمان يمثل ما يمكن لأصواتهما أن تشكل القائمة الأكبر والأقوى، ليسقط بالتالي خيار أن يدخل الائتلافين وهما مضرجان بدماء الحملة الانتخابية لو دخلا منفردين وما اعتادت هذه الحملات من عمليات التسقيط والتشويه والتحجيم والتضخيم ما بين الفريقين، وما يمكن لذلك أن يخلق هوة كبيرة بين الفريقين لا وضوح في إمكانية تجاوزها بعد الحملة الانتخابية وما سيتداعي منها، وهذا الوضوح في فوائد الوحدة بين الطرفين وعدم سماحهما بتفكيك الساحة الواحدة، وعلاوة على كل ذلك فإن عائد الوحدة عند الأمة لا يمكن ان يحصى، فإمكانات المتوحدين لا يمكن مضاهاتها بإمكانات المتفرقين.
ومما لاشك فيه ثانياً إن قوة المنافسين لهما تكمن أساساً في التفرقة بين الائتلافين، ولا اعتقد أن احداً من قادة الائتلافين لا يدرك فوائد الفرقة بينهما لمنافسيهم، فإذا كان المنافس اللدود لهما سيكون هو الخيار البعثي والمعرقل للعملية السياسية، أو الكيانات التي لم تعاني من اجل العملية السياسية، فإن من الوضوح بمكان ان الخطر الذي يتهدد القائمتين يكمن أساساً في اعطاء المجال للرقباء المنافسين أن يستفيدوا من هذه التفرقة، وبالنتيجة فإن هذا العامل لا اعتقد أن وضوحه يحضر في ذهن محلل يقرأ المشهد من خارج الكواليس ولا يلمسها من هم في كواليس المعترك لا سيما بالنسبة للسيد المالكي، اللهم إلا أن تكون المرجحات والموانع التي تحول بين الفريقين هي أعظم من هذه الأخطار!!
واذا كانت المرجحات السياسية والعقلية واضحة للعيان بما لا يقبل الشك، إذن ما هي الموانع التي حالت دون قبول المالكي بخيارات الوحدة؟!
في الواقع لا يمكننا ان نتصور المانع بعيداً عن المصالح السياسية بحدودها الأضيق من المصالح العامة للأمة، إذ أن المتيقن فيه أن المصالح العامة للأمة إنما تتأمن من خلال خيارات الوحدة، ولهذا يجب ان لا نتعب أنفسنا في البحث عن الموانع أبعد من المصالح السياسية الخاصة بكيان ائتلاف دولة القانون، وهذه المصالح يجب ان تقرأ بشكل دقيق ولا تبتعد عن التزامات انتخابات مجالس المحافظات الماضية بكل نتائجها، ووفقاً لمعطيات الحراك السياسي الذي شهدناه في الساحة السياسية خلال الفترة اللاحقة لها.
وقد سار المنحنى التاريخي عبر هذه المحطات:
أ ـ المالكي يعلن ان لا خيار إلا الائتلاف الائتلاف الائتلاف وأن الائتلاف هو سفينة النجاة!! (انظر الرابط) http://www.youtube.com/watch?v=wzfB6p2YeaY.
ب ـ الاجتماعات تتواصل بين مكونات الائتلاف وبحضور دولة القانون ويتفق الجميع على تحديد التأريخ النهائي للإعلان عن الائتلاف الوطني العراقي بعد سلسلة طويلة من التأجيلات من اجل التحاق المالكي، وفي الاعلان الأخير كان النائب حسن السنيد هو المتصدي للإعلان عن هذا التاريخ، وبطلب شخصي من المالكي.
ج ـ حلول يوم الاعلان والمالكي وجماعته يرفضون الحضور دون سبب مسبب.
د ـ اعلان الائتلافين بشكل منفصل وسط ضغوط كثيرة على الطرفين بأن يندمجا.
هـ ـ طرح فكرة الجبهة الاندماجية بين الطرفين، وقد تم صياغة الجبهة بطريقة يتم حساب أصوات الطرفين بشكل منعزل عن الثاني ويحسب مجموعهما لكيان واحد، وهو أمر رفضته المفوضية لأنه مخالف للقانون، وللتوضيح فإن المالكي ومجموعته طرحوا فكرة الجبهة بشكل يتم حساب أصوات كل طرف على حدة ولا يتداخل الحساب بين طرف وآخر، مما استبطن واحد من خيارين فإما ان يتم تقاسم القائمة على طريقة المناصفة (ففتي ففتي) أو ما يماثلها، وهنا اعترض الائتلاف الوطني إن كان الأمر محاصصة فلماذا نشكل جبهة ولا نكون ائتلافا واحدا؟ تعالوا نتفاهم على الحصص وننهي الأمر وبلا تعقيدات، وإما أن يتم عزل القائمتين وكل قائمة تحصل على عدد مرشحين كما تحصل أي قائمة أخرى، وهذا الأمر رفضته المفوضية المستقلة لخلافه مع القانون، وهو الحق. فعاد المالكي لرفض مبدأ الاندماج ضمن الخيار الأول، وتبخرت السحب التي كنا نتصور اغداقها علينا ببركة وحدتها!
وـ وصول جو بايدن إلى العراق، واعلان المالكي بأن الحديث عن اندماج الائتلافين أصبح من الماضي!!
زـ استمرار مطالبات الائتلاف الوطني العراقي بالتوحد والاندماج.
هذه هي المعطيات الرئيسية التي يمكن من خلالها تلمس جانبا من آفاق المصالح الخاصة الكامنة وراء التمنع الذي ابداه المالكي، إذ يبدو في الصورة الأولى أن المالكي وائتلافه يريدون أن يحتفظوا بخصوصية ما يحصلون عليه مهما كان المقدار وهو مقدار أصغر ولا شك من مقدار الاندماج، فالمالكي يريد قائمة يسجل ما يحصل عليه لأنصاره فقط ولا يعطي غيره من هذه الأصوات وهو حق له ولا ريب ولكن كون القائمة المفتوحة وطبيعة قانون الانتخابات يفسح المجال للكل أن تحصل من الكل، لهذا ما من داع موضوعي يبقى خصوصا وأن المالكي سيرشح في مكان واحد وقد علمنا انه سيكون في بغداد، اللهم إلا أن تعاود حليمة عادتها القديمة وتبدأ إمكانات الدولة وقوتها لكي يوظف بخلاف القانون ويوضع بيد قائمة المالكي، وهي سمة التزمت بها دولة القانون أثناء انتخابات مجالس المحافظات إذا تم انفاق موارد الدولة وامكاناتها على القائمة ومرشحيها بشكل مذهل دون ان يرعوي أحدا لأنهم يعلمون أن لن يحاسبهم أحداً وان الاصوات المتوقعة والتي ستعترض في البرلمان سرعان ما سيتم حجبها ما دام الحاكم هو الشاهد والشاهد هو المدافع عن الجاني فأين المشكلة؟ ولهذا فعقدة الأمر بصورته الأولى هي الرغبة في حصر الاستفادة من امكانات الدولة في خدمة المالكي وجماعته دون غيرهم وهذه رحمة دولة القانون التي تدعو للقانون من خلال نقضه والاستهزاء به!!
أما العقدة الثانية لدى المالكي فتكمن بالتالي: كم سيأتيه من الائتلاف الواحد؟ فمما لاشك فيه إن المجيء بعدد 136 على سبيل المثال في بغداد كقائمة منفردة من المرشحين غير أن ياتي بما لا يزيد عن نصف القائمة لو اندمج مع الآخرين باعتبار ان أفضل فرصه في الاندماج لا تأتي إليه بنصف عدد المرشحين، وبالتالي فإن فرص زيادة عدده كقائمة خاصة به تكون في حالة الدخول منفردا أفضل مما لو دخل متحدا مع الآخرين لأن وسعة الترشيح تعطيه عددا أكبر من الاحتمالات.
أما العقدة الثالثة وهي الجوهرية، فمن الواضح إن هدف أي حملة انتخابية هو الوصول إلى الكتلة الأكبر بغية الوصول إلى سدة رئاسة الوزراء، ومن أوضح الواضحات إن المالكي الذي يعد من أكفأ السياسيين في فقدان الأصدقاء وهذا الأمر يسجل له بامتياز كبير لم يبق أمامه فرصة العودة للكرسي ، وهو يعرف إن أركان الائتلاف الوطني العراقي لا يمكن أن يبني عليهم أي أمل في هذا المجال، فهو صعد على أكتاف الجميع وركلهم من بعد ذلك من دون كلمة شكراً للمجاملة حتى!! وهو مع كل ذلك حتى لو اخذ منهم أصواتهم بطريقة التغلب بالمقاعد فإن فرصة تحوله إلى رجل يصنع التوافق الوطني حوله تكاد تكون مستحيلة، فلقد كان سلفه الدكتور الجعفري حصل على كل أصوات الإئتلاف ولكنه لم يتمكن لأن المكون السني والكردي لم يقبلا به، ولهذا فإن خيار الاندماج سيجعل المهمة أكثر صعوبة للوصول إلى الكرسي اللعين، وعليه فإن الأنسب هو الدخول منفرداً ولو كان بالإمكان الحصول على وعد دولي لإمكان الضغط على حلفائهم في أن يقبلوا به مرة أخرى يبقى قائماً ولو بنسبة ضئيلة وهي أفضل ولا شك من النسبة العسيرة إن لم نقل المستحيلة لو بقي في داخل الائتلاف، وعليه فإن الفريق الدولي الأكثر تأثيراً سيكون هو الأكثر جذباً بالنسبة إليه، وهنا فإن خيار تسويق نفسه في الأروقة الأمريكية كبديل أفضل من بقية البدائل هو المخرج لذلك.
وقد أرتنا جملة من الحقائق الميدانية أن هذا الخيار بدا العمل به مبكراً وتم المحافظة عليه بشكل متصاعد وفق تحركات الموج السياسي، فالمظهر العلماني لحزب الدعوة بدا يتبلور بشكل أكثر من كونه تصريح عابر لمحافظ بغداد صلاح عبد الرزاق، وقد غدا من الواضح لابن بغداد أن غض النظر عن مظاهر الفساد الأخلاقي بدواعي الحرية تعد من أبرز سمات عامي 2008ـ2009 وما عدد حانات الخمور وعدد الملاهي الليلية التي افتتحت مؤخراً إلا شاهد على ذلك، ولا يمكن الوصول بعقل القارئ إلى سطحية بليدة بإلقاء اللوم على هذه الوزارة فهذه الأمور كلها بيده بعنوانه تارة مسؤول عن كل الوزارات وأخرى بعنوانه القائد العام للقوات المسلحة، ولا أشك أن المالكي لا يمكنه أن يعتبر ذلك تعبيرا مبدئيا ولكن يمكن غض النظر إرضاء لمهمات التحالف مع الأمريكيين، خصوصا وأن الحقيقة التي تمثلت باعادة البعثيين إلى أوساط الدولة قد شهدت مع المالكي تناميا هو الأخطر من نوعه، إذ لم يستطع علاوي ولا الجعفري أن يعيدوا عشر معشار هؤلاء ولكن المالكي فاز بقصب السبق في إعادة البعثيين إلى الدولة وتشير الأرقام الرسمية إلى إن عدد من عاد منهم إلى دوائر الدولة هو (32 ألف) بعثي ومن أسخف الحجج أن البعض يلقي باللائمة على البولاني أو على العبيدي أو على الوزراء، فهذه سياسة حكومة والمالكي لا ريب أنه يتحمل المسؤولية كاملة في هذا المجال، فهو إما أن يكون رئيس وزراء قوي فبالنتيجة سيكون ماسكاً بحركة كل وزرائه، وإما أن لا يكون قويا والوزراء يلعبون بوزارتهم كيفما شاؤوا إذن لماذا هذا التمسك بهذا المنصب؟ وانا اعتقد أن الوزراء في مثل هذه الأمور لا يمكن أن يخالفوه خاصة وأن الأمر يتضمن مخالفة كبيرة لقوانين المساءلة والعدالة، وهذا المطلب هو مطلب أمريكي بامتياز وسعودي بالدرجة الثانية، ولو وجدنا خلال هذه الفترة الدعوات من قبله لمضادة البعثيين فإنها دعوات الانتخابات ومتطلباتها ليس إلا وإلا أين كان قبل هذا الوقت؟ ومن أرجعهم لكي يخرجهم؟ وليس بعيدا عن ذلك تنامي التداخل التجاري مع الأمريكان والبريطانيين وهو أمر كان ليبدو عاديا لو كان عاماً مع بقية الدول، ولكن هناك تفاصيل مرعبة في طبيعة الاستغلال للثروة العراقية وخاصة لو لاحظنا الأمر من بوابة جداول التراخيص، وعلى أي حال فإن أمريكا ستكون اكثر تناغماً مع رئيس وزراء يحفظ لها مصالحها ولا يبدو في جعبة الائتلاف الوطني من يمكن أن تعتمد عليه في مجال مطالبها الرئيسية، خاصة وأن هناك موضوع الاتفاقية الأمنية وهي التي يجب ان تستمر بعض فصولها الفنية لا سيما في مجال المعلومات والاستخبارات ولهذا فإنها تحتاج إلى تعهدات حتمية. ولعلنا من خلال ما نراقبه من سياسة قناة الحرة وراديو سوا نجد إن القناة الموجهة مباشرة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية تقف كداعم لدود للمالكي حتى أكثر من قناة آفاق نفسها، وهذا تعبير لا يمكن وصفه بالسذاجة او لكونه مجرد ممارسة إعلامية.
ولو تابعنا المشهد من جهة أخرى فإن من مصلحة أية قوة أجنبية ان تشتت القوى الشعبية بغية إبقاء الجميع ضعفاء وبالتالي سوقهم لطلب حمايتها ورعايتها، ولهذا فإن خيارات التفرق ستعطي صورة أن أية قوة كبيرة في البرلمان القادم ستكون ضعيفة جدا، فلو قدر لنا ان نرسم الصورة بناء على حسابات الانتخابات البرلمانية السابقة ضمن خيارات التفرق والتشتت فإننا سنعثر على قوتين تتقارب أرقامهما من الخمسة وستين مقعدا ووفق الأرقام الحالية تقتربان من أرقام السبعين مقعدا لو قلنا بالتناصف، ولو أخذنا أرقام الانتخابات المحلية السابقة فإننا سنجد تفوقا طفيفاً للإئتلاف الوطني على ائتلاف دولة القانون مما يعني أن الائتلافين سيصلان وهما متباعدين كثيرا عن بعضهما إلى البرلمان القادم، وهذا في مصلحة من لا يريد لهما الإمساك بالأمور، مما يعني ان خيارات الكتلة الكبيرة حتى لو بقيت بيد أحدهما فإنها لن تكون حاسمة كثيراً ما داما متفرقين، وبالنتيجة سيكون الطرف هذا وذاك بحاجة العم سام وأمثاله، ولهذا يبدو لي دقيقاً جداً ما سمعته من احد البرلمانيات المطلعات: إن المالكي منعته أمريكا من الاندماج مع الائتلاف الوطني، وهذه هي القصة ولا غير.
أنا لست من النوع الذي تأخذني تصريحات السياسيين كأمثال سامي العسكري أو حيدر العبادي حينما يتحدثون أن أسباب عدم الاندماج تعود لوجود برامج مختلفة وأجندات، وأن الائتلاف الوطني يتبع اجندة طائفية أو أو ما إلى ذلك من ذرائع وحجج، فهذه كلها اكاذيب والصدق الوحيد في هذا المجال هو ما قاله هارون الرشيد يوما لولده المأمون حينما رآه يجلل من أمر الإمام الكاظم (عليه السلام) فسأله عن السبب فقال له: إنه صاحب هذا الكرسي، فقال له ببراءة طفل: ولماذا لا تعطيه إياه، فقال: يا بني إن الملك عقيم، ولو فكرت انت فيه لأخذت الذي فيه عيناك!! هذه هي القصة وكل ما غيرها هو حديث خرافة يا سامي العسكري الذي تستحق وبامتياز عال لقب: مفرق الجمع (sir sami) كما يقال لك في بريطانيا المجسدة لمبدأ : فرّق تسد!!
وكصحفي امتدح المالكي كثيراً من دون أن يعرفه! وانتقده كثيرا من دون أن يعرفه أقول لأخينا المالكي: إن الأمة ترصد وتراقب وقد تكون لهذا غلبة يوماً وتكون لذلك غلبة في يوم آخر، وقد تتغاضى عن غلبة هذا او ذاك ولكنها لن تتغاضى عن شخص تسبب في تضييع فرصها التاريخية بعد طول المظلومية وعناء المحرومية، فالله الله فينا أبو إسراء فلا زال العود طريا. ملاحظة: أشكر صبر إحدى البرلمانيات لتزويدي ببعض الملاحظات الفنية
محسن علي الجابريالنجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha