ما جرى اليوم في البرلمان قصة تؤشر على العديد من الأمور المهمة التي أحببت أن أشير إليها وأضعها بين يدي رواد الوكالة الكرام، فلقد استهواني ما جرى اليوم في التصويت على نقض طارق الهاشمي لقانون الانتخابات، ولا اخفي إني في البداية كنت قد وضعت يدي على قلبي وأنا أسمع بان اخواننا قد بدأوا الأمر بقبول النقض الهاشمي وبدأ قلبي بالغليان، بل لا اخفي أنه استعر بالغضب رغم ملاحظتي ان اخواننا ممن نعتز بمواقفهم كانوا هم المطالبين بقبول النقض بعد أن كان حديثهم بانهم سينقضون النقض، وكم باغتني الشيخ الصغير وهو يتحدث بطريقة لم اتصور ان لها نهاية مختلفة فلقد تحدث بطريقة وكانهم تنازلوا للهاشمي حينما خاطب رئيس مجلس النواب متسائلاً عن الأسباب التي جعلت أنصار الهاشمي يقاطعون فلقد نقضوا القانون حينما وافقنا عليه، وحينما قبلنا بالنقض أصرّوا على أن ننقض النقض؟! ورغم اني رأيت في كلام الشيخ الصغير بأنه ضربة قوية تحت الحزام لهؤلاء ولكن النتيجة الواضحة أمامي صاعدت من نسبة الأدرينالين لدي، وفيما الغضب يزداد وجدت إن نواب الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون كانوا المبادرين لقبول النقض، وفيما كنت اتسائل بحنق: ما عدا مما بدا؟ ولكن حينما بدأ الأعرجي يقرأ الخيارات المطروحة علمت إن الحنكة كانت قد سيطرت على الجميع ممن صوّت لقبول النقض!! وعرفت لماذا كان أعداء العملية السياسية يريدون نقض النقض خلال اليومين الأخيرة؟!
إذ من الملاحظ إن التعديل المطروح حسّن خياراتهم بشكل مذهل وأوصد الباب أمام ما كان يطمح به طارق الهاشمي وصالح المطلك وظافر العاني وأمثالهم، بل وأفقد طارق الهاشمي كل ثمار نقضه، حتى استمعنا اليوم إلى الناطق بام جبهة التوافق سليم الجبوري وهو ينتقد طارق الهاشمي بألم بانه حيما نقض لم يكن يمتلك الأفق الاستراتيجي في التعامل مع القانون، وسليم أكفا من غيره في معرفة ماذا جنى الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون والتحالف الكردستاني والمسيحيون واخواننا في الخارج من نقض القانون بعد أن حاول طارق الهاشمي قد حاول أن يجعله ضد هؤلاء.
فلئن كان طارق يتحدث للإعلام أنه يريد انصاف الخارج جاء التعديل وهو يقلب ظهر المجن على الهاشمي حينما تحدث عن اطلاق انتخابات الخارج بدون المقاعد التعويضية وادخال الخارج كل الخارج وبأي عدد موجود في التصويت الخاص لمحافظاتهم مباشرة، مما سيوقف التزوير المتوقع من قبل الجماعة المنضوين تحت راية صابرين الجنابي ونظرائها لأن التصويت ستكون مرجعيته لمراجعة السجلات مع محافظات الناخبين في الخارج، وسيبقي الأمور تحت سيطرة استحقاقات المحافظات.
ولئن حاول الهاشمي أن يحسّن في خيارات المحافظات التي تصوّت له، فإن الخيارات تبدّلت بشكل كبير بحيث أدى إلى إعادة التوازن بين الأكراد وبين انصار الهاشمي بعد أن اختل بشكل كبير في الحسابات السابقة، ومن الواضح إن التوافق الكردي مع الائتلافين مطلوب استراتيجيا بالرغم مما يعتري علاقات الطرفين ما بين فترة واخرى من تصدعات.
وعاد الائتلافيون ليسددوا ضربة جديدة للهاشمي حينما عدّو حصص الأقليات من المحافظات الخاصة بهم بعد أن كانت تأخذ من كل المحافظات، وغالبية هذه الحصص هي من محافظة الموصل، ولهذا استقتل أنصار الهاشمي إلى محاولة نقض النقض ورده واقناع الهاشمي بأن يسحب نقضه لأنه فتح عليهم ابواب جهنم!!. وكان من فوائد الهاشمي أن رأسه كان متيبساً بدرجة ابقاه بعيداً عن سحب النقض، وما درى أنه أخرب بيته عليه وعلى أعوانه!!
وقد التفت الصغير إلى مسألة أخرى أو ربما هي مبيته حينما علا صوته وهو يطالب بدائرة واحدة في تصويتات المسيحيين في كل العراق، ولا أدرى هل كان يصوّب نحو هذا الذي أحسست بأن مراده هو افساح المجال للمسيحيين أن يخرجوا من اطار سيطرة النجيفي وأمثاله في الموصل لاختيار مرشحين مساندين لهم، ولهذا عمم التصويت المسيحي على كل العراق، واعتقد انه أراد بلك فعلا ولكن مهما كان مراده فإنه حقق انجازا مهماً حتى لو لم يكن يريد هذا المعنى الذي اشرت اليه.
على أي حال أنا اعتقد جازماً أن الهاشمي سيتورط مرة أخرى بنقض آخر للقانون، واعتقد ان صورة الموقف الواحد بين الائتلافين وبين التحالف الكردستاني وبعض اصدقائهما سيوجه مرة أخرى صفعة أخرى للتوجه العابث من قبل الهاشمي للتعامل مع مصير البلد، لأن التحشد الموجود اليوم وبرغم وجود متغيبين لدى الأطراف إلا إن النقض الثاني سيأتي بنتيجة تفوق نسبة الثلاثة أخماس المطلوبة لرد نقض الهاشمي والذي سيجعل القانون مصادقا عليه بشكل أوتوماتيكي.
ثمة ما أعجبني جداً وأثارني في نفس الوقت هو طبيعة نتائج الوحدة بين الطرفين، وأعاد لي ما كان الائتلاف الوطني وقياداته يتحدثون بأن كل المخاطر تسقط اذا ما اتحدنا وكل المخاوف ترعب غن تفرقنا، وما جرى اليوم هو رسالة بليغة للإئتلافين أن ينظروا إلى فوائد الوحدة والاندماج بينهما وإلى حقيقة المخاطر حينما يتوحد الآخرون ونتفرق نحن، فاليوم كان انجاز الوحدة رائعاً، وبالأمس كان خيار سامي العسكري الذي دعا للتفرقة مهما توسل به الائتلاف الوطني (كما يزعم في مقابلته على العراقية) بائساً محتقراً، فأي مجال لنخدع بكلامه عن ايجابيات التفرق وسلبيات التوحد بين الائتلافين؟!
وصراحة لم استغرب أن أجد الصوت النشاز الدائم من سامي العسكري وهو يفرّق جموعنا فهذا دأب العسكري كان ولا زال وسيبقى! ولكن يا قادة الائتلاف كم كان رائعا ان نجد أيدي الأديب مع الصغير والعامري مع الربيعي وحمودي مع السنيد متحدة وهي تصوت معا لغرض درأ مؤامرة جزئية من مؤامرات المتوحدين ضد العملية السياسية؟ أليس الأجدر إذن ان تتحدوا اكثر من أجل دحر المؤامرة في صورتها الأكبر؟ فاستغلوا فرصة تأجيل الانتخابات لتعودوا لأحضان بعضكم ولتبلسموا جروحاً خطط أعداؤنا لكي تنكأ من جديد!!
أقول ذلك، ومن بعده أقول لسامي العسكري وأمثاله ولقناة الحرة الأمريكية وأمثالها: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله!! وسنرى وسترون والله المستعان على ما تصفون!
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha